الكومبس – خاص: بعد أكثر من عشر سنوات من الدراسة والبحوث العلمية داخل السويد وخارجها توصلت الباحثة السويدية من أصل عراقي ضفاف سرحان إلى نتائج تعتبر الأولى من نوعها في مجال عملها وهو مكافحة أمراض السرطان. تقود ضفاف الآن فريقاً كاملاً أعضاؤه من دول مختلفة يركز على جهاز المناعة وتكوين مضادات حيوية لمساعدة النساء المصابات بسرطان البنكرياس.
في العام 2000 انتقلت ضفاف وأسرتها إلى السويد بعد عملية لم شمل قام بها الأب، وكانت حينها تبلغ 15 عاماً. وقبل المجيء إلى السويد أقامت العائلة سنتين في الأردن، وهناك لم تستطع ضفاف الالتحاق بالمدرسة الإعدادية، الأمر الذي أدى إلى خسارتها سنتين دراسيتين.
ورغم هذه الحلقة المفقودة في مشوار دراستها، فإنها استطاعت خلال سنة واحدة الالتحاق بالدراسة الثانوية في السويد لدراسة التخصص العلمي. تقول ضفاف عن هذه الفترة “قفزت من الصف السابع في العراق إلى المرحلة الثانوية في السويد. في البداية كان الأمر تحدياً كبيراً، خصوصاً فيما يتعلق باللغة. القاموس السويدي لم يكن يفارقني أبداً. اجتهدت كثيراً مقارنة بأقراني كما أنني حظيت بدعم كبير من الطاقم التدريسي”.
منذ الطفولة كانت ضفاف تريد أن تسلك المجال الطبي لكنها لم تكن تعرف في أي فرع تريد التخصص. وعندما توفيت زوجة عمها في عمر مبكر لا يتجاوز الـ32 عاماً، بسبب سرطان الثدي، قررت ضفاف اختيار البحث في الأمراض السرطانية. تقول “زوجة عمي كانت قريبة مني جداً، موتها أثر فيّ كثيراً وأعطاني الدافع لأن أعمل في محاربة السرطان. زوجة عمي توفيت بسبب سرطان الثدي وكان من الممكن أن تنجو لكن للأسف تم اكتشاف المرض متأخراً. عندما أكملت المرحلة الثانوية قدّمت لأدرس البيولوجيا الجزيئية في أكثر جامعات السويد تقدماً في هذا المجال، جامعة أوبسالا”.
تخرجت ضفاف من جامعة أوبسالا ثم حصلت على الماجستير في تخصص الطب المخبري من كارولينسكا، لكن شغفها بالعمل المخبري والبحث العلمي ورغبتها في المساهمة في بحوث علاج السرطان جعلها تمضي قدماً لتحضير الدكتوراه. رسالة الدكتوراه التي ناقشتها ضفاف كانت حول محيط الكتلة السرطانية فيما يتعلق بـكل من الأنسجة وكريات الدم البيضاء الموجودة داخل الكتلة السرطانية.

أكملت ضفاف بحوثها في المجال نفسه لكن هذه المرة في أمريكا. وعند عودتها إلى السويد اكتشفت من خلال أحد بحوثها على سرطان الرئة أمراً جديداً تماماً، وهو الربط بين تأثر مريض السرطان بالعلاج المناعي وجنس المريض.
خلصت بحوث ضفاف وفريقها المخبري إلى أن هناك بروتيناً معيّناً يؤثر على النساء المصابات بسرطان البنكرياس في حال وجوده بشكل عال وأن البروتين نفسه تأثيره شبه معدوم في حال وجوده عند الرجال.
تشرح ضفاف “بدأت البحث ووصلت إلى أن هذا البروتين تحمله خلايا معيّنة من كريات الدم البيضاء والمعروفة بالبلاعم. هذه البلاعم دورها القضاء على الخلايا المصابة بالبكتيريا أو المسرطنة في الحالة الطبيعية أي في حال عمل جهاز المناعة، ولكن بالنسبة للمصابين بالسرطان تقوم البلاعم بدور عكسي متعاونة مع الخلايا السرطانية. اكتشافي هو أن هذه المتعاونات مع السرطان هي من تحمل هذا البروتين الذي يؤثر على النساء بالتحديد”.
لماذا يوجد هذا البروتين أكثر عند النساء؟
“بناء هذا البروتين يتأثر بالهرمونات النسائية أي الاستروجين. الهرمون النسائي يؤثر في عمل هذا البروتين ولذلك يوجد بشكل أكبر”.
بعد هذا الاكتشاف بدأت ضفاف مع مجموعة من الباحثين في جامعات مختلفة العمل على مضادات حيوية تساعد في علاج النساء المصابات بسرطان البنكرياس. ولفتت الباحثة العراقية إلى أنّ عملها مع الفريق ليس فقط مسخّراً للمرضى من النساء، بل هم يعملون أيضاً على علاج من شأنه إفادة الرجال.
هل هذا الاكتشاف الأول من نوعه في العالم؟
“بالنظر إلى أن البحث يشرح ميكانيكية الربط بين نوع الخلية ونوع السرطان وتأثيره على العلاج المناعي فيمكننا القول بأنه الأول من نوعه. هناك ثلاثة دراسات أخرى نشرت توضح اختلاف عدد خلايا كريات الدم البيضاء عند الجنسين، لكن من حيث اكتشاف السبب والعملية وطريقة تعاون الخلايا مع السرطان، فنحن من الأوائل”.
وتعتبر ضفاف سرحان الباحثة الوحيدة من أصول عربية في السويد التي تسهم في مثل هذا النوع من البحوث السرطانية.
ما شعورك في أن تكوني الأولى في اكتشاف شيء بهذا الحجم من الأهمية؟
فرحتي كبيرة، خصوصاً أن البحث نشر في مجلات كبيرة ومعروفة عالمياً في المجال الطبي، لأن هذا سيكون بمثابة المحفز الكبير لكل من الأطباء والباحثين للتركيز على الفرق بين جهاز مناعة الجنسين، بغرض معرفة الأسباب والعمل على علاجات فعالة.
يذكر أن خطورة الإصابة بسرطان البنكرياس أعلى عند الرجال مقارنة بالنساء، وهذا يرجع إلى أن هذا النوع من السرطان يتأثر كثيراً بالتدخين، وهو أمر تزيد نسبته عند الرجال تاريخياً.