الكومبس ـ خاص: رفض الوقوف عند المقامات الموسيقية بأسلوبها التقليدي، فأبحر بين سطورها، وطوّعها لتدخل بحوار ينسج من الفكر والروح حوارا عميقاً، صداه نغمات موسيقية، وبذلك كان قلب الجسد الموسيقي السوري الذي ينبض مع الأرض ويحلق في سمائها وسماء الكثير من الدول التي عرفت ابداعاته، لكن رجوعه كان دائما الى معشوقه الأول بلده.

الكومبس ـ خاص: رفض الوقوف عند المقامات الموسيقية بأسلوبها التقليدي، فأبحر بين سطورها، وطوّعها لتدخل بحوار ينسج من الفكر والروح حوارا عميقاً، صداه نغمات موسيقية، وبذلك كان قلب الجسد الموسيقي السوري الذي ينبض مع الأرض ويحلق في سمائها وسماء الكثير من الدول التي عرفت ابداعاته، لكن رجوعه كان دائما الى معشوقه الأول بلده.

الموسيقار نوري إسكندر تلك الشجرة التي أثمرت مقطوعات وألحانا موسيقية عرفها الشرق والغرب حيث أجرى حفلات موسيقية عدة في السويد وجنيف وبروكسل وباريس ولبنان وغيرها، فحياته كانت مليئة بالسفر والتجارب الموسيقية. ففي الثمانينات أجرى تجارب الثلاثي الوتري حيث حاول إعادة اكتشاف مضامين المقامات لذلك استخدم ثلاث آلات موسيقية كمانجتين وتشيلو للحصول على إمكانيات تعدد الألحان وتوافقاتها (هارموني).

يعتبر اسكندر من أكثر الباحثين والمؤلفين الموسيقيين السوريين اهتماماً بتوثيق الموسيقى السورية القديمة ولاسيما السريانية (الكنسية و المدَنية) التي تعود لكل من مدرسة الرها "أورفا" ومدرسة دير الزعفران، حيث حولها من تراث شفهي معرض للضياع الى مدونات جمعها في كتابين وفق نظام الكتابة الموسيقية الحديثة "التنويط" برعاية المطران يوحنا ابراهيم، وله أعمال هامة بدا فيها شغوفاً بتحقيق تداخل الأجناس والعلاقة بين المقامات الشرقية والغربية ومن أهم أعماله «كونشرتو التشيللو» مع أوركسترا الحُجرة، و«حوار المحبة» عام 1995، و«الآهات» 2003، و«يا واهب الحب»، و«مدخل إلى الصوفية» 2007، بالإضافة إلى أعمال الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام السينمائية والمسلسلات.

اليوم ومثلما تقتلع الأزمة السورية كل شيء جميل أضطُر إسكندر الى طلب اللجوء في السويد، ليبدأ هذا الرجل السبعيني رحلة جديدة حاله حال السوريين الذين وصلوا هذه البلاد، وقلبه يعزف إنشودة بلاده.

" الكومبس " حاورته في السويد فكان معه هذا اللقاء:

الى أي حد كان قرار رحيلك عن سوريا قاسيا؟

كان صعباً جداً أخذته بعد ان ذقت مرّ الأزمة وتجرعت غصتها وقاومت حتى ملّت المقاومة مني، فبعد أربع سنوات من بطالتي والإعتماد على راتبي التقاعدي لتأمين خبزنا كفاف يومنا، دفعتني ضيقتي الى الرحيل.

هل وضعك المادي وحده يقف وراء قرار الهجرة؟

كلا بل طموحي الذي بات يسابق عمري أصر عليّ المغادرة، فمازال في جعبتي الكثير من الأبحاث وأنا قطعت السبعين من العمر فأخشى أن تخونني قواي قبل أن أكمل أبحاثي في تحليل الموسيقى السريانية التراثية وأتمم تجاربي بالعلاقات بين المقامات والأجناس الشرقية، وللأسف برغم التكاليف القليلة التي إحتجتها للإستمرار في البحث الموسيقي لم أجد دعماً في بلدي ولا حتى طلبي بإستئجار غرفة تحوي حاسبين آليين وموظف يعينني بأبحاثي، وأعتقد أن الحد الأدنى من المعيشة التي تؤمنه السويد سيساعدني على استمرار وتأمين ما أحتاج اليه لتنويط ما تبقى لي نتاجات.

