صحفي استقصائي: هذه أفكار سفيدين وآراؤه
الكومبس – خاص: أوفه سفيدين (Ove Svidén) اسم جرى تداوله كثيراً باللغة العربية في الأسابيع الأخيرة. فجأة صار اسم الرجل وكتابه الذي يحمل عنوان “LVU Lönsam Kommunal Människohandel” (LVU تجارة البشر المربحة للبلديات) مرتكزاً و أداة أساسية للقول إن “السويد تخطف أطفال المسلمين للاتجار بهم”.
التعاطف مع بعض عائلات الأطفال الذين تولت الخدمات الاجتماعية رعايتهم قسرياً بموجب قرار محكمة، تحول إلى حملة اتخذت أبعاداً تعميمية أخرى. إحدى الركائز الأساسية للحملة كان سفيدين وكتابه.
جرى تقديم أوفه كـ”سياسي سويدي كبير من العاصمة ستكهولم، يتمتع بجرأة كبيرة، يتحدث عن خطف الأطفال والاتجار بهم”. فما هي أفكار أوفه سفيدين؟ وهل هو سياسي كبير فعلاً؟ وهل يصلح اتخاذ كتابه مرجعاً لحملة تريد التأثير في المجتمع السويدي، أو منطلقاً للقول إن “السويد دولة فاشية”؟
تلفزيون الخدمة العامة SVT بثّ الخميس تقريراً عن سفيدين، ذكر فيه أن “متبني نظرية المؤامرة أصبح يقدم كخبير سويدي بارز في الحملة الجارية ضد الخدمات الاجتماعية”. التلفزيون التقى الصحفي الاستقصائي المستقل عبد اللطيف حاج محمد الذي قال إن سفيدين “يُستخدم بكثافة كشخص مهم في هذا السياق بأعتباره أداة أساسية فعالة من قبل الأشخاص الذين يقودون الحملة”.
لم يكن سفيدين “سياسياً كبيراً” كما يجري توظيف اسمه، بل مرشحاً للبرلمان عن حزب الوسط في العامين 2006 و2010، لكن في ربيع 2010، تحطمت حملته الانتخابية الشخصية وجرى طرده من الحزب بعد الكشف عن أنه يدير موقعاً إلكترونياً يتبنى نظريات المؤامرة بشكل واضح.
حتى سفيدين نفسه كان يقدم نفسه كفيلسوف، وليس كـ”سياسي كبير”.
وعن ذلك يقول عبد اللطيف حاج محمد لـ”الكومبس” “كان ترتيب سفيدين رقم 8 على قائمة حزب الوسط في ستوكهولم 2010، وهو ترتيب متأخر نظراً لأن حزب الوسط في وقتها حصل على مقعدين في البرلمان عن دائرة ستوكهولم. ولم يتسلم سفيدين أي منصب سياسي وجرى طرده بعد أن اكتشف الحزب في تحقيق داخلي، أنه يؤمن بنظرية المؤامرة”.
ما هي نظرية المؤامرة؟ وما الأفكار التي يؤمن بها سفيدين؟
تقوم نظرية المؤامرة على وجود عائلات غنية تحكم العالم في الخفاء وتسيّر حكومات كل الدول. وتربط النظرية كل الأحداث المهمة في العالم بقدرة هذه العائلات على صنعها بما يخدم مصالحها.
يقول حاج محمد “يدعي سيفدين بأن لديه تواصل مع هذه العائلات بالمراسلة، وأنها تطلق عليه لقب “عم السويد”.
ومن الأفكار التي يتبناها سفيدين أن فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) غير موجود. وأن نابليون خسر معركة واترلو بتآمر النخبة المالية الأوروبية. وأن اليهود يقفون وراء هجمات سبتمبر الإرهابية في الولايات المتحدة. وأن فلاديمير بوتين وجورج بوش أخوان ماسونيان. وأن الأسر المالية العالمية هي من أغرقت السفينة الإستونية في بحر البلطيق”.
تواصل روحي
استخدم حاج محمد تقنية Wayback machin واستطاع العودة إلى صفحات مؤرشفة من مدونة سفيدين (www.peace.se) تُظهر بعض أفكاره.
في مدونته يتحدث سفيدين عن إيمانه بعالم الأرواح وإمكانية التواصل معها. وأنه دخل في ما يسميه “يقظة روحية” العام 1967 وأصبح يمتلك قدرات و أفكار لا يمتلكها الأشخاص الآخرون. ويذكر سفيدين مهمته في “التواصل مع العائلات الـ13 الأقوى التي تحكم العالم”.
يلفت حاج محمد إلى أن سفيدين كتب في مدونته أطروحة من 95 نصيحة إلى الكنيسة السويدية بوصفه وسيطاً روحياً.
أسس سفيدين ما أسماه World Peace Foundation (صندوق السلام العالمي) وسمى نفسه “President” رئيساً له، كما يعرّف نفسه في الصفحة الأولى من مدونته.
