مقابلات

الإمام صلاح الدين: هكذا تغيرت مواقفي بعد الحرب على غزة

: 4/29/24, 4:17 PM
Updated: 4/29/24, 5:16 PM
الشيخ صلاح الدين بركات متحدثاً للكومبس (أرشيفية)
الشيخ صلاح الدين بركات متحدثاً للكومبس (أرشيفية)

أنا ضد إنشاء أحزاب إسلامية في السويد
“الهجرة العكسية” في أذهان كثير من الناس والحديث عنها يزداد
أنا مستعد لمد الجسور مع من لا يزال يؤمن بالقيم السويدية

الكومبس – خاص: يثير الشيخ صلاح الدين بركات، أحد أشهر الأئمة في السويد، الجدل مجدداً. مواقفه تغيرت بعد الحرب على غزة وهو الذي كان معروفاً باعتدال واضح ودعوة إلى الاندماج والمشاركة في المجتمع السويدي. ورغم أن بركات يقول إن مبادئه في ذلك لم تتغير فإن أصواتاً بدأت في انتقاده معتبرة أنه “يحرق جسوراً” كان يعمل سابقاً على بنائها، ومستشهدة بذلك على “دعوته لمقاطعة وسائل إعلام سويدية”، وتأييده لإنشاء أحزاب تمثل الأقليات المهاجرة. ماذا يقول الشيخ بركات نفسه؟ وكيف يرد على تهمة “الانفصالية”؟ وهل يؤيد فكرة إنشاء أحزاب إسلامية؟ وما موقفه من قضية المثلية الجنسية؟

يقول الشيخ صلاح الدين بركات من الأكاديمية الإسلامية في مالمو إن الحرب على غزة كانت نقطة تحول في بعض مواقفه ونظرته للمجتمع السويدي، مؤكداً في الوقت نفسه ألا تغير جذرياً في فكره أو نظرته تجاه السويد لكن هناك تغيراً أكيداً في المواقف، وهذا التغير “مبني على التغير الذي رأيناه في السويد”.

ويعتبر بركات في مقابلة مع الكومبس أن السياسيين السويديين والإعلام السويدي كانوا منحازين في الحرب على غزة وخالفوا القيم التي يقف عليها المجتمع السويدي كالعدل والمساواة بين الجميع وأن البشر متساوون في القيمة.

وعن طبيعة التغير في الموقف، يقول بركات “أوقفنا بعد هذه الأحداث التعامل مع كثير من الناس الذين كنا نتعاون معهم. رأينا عدم التزامهم بقيمهم حين لم يستطيعوا حتى أن يدينوا قتل الأبرياء في فلسطين”.

وعما إن كان هذا الخطاب ينطوي على تعميم مواقف الحكومة السويدية على كل المجتمع السويدي، يقول بركات “إن كان هناك تعميم فهو في محله. المشكلة ليست في الحكومة السويدية بل في المجتمع ككل. موقف المجتمع تجاه القضية الفلسطينية ضعيف جداً (..) نحن بنينا المجتمع السويدي على ألا يفرق بين الناس والآن هو يفرق بين الناس. هناك بعض الحركات اليسارية وبعض حركات حقوق الإنسان تعبّر عن موقف مختلف نوعاً ما، لكن موقفها ضعيف. فالإدانات قليلة جداً من المجتمع السويدي وموقف المؤسسات السويدية ضعيف حتى مقارنة بموقف المؤسسات الأمريكية على سبيل المثال”.

يعود بركات ليؤكد أنه لا يعمم الانتقاد على الجميع بل على الإعلام السويدي والسياسيين السويديين، مضيفاً “أخذنا موقفاً من السياسيين عموماً، ومن بعض المؤسسات كالكنيسة السويدية حين خرجت ببيان اختلف عن مواقفها السابقة المعتدلة والمؤيدة للقضية الفلسطينية نوعاً ما، وشكرها عليه حتى السفير الإسرائيلي”.

تهمة “مضحكة”

يعتبر بركات أحد أشهر الأئمة في السويد وهو الذي نشأ في السويد ودرس فيها “التمويل” كما درس الفقه الإسلامي في دار المصطفى للدراسات الإسلامية في حضرموت في اليمن. ولطالما أثار بركات الجدل بين أصوات اعتبرت أنه يبني الجسور بين المهاجرين المسلمين والمجتمع السويدي، وأصوات أخرى متشددة لم يعجبها “لينه” تجاه المجتمع السويدي ومحاولته إقامة تعاون بين أتباع الديانات في البلاد.

