الكومبس- خاص: في اليوم العاشر من شهر آذار هذا العام، عاهد كل من محمود (اسم مستعار) وابنة عمه بعضهما في حفلة الخطوبة على أن يُكملا حياتهما معاً في السراء والضراء، لكنهما لم يكونا يعلمان حينها أن اقتراحاً حكومياً في السويد قد يُعرقل زواجهما، ويحكم بعدم “شرعيته”، لأنهما أبناء عم.

حظر زواج الأقارب

نشر محمود (اسم مستعار) من سكان بلدية “لاهولم” التابعة لـ”مقاطعة هالاند” السويدية منشوراً في مجموعة “استشارات لم الشمل السويدية” على فيسبوك مستنداً فيه على الخبر الذي نشرته الكومبس سابقاً حول عزم الحكومة السويدية حظرَ زيجات الأقارب في السويد بدءاً من العام 2026. القرار سيُطبق أيضاً على الزيجات التي تُعقد خارج الأراضي السويدية، حيث لن تعترف السويد بزيجات الأقارب التي تُجرى في دول أخرى أيضاً.

الكومبس تواصلت مع محمود الذي أراد سرد قصته كاملةً لأن “حياته ستتغير جذرياً” إذا تم تطبيق الاقتراح الحكومي على حد وصفه. يقول محمود “كنت أسمع من بعض الصفحات أن السويد قد لا تعترف بزواج الأقارب في يوم من الأيام، ولكن عندما نشرت الكومبس هذا الخبر بدأت فعلياً الشعور بالقلق لأن هذا المقترح يحظى بغالبية برلمانية.”

محمود (اسم مستعار) يدرس حالياً في برنامج “إعداد المعلمين” (lärarutbildning)، وليس لديه عمل لأنه متفرغ لدراسته الجامعية التي تتطلب تركيزاً كاملاً، على حد وصفه. وهو على علاقة خطبة مع ابنة عمه المُقيمة في سلطنة عُمان منذ أكثر من 6 أشهر، وكلاهما كانا قد خططا أن يثبتا عقد زواجهما في كل من العراق باعتبار أن محمود من هذا البلد، إضافة إلى عُمان مكان إقامة ابنة عمه وعائلتها، إلى جانب تثبيت عقد زواجهما في المحاكم السويدية قبل البدء بإجراءات لم الشمل من قبل محمود بحكم أن ابنة عمه تستطيع القدوم للسويد بفيزا سياحية لأن بعض أقربائها يقيمون في السويد منذ زمن، وكانت بالفعل زارتهم قبل 10 أعوام.

كل هذه الإجراءات وضعها محمود في حسبانه منذ بدء علاقته مع ابنة عمه كي يقوّي ملف لم الشمل الخاص به، على حد تعبيره، ولكي يكون قانونياً ومصادقاً عليه من أكثر من دولة بغرض إثبات أن علاقته بها “جدية” ولا تقع تحت خانة “الزواج القسري ” أو تحت ضغط العائلة أو العشيرة كما يشير الاقتراح الحكومي بهذا الخصوص.

سأترك دراستي بسبب الاقتراح

وفقاً للموقع الرسمي لمصلحة الهجرة في السويد فإن لم شمل الزوج أو الزوجة يتطلب العديد من الإجراءات التي يجب على مقدم الطلب تنفيذها، مثل وجود عقد عمل ثابت وغير مدعوم من أي جهة في السويد كمكتب العمل على سبيل المثال، إضافة إلى وجود سكن بمواصفات معينة، وراتب شهري يُمكّن صاحبه من دفع الإيجار الشهري لمنزله.

كما يجب أن يكون المبلغ المتبقي من الراتب كافياً لتغطية الأمور الأخرى مثل تكلفة الطعام والملابس، والمنتجات الشخصية وتكاليف الهاتف والتأمين لجميع أفراد أسرة مُقدم الطلب، ويكون توزيع هذا المبلغ على الشكل التالي وفقاً لتحديث موقع الهجرة هذا العام:

  • 6090 كرونة سويدية للشخص البالغ الوحيد.
  • 10061 كرونة سويدية للأزواج أو الشركاء المتعايشين.
  • 3255 كرونة سويدية للأطفال من سن 0 إلى 6 سنوات.
  • 3906 كرونة سويدية للأطفال من سن 7 إلى 10 سنوات.
  • 4558 كرونة سويدية للأطفال من سن 11 إلى 14 سنة.
  • 5208 كرونة سويدية للأطفال الذين تبلغ أعمارهم 15 عاماً أو أكثر.

يقول محمود “أنا حالياً طالب جامعة ولا أمتلك عملاً، ومن المفترض أن أُنهي دراستي الجامعية العام 2026، وهي السنة ذاتها لتطبيق الاقتراح، ولهذا فأنا أقع تحت ضغط نفسي كبير بسبب كل هذه التعقيدات، لأنني خططت مع ابنة عمي أن أنهي دراستي الجامعية ثم أبدأ بمعاملة لم الشمل، ولكن بعد هذه الأخبار يبدو أنني سأوقف دراستي الجامعية، وأبحث عن عمل وسكن لئلا أخسر شريكة حياتي”.

