هل تصافح النساء الرجال؟ وهل تساوون بين المرأة والرجل؟ وهل تعترفون بحقوق المثليين جنسياً؟ هكذا تريد الحكومة رسم خريطة لقيم المهاجرين. خصصت لذلك مليوني كرون سنوياً لإجراء استطلاع يحدد قيم المهاجرين التي تنحرف عن القيم الديمقراطية الليبرالية. ويقول وزير الاندماج ماتس بيرشون لصحيفة أفتونبلادت إن نتائج الاستطلاعات ستشكل أساساً لسياسة الاندماج.
ويالطبع لن تنصب الحكومة “محاكم تفتيش” تحاكم الناس على قيمهم، كتلك التي نشطت في فترة مظلمة من تاريخ أوروبا. الوزير يطمئن المهاجرين بأن آراءهم في الاستطلاع ستكون مجهولة. فالغرض من كل هذا هو المعرفة فقط، رغم أن الحكومة لم تحدد بعد كيفية الاستفادة من نتائج هذه الاستطلاعات بشكل عملي، ولم تتحدث عن مخاطر وصم مجموعة من البشر، وهو ما تقوم به قوى حليفة للحكومة دون استطلاعات ودون أرقام.
لا تحتاج الحكومة ربما إلى هذه المبالغ لتعرف أن ثمة تناقضاً بين قيم بعض المهاجرين والقيم التي يركز عليها الوزير. لذلك شروط موضوعية مرتبطة باختلاف البيئات التي يأتي من المهاجرون وظروفهم الاقتصادية الاجتماعية في المجتمع الجديد. ليس في ذلك سر أو أحجية، بل العقدة هي في سؤال “ما العمل؟” وكيف يمكن حل هذا التناقض أو احتوائه على أقل تقدير، فذلك يتطلب عملاً من المجتمع بأكلمه ولا يكفي فيه تحميل المهاجرين المسؤولية واعتبارهم “متخلفين” لا ينتمون لقيم المجتمع. لكن كعادتنا في السويد نحب الأرقام ونحب أن “نبني سياساتنا” على أرقام مثل “40 بالمئة من المهاجرين المسلمين لا يصافحون الجنس الآخر”، و”40 بالمئة من المهاجرين المسيحيين لا يعترفون بحقوق المثليين”. ولا بأس لو سألنا أيضاً السؤال الشهير “هل تدين حماس؟”.
بغض النظر عن النوايا، من الجيد أن تعرف الحكومة أين ينحرف المهاجرون في قيمهم عن القيم السويدية، لكن من الجيد أيضاً أن تعرف الحكومة أين ينحرف ممثلوها وحلفاؤها أنفسهم عن القيم السويدية. عليها ربما أن ترسم خريطة لقيم الحكومة نفسها، وأن تجري استطلاعاً تسأل فيه وزراءها وقادة أحزابها عن أهم قيمة ديمقراطية في المجتمع السويدي: قيمة المساواة بين البشر. وعن حقيقة إيمانهم بمجتمع متعدد الثقافات.
ليسأل الاستطلاع إيبا بوش مثلاً “هل تعتبرين أن من يعتقد بدين الإسلام هو في مرتبة فكرية وعقلية مساوية لغيره؟” ولتسأل أولف كريسترشون “هل تعتبر أن الضحايا الإسرائيليين والفلسطينيين متساوون في القيمة؟”، ولتسأل يوهان بيرشون “عما إن كان أطفال الفلسطينيين أطفالاً حقاً أم إرهابيين؟ وهل يستحق قتلهم عشوائياً أدنى إدانة؟”، أما أسئلة جيمي أوكيسون فكثيرة وقد يحار معد الاستطلاع من أين يبدأ، من ترتيبه للمهاجرين على سلم البشرية، أم من تصنيف قادة حزبه للمسلمين منهم.
إن البشر متساوون في القيمة، ولا يجوز وصم أحد بناء على خلفيته الدينية أو العرقية أو طبقته الاجتماعية أو جنسه أو اختياراته الجنسية، هذه قيم لا تتجزأ والأضواء يجب أن تسلط عليها جميعاً.
ليس في انتقاد الحكومة دعوة للمهاجرين بتشجيع الابتعاد عن قيم المجتمع، بل الأدعى أن يفكر المهاجرون أنفسهم أيضاً في سؤال “ما العمل؟”. وأن ينتجوا حراكاً ما يسد فجوات موجودة بالفعل ولا يزيدها إنكارها إلا اتساعاً. هذه ليست مسؤولية الحكومة أو السياسة وحدها.
وعلى المجتمع كله ربما أن يفكر خارج الصندوق عله يجد حلولاً لا تكتفي باستطلاعات الرأي أو دورات الاندماج التي يخرج منها المهاجر وهو يعرف كيف يجيب عن سؤال ما موقفه من المثلية أو المساواة بين الجنسين، دون أن يؤمن بإجابته فعلاً.
أما تكرار الكليشيه “من لا يلتزم بقيمنا فليرحل” فهو تكرار عبثي لا ينتج حلاً لأن هؤلاء ببساطة لن يرحلوا، كما تظهر التجربة، وقد تتحول عزلتهم إلى قنبلة تفجّر مشكلة تلو أخرى. كليشيه يصلح للمناكفة على صفحات التواصل الاجتماعي وقد يطرب آذان ريكارد يومسهوف، لكنه يزيدنا انقساماً.
مهند أبو زيتون