الكومبس – لقاءات: حصلت الناشطة السويدية العراقية افتخار هاشم الراوي مؤخراً، على جائزة تقديرية من الأميرة كريستينيا أف ماكنسون، وذلك تقديراً لعملها في مجال الاندماج في المجتمع، وفي الحركة الثقافية.

افتخار موظفة في المتحف الوطني في ستوكهولم في قسم البحوث، والمسؤول المباشر على إدارة المشروع الحكومي الجديد القاضي بإلزام المؤسسات الحكومية بإدماج القادمين الجدد وتدريبهم وتأهيلهم للعمل المؤسساتي والمكلفة رسمياً من قبل نائب مدير المتحف الوطني.

سويدية من أصل عراقي، قدمت إلى السويد عام1995:

ما هو الهدف من مشروعكم في المتحف الوطني، وكيف ولدت الفكرة؟


بدأت المشكلة مع تدفق عدد كبير من اللاجئين الى السويد وبشكل فاق التوقعات وهذا مما أحدث هزة كبيرة في المجتمع ككل سواء على الصعيد الفردي والخاص، أو على الصعيد المجتمع والعام. وقد بدت هذه المشكلة ماثلة أمام الجميع بكل أبعادها المختلفة والتي تحتاج لحلول سريعة وخطط لا يُجدي معها الانتظار.

رد الفعل أخذ منحيين، الأول منهما هو تعاطف الأفراد الشخصي ومسارعتهم للقيام بتشكيل مجاميع للمساعدة كُلٍ حسب اختصاصه واستثمار كل وسائل الاتصال بالناس للانخراط في هذا الطارئ الاستثنائي من مواقع تواصل اجتماعي وغيرها.

الدولة قامت بتسهيل استقبال الوافديين الجدد بإتاحة الفرصة للتنقل المجاني، ومبادرة الملك الشخصية بمنح بعض العائلات فرصة السكن حتى في القصر الملكي وقيام الكنائس والمساجد بدور مماثل ومشترك.

ومن ثم وعلى المنحى المؤسساتي ألزمت الحكومة السويدية المؤسسات الحكومية بدمج القادمين الجدد في كل مؤسساتها وذلك لتهيئتهم للدخول في المجتمع وسوق العمل وتعليمهم أسس التعامل الهرمي المعتمد في المؤسسات الحكومية والإنخراط في فهم المجتمع ونظام التعامل فيه.

القرار أحدث بعض الارباك في المؤسسات الحكومية لأن عامل اللغة كان ماثلاً عند الطرفين وأيضا الصعوبات المتأتية من كون مكاتب العمل لا تمتلك موظفين مهرة بشكل كاف قادرين على فرز وترشيح المناسب كل في مجاله.

من هي الفئة التي تستهدفونها في عملكم ونشاطكم هنا في المتحف الوطني الذي هو بالنهاية جزء من مؤسسة نوعية تُعنى بالشأن الثقافي والمعرفي والحضاري للسويد، وهو واجهة ووجهة أولى لكل مهتم زائر أو مقيم؟

طبعاً نحن بحاجة لأصحاب الدراسات العليا والاهتمامات الفنية والثقافية والأفراد من ذوي الاختصاص، نحتاج إلى الخبرات التي تتقن التعامل مع التقنيات الحديثة على مختلف الأصعدة وخصوصاً في السويد. ونظراً إلى ارتفاع الاحتياج للغة العربية ما دفعنا إلى البحث عن البحث الكفاءات العليا في استخدامها والأكثر حرفية على الأخص كوننا مؤسسات تعنى بالشأن المعرفي والذي يختص بالنخبة أحياناً إذا صح التعبير.

كما أننا نعمل على وضع خطة لاجتذاب الزائرين العرب المقيمين حديثاً في السويد وذلك للإسهام في عملية الإدماج تلك عبر العامل الثقافي الهام جداً والمتمثل بالمنتج الفني. وخططنا المستقبلية أن تكون المتاحف متاحة ببيانات تُعرّف بمقتنياتها باللغة العربية كما سائر اللغات المستخدمة والمتسيدة للمشهد ومن خلالها النفاذ إلى ايصال المعلومة التاريخية والحضارية لهذا البلد لكل قادم وخصوصاً الطلبة مما يتيح فرص أكبر للاندماج والانفتاح بشكل سليم وحضاري.

© Foto: Cecilia. Heisser/Nationalmuseum

ما هي خطواتكم الاجرائية على أرض الواقع من حيث التنفيذتنفيذ هذا الطموح وما هي الصعوبات التي واجهتم، وماهي الحلول التي وضعتم لمواجهة تلك المعضلات؟

كانت الخطة منذ البداية هي الاعتماد على البحث عن المرشحين المؤهلين والمناسبين لهذا العمل وهذا ما يستلزم عملية تدقيق وانتخاب حرفي للوصول إلى خيارات أفضل .