هل تناولت الوضع السوري الحالي من خلال موسيقاك؟

نعم، حيث لحنت قصيدة للشاعر ابراهيم جرادة تتحدث عن حب الشام ومأساتها وقصيدة للشاعر الراحل حديثاً أنسي الحاج الذي قرأ مأساة الحضارة في سوريا منذ القدم وحتى الآن، لكن كلتاهما لم تريا النور، فيبدو أن الحرب خنقت حتى الموسيقى وأجبرت مشاعرنا أن تبقى مأسورة بصدورنا.

أتيت الى السويد منذ حوالي شهر وهي مدة ربما غير كافية لدراسة الواقع الموسيقي هنا، لكن من خلال جولاتك السابقة هل تجد أن الأفق الموسيقي مفتوح لك؟

للسويديين برنامجهم الخاص في الثقافة والموسيقى ولديهم أوركسترات مهمة، لكن يبدو أن الجالية السريانية هنا لم تجد طريقها للإندماج والحوار الموسيقي، وربما السبب أننا منغلقين في موسيقانا وفرحين بما لدينا فبقينا كسريان في قوقعتنا الموسيقية، لذا غايتي أن يكون لي معارف وعلاقات مع الموسيقيين والمؤلفين السويديين والأوركسترات عسى أن يخلق الحوار بيننا لأعمال مستقبلية جيدة وهذا يمكن تحقيقه حتى لو كنت فاقداً للسان السويدي فيمكنني التحاور معهم بالموسيقى فهي اللغة المشتركة بالعالم.

أسست عام 1986 كورال قوقوية هل سنجد في 2015 مثيلا له في السويد؟

هذا سؤال سابق لأوانه فالأفق حتى الآن غير واضح، وعلاقاتي هنا غير ناضجة، أما إذا تطرقنا للأماني سيكون هناك قوقوية في السويد بعد أن تبعثر حلمي مع تشتت أعضاء كورالي بين أوروبا ودمشق وحلب، وبقي منه ذاكرة زهوته بين 2003 و2007 .

الموسيقى لا يحدها حدود جغرافيا فهل تنوي الإستمرار بمجال الموسيقى التصويرية وإرسال الأعمال لسوريا؟

بالطبع لا لأن التفاهم عيناً لعين كان صعباً في سوريا فكيف سيكون التعامل عن طريق الشبكة الإفتراضية.

جمعت في حفل حوار المحبة الترانيم السريانية الكنسية والأناشيد الدينية الإسلامية هل هذا الحوار نغصته قليلا ما يفعله الشاذون عن المحبة؟

للأسف نعم، لكن علينا الإستمرار والإصرار لنقل صورة المحبة الحقيقة بين أطياف المجتمع السوري.

سلاف يعقوب ابراهيم

قصيدة أنا الخالد المدجج بالموت (ديوان الوليمة) التي لحنها نوري اسكندر للشاعر أنسي الحاج

أنا الخالد المدجج بالموت

أنا الإله المقنع بالعجز

درت حول بلدي، حول بلدي المطعون

درت دورة ملك الملاكئة وأمير الظلام

فإذا الرؤيا أكبر من الفم

والسقوط أكبر مما تستوعب الهاوية

وماخلقناه كأعجوبة تجمعت عليه المسوخ

يتقدمها الخنزير البري

متوجا بتقاليده

ومنذ بدء تقاليديه

وأنا كلما قتلني الخنزير البري أقوم في الشهر الثالث

أو أقوم في اليوم الثالث لمجد النور ولأجل الظلال

في ظلام النهاية

جلست أكتب البداية

في دم الأرض غمست ريشة السماء

وأقول للموت الداخل أدخل

لن تجد أحدا هنا غير بوابة

مفتوحة على الحب

وحين يدخل الموت بجلاله العظيم

سينسى جلاله العظيم وسينسى الموت

وسيأكل معنا الخبز(من خبز الملائكة)

وسيشرب معنا الخمر (من خمر الشياطين)

وسيرقص ويغني ويضحك

وسينتهي الموت ولن يعود الموت

وها أنا أقيم الغارق من مغيبه

أعيد دماء الوهم المقدسة الى عروق الأشجار

أنا وأنت

ميلاد إله جديد

فوق أرض جديدة

شعبها الحب

وحبها حريق لا ينتهي