وأمس الأحد، نشرت صحيفة داغينز نيهيتر تقريراً عن بركات عنونته “هل أصبح باني الجسور المسلم حارقاً للجسور؟”. وتحدث كاتبا التقرير عما اعتبراه تغيراً في مواقف الإمام، معتبرين أنه يمارس “الانفصالية” (Separatism) بدعوة المسلمين إلى مقاطعة الإعلام السويدي، واعتباره إعلام الخدمة العامة “سلة نفايات”.

وعن اتهامه بالانفصالية، يقول بركات للكومبس إنها تهمة “مضحكة”، مشيراً إلى أن “تهمة “الانفصالية” بدأت في المجتمع الفرنسي في العام 2020 وهي تهمة مسيسة يقف وراءها فكر سياسي. واستوردت إلى السويد في العام 2022 من قبل الحزب الليبرالي وهو قريب جداً من فرنسا و(الرئيس الفرنسي إيمانويل) ماكرون وكثير من أفكار الحزب يأتون بها من فرنسا”، مؤكداً أنه لا يوجد ما يدل على “الانفصالية” في مواقفه، وأنه على العكس من ذلك يشجع على الاندماج في المجتمع وعدم الانعزال عنه.

تقرير داغينز نيهيتر اعتبر أن الإمام يروج أيضاً لنوع من “الانفصالية” في السياسة ويشكك في أن المسلمين يمكن أن ينضموا في النهاية إلى الأحزاب السويدية القائمة حالياً. وتنقل الصحيفة قوله “يجب أن نبحث عن بدائل” عبر تشكيل أحزاب جديدة للأقليات.

يقول بركات للكومبس إنه ليس ضد انخراط المهاجرين في الأحزاب الكبرى الموجودة، بل إنه يعتبر ذلك إيجابياً، لكنه يؤيد فكرة وجود أحزاب تتبنى قضايا الأقليات. ويشرح فكرته بالقول “في السويد إذا أردت أن تسلط الضوء على قضية يؤسس لهذه القضايا حزب يحملها مثل قضايا البيئة والنسوية وغيرها. ونرى أن وجود أحزاب تمثل الأقليات ليس انعزالاً عن المجتمع بل على العكس يمثل اندماجاً ومشاركة في المجتمع”.

ضد الأحزاب الإسلامية

وتعليقاً على تجربة المهاجرين مع الأحزاب الصغيرة التي تمثل الأقليات، وآخرها تجربة حزب نيانس، يقول بركات “إنها تجربة سيئة لكنها مع ذلك تمثل بذوراً لتجارب ناحجة. من الممكن أن تكون التجربة الأولى والثانية فاشلة، لكن رغم فشلها فإنها تسلط الضوء على قضية وجود أقليات لا تشعر أن لها مكاناً في الأحزاب التقليدية. وهذه بحد ذاتها نقطة مهمة جداً وتنبهت لها الأحزاب الأخرى لكنها لم تعمل المطلوب منها بعد حسب رأيي”.

ويضيف “أنا ضد فكرة الأحزاب الإسلامية. موقفي معروف في ذلك ولم يتغير حتى الآن. أنا أتكلم عن الأقليات وتسليط الضوء على قضايا العنصرية وحقوق الأقليات. أنا مع أحزاب تمثل المهاجرين لكنها غير دينية، لأنها تعمل في مجتمع علماني ونظام غير ديني. نحن لم نأت لنفرض عليهم الدين لكننا نريد أن يكون لنا حقوق كمتدينين وأقليات كسائر المجتمع”.

ويلحظ في السويد تغيراً في الخطاب تجاه المهاجرين، والمسلمين على وجه الخصوص، منذ تسلم حكومة اليمين السلطة بالتعاون مع حزب ديمقراطيي السويد (SD) وخروج عدد من قياديه كل فترة بتصريحات اعتبرت معادية للإسلام أو المسلمين، فهل تحولت السويد إلى بلد “كاره للإسلام”، من وجهة نظر صلاح اليدن بركات؟ يجيب الشيخ عن ذلك بالقول “من الصعب أن أقول السويد كبلد، لكن الكراهية تزداد في المجتمع بشكل كبير وواسع”.

وعن تعاونه سابقاً مع جمعيات مسيحية ويهودية، قال بركات “رأينا في ذلك مصلحة للمجتمع السويدي ولنا كأقليات ومسلمين وعرب، وتعرضت شخصياً للانتقاد بسبب ذلك. وما زالت أحمل الفكر نفسه لكن بشرط أن يحمل من نتعاون معه القيم نفسها، وتحديداً قيم المساواة والعدل. فبعد ما حصل في غزة ومواقف بعض المؤسسات أصبح من الصعب التعامل دون هذا الشرط”.