يقول حاج محمد “من أمثلة “الروحانيات” التي يؤمن بها سفيدين أن وزيرة الخارجية السويدية آنا ليند (قُتلت في 2003) حاربت في ساعاتها الأخيرة للتواصل مع الأرواح الأخرى الواعية روحياً. وكانت تأمل أن يستمر كفاح حياتها من خلال ناس طيبين آخرين. لكنها أعلنت (بعد وفاتها) خيبة أملها لأنها قابلت سكاناً مشوهين روحياً. ومع ذلك تم الاستيلاء على روحها من قبل سياسي سويدي واعٍ روحياً له جذور من السكان الأصليين في أمريكا الجنوبية. ويكتب سفيدين “كان من المروع أن تصرح روحها بأن شعبها خذلها””.
مرجع مهم؟
ولد سفيدين في العام 1937، وتوفي في ديسمبر 2020. وصدر كتابه “تجارة الأطفال المربحة للبلديات” العام 2014 (كان عمره 76 سنة) بالإنجليزية أولاً والسويدية لاحقاً. وفيه يقول إن “الاتجار بالبشر يتم على نطاق واسع في البلديات حيث يباع الأطفال الذين ترعاهم الخدمات الاجتماعية إلى المتحرشين بالأطفال جنسياً، كما يُتاجر بأعضائهم”.
يتهم سفيدين في فيديوهاته السويد كلها بالفساد، ليس فقط في موضوع الخدمات الاجتماعية، بل في جوانب أخرى كثيرة. ويقول إنه فوجئ عندما عاد إلى السويد بأنها “محكومة بالفساد”.
وعن الكتاب، يقول الصحفي الاستقصائي عبد اللطيف حاج محمد إنه “عبارة عن تصورات الكاتب الشخصية واستنتاجاته المرتبطة بنظرية المؤامرة، دون مراجع أو مصادر أو إحصاءات”.
ويضيف “لا أحد من الصحفيين الاستقصائيين يستخدم الكتاب مرجعاً، ناهيك عن الحقوقيين”.
“كي لا نشوه التعاطف”
وعن استخدام الكتاب في حملة التعاطف مع العائلات التي تولت الخدمات الاجتماعية رعاية أطفالها قسرياً، يقول حاج محمد “استُخدم الكتاب من قبل أشخاص، كثير منهم خارج السويد، دون أن يكون لديهم القدرة على نقد الكتاب، ومعظمهم لا يقرأ السويدية، ودون أدوات البحث والتحقق و التثبت من المعلومة والمصادر”.
ويضيف “استُخدم الكتاب أداة لإظهار أن القانون فاسد، ويستخدم لسرقة الأطفال والاتجار بهم. جرى استخدام العنوان والترويج له دون الرجوع للمحتوى”.
ويرى حاج محمد أن استخدام الكتاب “مرجعاً” للحملة “يخل بشرط أساس من شروط الموضوعية وأخلاقيات العمل الصحافي. ويقع اللوم في ذلك على من تصدروا لنشر معلومات زائفة حول القانون وعمل السلطات السويدية”.
ويؤكد حاج محمد أن “نقد استخدام الكتاب منطلقه الحرص على عدم تشويه حملة التعاطف مع العائلات التي تشعر بالظلم. من مهامنا كصحفيين مراقبة عمل السلطات والكشف عن الأخطاء ومراجعة عمل متخذي القرار، لكن هذا لا يتم عبر الاستعانة بمصادر غير موثوقة لأن ضرر ذلك أكبر من فائدته. تماماً كما تفعل بعض وسائل الإعلام العربية بالاعتماد على مواقع غير مهنية في استقاء المعلومات عن القضية وتسميتها “مصادر شبه رسمية” رغم أنها لا تمت للرسمية بصلة”.
ويلفت حاج محمد إلى أن إعلام الخدمة العامة في السويد (التلفزيون والراديو) يوصَف في بعض وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية، بأنه “إعلام حكومي”، وكأنه ينطق بلسان الحكومة، في حين أنه في الواقع ممول من أموال دافعي الضرائب بشكل مباشر، وينطق باسم الشعب، ولا تملك الحكومة أي سيطرة عليه من الناحية النظرية.
ويعتبر أن التعاطف مع العائلات كواجب إنساني شيء، واستخدام مراجع “غير موثوقة” شيء آخر، داعياً الجميع إلى محاكمة الأمور بهدوء وطرح الأسئلة النقدية دائماً “من يقف وراء هذا؟ ولماذا الآن؟”.
ويضيف “في السويد كل شيء موثق في محاضر على المستوى الوطني، والمحافظات و البلديات، ويمكن الرجوع إليه عند الحاجة. ويمكن استخدام كل أدوات حرية التعبير لإيصال صوتنا بالاعتماد على الحقائق. أما ما يطرح في وسائل التواصل الاجتماعي فلا يمكن الاعتماد عليه في بناء تصور عن قضية ما”، داعياً إلى إعمال “نقد المصادر” والتمعن في المعلومات لأن “استخدام المعلومات، حتى الصحيح منها، في غير سياقه الحقيقي ينتج ضرراً كبيراً، خصوصاً على علاقة المهاجر بالمجتمع المضيف”.