ويشير محمود في الوقت نفسه إلى قضية أخرى تتمثل في أن بعض الأشخاص “يعملون على جلب أحد معارفهم إلى السويد بحجة أنهم أقرباء أو حتى أزواج مقابل تلقيهم مبالغ مادية كبيرة في الخفاء بعد الوصول إلى الأراضي السويدية”. وبرأي محمود فإن هذا الأمر “يعكس صورة سيئة جداً عن المهاجرين، ويؤدي إلى إلحاق الضرر بالأشخاص الذين لديهم بالفعل صلة قرابة أو أنهم صادقون في مشاعرهم تجاه الشخص المقابل، كحالتي أنا وسارة”.

الحكومة السويدية: حماية النساء من العنف هي أولويتنا

على خلفية الاقتراح الحكومي بحظر زيجات الأقارب بالسويد، وضّح وزير العدل غونار سترومر أن كثيرين يتعرضون لتقليص حقوقهم الأساسية بسبب التقاليد القمعية المتعلقة بالشرف، وأن جزءاً كبيراً من هذا الأمر يتعلق بزواج الأقارب. واقترحت المحققة، آن كوتينكيلر، فرض حظر على زواج الأقارب كأبناء الأعمام والأخوال في قانون الزواج. واقترحت كذلك حظر زواج أقارب آخرين، مثل زواج العم بأولاد أخيه، وإلغاء إمكانية الزواج بين الأخوة غير الأشقاء.

وعندما سألت الكومبس محمود عن رأيه في أن حظر زواج الأقارب سيخفف من حالات تعنيف النساء، أجاب “من المهم بالطبع حماية النساء من أي شكلٍ من أشكال العنف النفسي أو الجسدي، لكن برأيي لا يكون الأمر بحظر زواج الأقارب لأنه بهذه الطريقة سيتم إلحاق الضرر بفئة أخرى، ومن الممكن إفساد حياتهم التي لطالما حلموا بها”.

ويخلص محمود إلى أن اقتراح الحكومة “يناقض فكرة الديمقراطية في السويد. نحن بالأساس اخترنا هذا البلد بسبب احترامه لحريات التعبير وغيرها من الحريات الشخصية التي فقدناها في بلداننا، فكيف يعقل للسويد أن تمنعني من الزواج بالفتاة التي أحبها؟!” ويضيف “أتمنى أن تتفهم الحكومة السويدية أن زواج الأقارب هو ضمن عاداتنا وتقاليدنا العربية، وبالطبع يوجد حب صادق تحت ظل هذه العادات، دون وجود ضغط عائلي”.

زواج الأقارب لا يزال سارياً

في الوقت الراهن لا يوجد عقبات أمام زواج الأقارب في السويد، لكن وفقاً لبعض الأشخاص الذين تواصلت الكومبس معهم، والذين أتوا للسويد بعد لم شملهم بأزواجهم، فإن المحقق المسؤول عن القضية يسأل الطرف الآخر في مقابلة لم الشمل عما إن كان بين الشخصين صلة قرابة أو أن علاقتهما كانت بتخطيط أو دعم من طرف عائلتيهما، ولا يتم الإشارة في أثناء المقابلة فيما إن كان هذا الأمر سيؤثر على القرار.

كما تواصلت الكومبس مع المحامي حيدر الحيدر، وسألته عن وجهة النظر القانونية بهذا المُقترح الحكومي فأجاب بالقول: “إن قرار حظر زيجات الأقارب مطبق بالقانون النرويجي منذ الصيف الماضي، ولكن بالنسبة للسويد فنحن أمام سنة وشهرين قبل تنفيذ هذا القرار، ما يعني إمكانية لم الشمل وقبوله اذا كانت الشروط الأخرى مستوفاة، ولكن من وجهة نظر قانونية، فأظن أن قانون حظر زواج الأقارب سيسري فقط على حالات الزواج التي ستتم بعد سريان القرار كون المانع لم يكون موجوداً وقت تاريخ واقعة الزواج.”

ويتابع المحامي بالقول: “من الجدير ذكره بأن قانون الزواج هو من سيحكم الأمر، ولكن لم يذكر هذا المقترح الحكومي أي شيء عن موضوع المساكنة (السامبو) بمعنى أنه يجوز مساكنة بنت العم بزواج غير مسجل رسمياً، وكذلك الأمر يجوز فيه لم الشمل كون الموضوع يتعلق فقط بالزواج وليس المساكنة، وكما هو معروف بالقضايا القانونية فإن لكل قاعدة استثناء بمعنى لو كان زواج الأقارب قد أسفر عن مولود، فمن الأفضل للطفل أن يتم الإعتراف بزواج الأبوين وتسجيله، وهذا ما يسمى بالظروف الخاصة (Synnerliga skäl) في القانون.”

راما الشعباني