أما عن خطة العمل فهي تتلخص ببساطة في ادماج الأفراد بسوق العمل كما أوصت خطة الحكومة الموضوعة على مدار عامين للتنفيذ وأن يتعرف القادم الجديد على مؤسسات الدولة وآلية التعامل معها وتوسيع شبكة معارفه وعلاقاته والانخراط وتطوير لغته السويدية. نحن نعمل هنا بشكل حثيث في المتحف الوطني على الأهداف تلك، وغيرنا في المتاحف الأخرى يقومون بذات المهمة وآمل أن تكون نسبة التطبيق لتوصية الحكومة وخطتها الجريئة أعلى مما أرى وخصوصاً أن القرار الحكومي يمتد لسنتين مما يستلزم تحركاً سريعاً وديناميكياً فعالاً للتطبيق.

على القادم الجديد أن يتمسك بهويته الحضارية وثقافته ويعتد بها ويقدم نفسه بقوة وثبات مع الانفتاح الواثق والمطلوب كون الآخر يحترم هذه الهوية الراسخة

هل تعتقدين من موقع خبرتك وعملك أن مسألة الإندماج في المجتمع الجديد من قبل القادمين الجدد مسألة معقدة، وما هي المعوقات الأساسية؟

طبعاً مسألة الاندماج تعتمد على الأفراد أنفسهم ومدى تجاوبهم ، نحن نقدم ما يجب وما يستلزم ذلك مع الانتباه إلى أنه يشترط لحصول هذا الاندماج بشكله السليم هو الانفتاح على الآخر ، وأن لا نجتر ثقافتنا المحلية والابقاء على ما كنا عليه وخصوصاً أن الثقافة العربية ثقافة سلطوية كونها ثقافة غنية وهذا عائق مبدئياً لأنها تبدو مكتفية لأول وهلة ولكن الواقع يقول غير ذلك .وسأفاجئك لو قلت لك أنه ليس تعلم اللغة هو الأساس أو العائق الأول للاندماج الصحيح ، بل هو الإمساك بشفرات التعامل المجتمعي للدخول في تركيبة هذا المجتمع وطريقة الاتصال الصحيح بالآخر وفهمه كسلوك وثقافة ونمط اجتماعي مغاير ، وعند التقاط تلك الرموز والمفاتيح تبدأ عملية الادماج العملي الذي يتسارع فوراً باكتساب اللغة والمهارات الأخرى.

المجتمع السويدي مجتمع منغلق إن لم نفهمه أو لو نمطناه كما يحلو للبعض، علينا أن ندخل بذكاء وكياسة والانتباه إلى آلية التعامل فيه. والنقطة التي أحب أن أشدد عليها هي أنه على القادم الجديد أن يتمسك بهويته الحضارية وثقافته ويعتد بها ويقدم نفسه بقوة وثبات مع الانفتاح الواثق والمطلوب كون الآخر يحترم هذه الهوية الراسخة إن وجدت ولا يقبل الشخصية المدعية التي لا تحمل سمات واضحة كما أخطئ البعض عبر محاولة محو هويتهم والتنكر لها وتبني الثقافة الجديدة (بشكل اعتباطي) حيث يتحول الكائن إلى مسخ لا هو ابن المكان، ولا ينتمي إلى أي مكان.

الى أي درجة لامست في عملك تقبل وتفاعل المتدربين في استيعاب واتمام المهمات المطلوبة، وكيف يمكن رفع الكفاءات لدى هؤلاء للإنخراط بشكل أكثر فعالية وجدوى؟

الحقيقة لقد فوجئت أن هنالك قدرات متميزة فنية وعلمية عالية وقدر عال من التقبل والتفتح لامتصاص المعلومة بطريقة سلسة وهذا ما أعطاني الدعم والحماس بمنح المتدربين المزيد من المهمات والفرص المناسبة.

ورغم قدوم المتدربين من نظم سلطوية إلا أنهم تفهموا وبسرعة ما أوكل إليهم ومارسوا ما طلب منهم بكل انفتاح وجدية وهذا راجع لقرار داخلي للتفاعل والتغيير كما أظن.

أخيراً أضيف أن استبعاد مفهوم” أنتم، ونحن ” هو جزء مهم لإيجاد صيغة مناسبة للتعامل المستقبلي الخلاق، على المرء أن ينتمي للمكان، وأن يُنحي فكرة أن هذا المجتمع ليس لي.

اجرى الحوار: وفائي ليلا