الكومبس- خاص: بسام (اسم مستعار) طفلٌ كثير الحركة يحب استكشاف كل ما يقع عليه نظره. من الصعب أن يجلس هادئاً لفترة طويلة بسبب روحه الطفولية النشطة. معلمةُ المدرسة قررت اتباع أسلوب “القمع”، بوضع شريط لاصق على فمه من أجل أن يصمت. وتقول الأم إن ابنها أجرى سابقاً عملية جراحية في فمه، وأخبرها بأنه تلقى سابقاً بعض “الضربات” بسبب مشاغبته، لكنه لم يبح بكل ما تعرض له بسبب خوفه من عقاب أكثر صرامة يتلقاه من المعلمة صباح اليوم التالي.
ضجت مدينة يوتيبوري بسبب الحادثة التي شهدتها إحدى مدارس المدينة في منطقة Hammarkullen، حيث تعرّض ما لا يقل عن ثمانية أطفال في الصف التمهيدي (förskoleklass) إلى تكميم أفواههم بالشريط اللاصق كعقوبة على سلوكهم، وفقاً لتحقيق داخلي أجرته إدارة المدرسة وأظهر أن حادثة تكميم الأفواه التي حصلت بين شهري ديسمبر ويناير لم يتم اكتشافها مباشرة لأن أحد أعضاء الطاقم التعليمي لم يُبلّغ عن هذا الأمر، وإنما تأخر الأمر إلى منتصف شهر فبراير تقريباً، ما أثار ردود فعل غاضبة بين الأهالي.
“ابنك لديه توحد”
هناء والدة بسام ذي السبعة أعوام (أسماء مستعارة)، وهو أحدالأطفال الذين تم تكميم أفواههم. تقول الأم للكومبس “أخبرتني معلمة ابني سابقاً أن بساماً كثير الحركة ومشاغب، واقترحت أن أعرضه على طبيب لأنها تشك بأنه يعاني من مرض التوحد بناء على تقييمها. المعلمة كانت تتعامل مع ابني بلطف أمامي، لكن أكثر من مرة كان طفلي يركض إلى حضني بسرعة عندما آتي لأصطحبه إلى المنزل وكأنه لم يرني منذ سنين، وكان يتجنّب التواصل البصري مع المعلمة عندما أكون موجودة “.
وتضيف الأم “طلبت من المدرسة المساعدة للتأكد إن كان لدى ابني بالفعل تشخيص التوحد وذلك عبر الاستماع إلى تقييم ممرضة المدرسة والمعلمين المختصين (specialpedagog)، لكنهم جميعهم قالوا لي إنه لا يوجد أي شيء يستدعي القلق على عكس ما كانت تقوله لي المعلمة”.
وكانت هناء قبل ذلك زارت مع طفلها طبيباً مختصاً وأظهرت نتائج الفحص الطبي ومراقبة سلوك الطفل أنه سليم من الناحية النفسية والجسدية والاجتماعية، لكن إصرار المعلمة دفعها للشك بالأمر.
وعن كيفية اكتشاف حادثة تكميم الأفواه، تقول هناء “اتصلت بنا إدارة المدرسة في 18 فبراير وطلبت منا الحضور فوراً لأن ابننا تعرض لإساءة. ظننا في البداية أن الأمر شجار بسيط مع أحد الأطفال، لكن خلال الاجتماع قالوا إن معلمة وضعت شريطاً لاصقاً على فم الطفل مرات عدة من أجل منعه من الكلام، وإن الإدارة أصدرت قراراً بطرد المعلمة لأنه تصرف خطير وغير مقبول”.
وبحسب الأم، فإن المدرسة أكدت في الاجتماع الأول مع الأهالي أن أربعة أطفال كُممت أفواههم، لكنها لاحقاً أفادت بأنه ما لا يقل عن 8 أطفال تعرضوا للأمر نفسه. تقول هناء “شعرت بالصدمة لأن هذه المعلمة، وهي من أصول مهاجرة، لم تنكر فعلتها، وقالت إن هؤلاء الأطفال الثمانية كانوا مشاغبين جداً. أعلم أن العمل مع الأطفال ليس سهلاً ويحتاج خبرة كبيرة ولعدد معقول من المعلمين ضمن الصف الواحد لكن لا يوجد ما يبرر هذا الانتهاك بحق الأطفال”.