يظهر الإمام بركات نبرة مختلفة تجاه بعض القضايا، ويقول هو نفسه إن الحرب على غزة مثّلت بالنسبة له “نقطة تحول”. وفيما إن كان ذلك قد يترك تأثيراً سلبياً على اندماج المسلمين في مجتمعهم السويدي، يجيب بركات “المرحلة التي نمر بها صعبة والشفافية والصدق في هذه المرحلة أولى من المجاملة والدبلوماسية والسياسة. نحن صادقون ولنا الحق في انتقاد المجتمع والمؤسسات الأخرى ضمن قيم وقوانين المجتمع، كما نتعرض نحن أنفسنا للانتقاد (..) ومع الزمن ستتغير الأمور وستُطبع آراؤنا كما طُبعت العنصرية”.

ويضرب بركات مثلاً بحركة المثليين الذين لم يستطيعوا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا برفع أصواتهم والتكلم في الموضوع، “خرجوا وأظهروا قيمهم وآراءهم وخلال حوالي 20 سنة حدث تغير”.

الموقف من المثلية

وعن كيفية حل التناقض بين الفقه الإسلامي وقيم المجتمع السويدي بخصوص المثلية الجنسية، يقول بركات إن الحل سهل ويكمن في “لكم دينكم ولي دين”. نحن لا نريد فرض رأينا على الآخرين أو المجتمع لكن ما نقوله إننا لا نقبل أن يفرض الآخرين علينا قيماً لا نقبلها”، مضيفاً “الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية وكثير من الكنائس السويدية على نفس الرأي تجاه هذه القضية، وهذا ما لا يعلمه كثير من المهاجرين الذين يظنون أن جميع السويديين على نفس الرأي بالنسبة لهذه القضية وهذا خطأ (..) المجتمع السويدي ليس سواء في هذه القضية، كغيرها من القضايا، ونحن كمسلمين جزء من هذا المجتمع. وكثير من إخوتنا من المسيحيين أو أرثوذكس اليهود هم من نفس الرأي ويستطيعون أن يندمجوا ويكونوا جزءاً من المجتمع دون إشكال”.

ويضيف “حتى داخل الكنيسة السويدية يوجد تنوع حول هذه القضية، فلا يُجبر القس على عقد زواج المثليين رغم أن موقف الكنيسة مع العقد. ولا يوجد إشكال في ذلك، الإشكال يحصل فقط حين تتحدث الأقليات وخصوصاً الأقلية المسلمة”.

ويعتبر بركات أن الأولى أن يعبّر المسلمون عن آرائهم بصدق وشفافية وأن يقولوا للمجتمع أنهم جزء من المجتمع ويحق لهم أن يكون لهم رأيهم كما لغيرهم، خصوصاً بعد كل الحديث عن حرية الرأي والتعبير.

ويؤكد بركات أن موقفه ليس ضد حركة المثليين ولا يهاجمهم رغم أنه يخالف فكرهم، لكنه يؤيد حق المسلمين في أن يكون لهم رأي آخر.

“الخطة البديلة”

يزداد الحديث في السويد هذه الأيام عن “الهجرة العكسية”، وعن توجه لدى بعض المهاجرين لمغادرة البلاد بعد عدد من الأزمات منها أزمة حرق المصحف وأزمة الحملات ضد الخدمات الاجتماعية، وكذلك انتقاد سياسيين في SD للإسلام. وكان الشيخ بركات نفسه قال لراديو السويد في أكتوبر إن بعض المسلمين بدؤوا وضع ما يسمى “الخطة البديلة” وأنهم يفكرون بالانتقال من البلاد لأنهم لا يشعرون بالأمان.

وعما إن كانت البلاد تشهد فعلاً حالة من الهجرة العكسية الآن، يقول بركات للكومبس “لا أدري إن كانت بدأت بالفعل، لكن بلا شك أن الحديث ازداد عنها كثيراً وهي في أذهان كثير من الناس”.

التطرف ليس حلاً على الإطلاق

يدعو بركات إلى التعامل مع الأمور بعقل وحكمة وفق ما يأمر به الدين، مشيراً إلى أن التطرف لا يأتي من عقل أو حكمة بل من جهل وعواطف، و”هذا لا يفيد المسلمين إطلاقاً بل يسيء إليهم”.

ويلفت إلى أن هناك “استغلالاً لأزمات السويد من أصوات متطرفة لأغراض سياسية أو حزبية خاصة وليس لمصلحة المجتمع الذي نعيش فيه”. ويضيف “نحن لا نريد أن يتضرر هذا المجتمع إطلاقاً”.

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.