وتضيف الأم أن المعلمة نفسها كانت قد وضعت ورقة على جبين أحد الأطفال مع رقم صفر، كأسلوب عقابي ليشعر الطفل بأنه لا يساوي شيئاً، الأمر الذي أكدته إدارة المدرسة في وقت لاحق. وتلفت الأم إلى أن الأطفال الثمانية الذين تم تكميم أفواههم من أصول مهاجرة أيضاً. وتضيف “تواصلت مع أهالي هؤلاء الطلاب لأعلم إن كانوا سيقدمون بلاغاً للشرطة، لكني صُدمت بأن عدداً من هؤلاء الأهالي لم يرغبوا في تقديم شكوى رسمية للشرطة رغم أن لديهم الحق في ذلك، لكنهم تهاونوا في هذا الأمر”.
“عملية جراحية سابقة في فم الطفل”
تذكر هناء أن ابنها سقط على الأرض وهو صغير، وأجرى عملية جراحية في شفته العليا، وأنَّ وضع الشريط اللاصق وإزالته بقوة كما كانت تفعل المعلمة المفصولة زاد الأمر سوءاً وألماً لدى طفلها الذي قال لأمه بعد الحادثة “قالت لنا المعلمة أننا إذا أزلنا الشريط اللاصق فإنها ستضع شريطاً آخراً وستسخدم الصمغ لضمان عدم إزالته”.
لم تكن المعلمة تعلم أن لدى الطفل شق جراحي في شفته العليا، وفق ما تقول الأم قبل أن تستدرك “لكن معاقبة الطفل بهذه الطريقة غير مقبول على الإطلاق”.
قدمت هناء بلاغاً للشرطة حول الحادثة، وتسعى للتواصل مع مفتشية المدارس (Skolinspektion) من أجل التحقيق في إمكانية سحب رخصة التدريس من المعلمة لئلّا تتمكن من التدريس في بلديات أخرى غير يوتيبوري بعد فصلها من هذه المدرسة.
وذكر بسام أيضاً أن المعلمة كانت تضرب بعض الطلاب أحياناً، ومثَّل أمام أمه ما حدث سابقاً في المدرسة، حيث كانت المعلمة شاهدةً على شجار حصل بين طالبين وضرب أحدهما الآخر على بطنه، لتقوم المعلمة بتوجيه الضربة ذاتها للوالد الآخر “لتعلمه أن الضرب مؤلم”. وفق ما قال بسام لأمه.
تقول الأم للكومبس “يوجد كثير من الأساليب التربوية المناسبة للتعامل مع الأطفال المشاغبين في هذه المرحلة العمرية الحساسة. تركت هذه الحادثة أثراً نفسياً كبيراً على ابني رغم أن هذه المدرسة كانت جيدة في السابق وهذه الحادثة لم تكن متوقعة أبداً. قلت لإدارة المدرسة أنه يجب عليهم ألا يوظفوا أشخاصاً عصبيين لأن مكانهم هو المهن والأعمال المكتبية وليس بناء جيل من الأطفال عبر خلق عقد نفسية لديهم”.
وكانت إدارة المدرسة علمت بالحدثة من خلال موظف أبلغها متاخراً بعد أن رأى المعلمة تكمم أفواه الطلاب. وقالت نائبة إدارة المدارس الابتدائية في يوتيبوري، بترا لاست تعليقاً على الحادثة إن “الأمر خطير وكان يجب على الموظف الذي رأى الحادثة للمرة الأولى إبلاغ الإدارة عن الأمر فوراً”. وأضافت أن المدرسة ستتعامل مع أي قصور في الإبلاغ من خلال مراجعة داخلية مع قسم الموارد البشرية لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً.
ورفضت المعلمة سابقاً الحديث مع وسائل الإعلام حول الحادثة.

Foto: Privat

راما الشعباني
يوتيبوري