الحرب في أوكرانيا تهدد رغيف الخبز العربي

: 2/28/22, 7:34 AM
Updated: 3/4/22, 2:52 PM
مصر لوحدها تستورد أكثر من 10 ملايين طن من القمح سنويا لتوفير خبزها، هل من بدائل لذلك؟
مصر لوحدها تستورد أكثر من 10 ملايين طن من القمح سنويا لتوفير خبزها، هل من بدائل لذلك؟

الكومبس – دولية: مع اندلاع الحرب في أوكرانيا ظهرت أرقام مخيفة حول مدى اعتماد معظم الدول العربية على القمح الأوكراني والروسي في توفير رغيف الخبز. ما هي بدائل هذه الدول لضمان توفير الرغيف الذي يعتبر أساسياً في الغذاء العربي؟

تشهد الدول العربية مخاوف متزايدة وحالات من الاستنفار بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا على وارداتها من سلع غذائية أساسية على رأسها القمح الذي يُصنع منه الخبز والمعجنات والحلويات ومنتجات أخرى. وفيما عدا السعودية والعراق والجزائر يعتمد العالم العربي بشكل أساسي على القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا عبر البحر الأسود في توفير احتياجاته من هذه المادة الحيوية. ومن أبرز الأسباب التي تقف وراء هذا الاعتماد انخفاض أسعار القمح الأوكراني والروسي مقارنة بنظيره الغربي لأن تكاليف إنتاجه أقل وطرق نقله إلى الأسواق العربية أقصر وأقل تكلفة.

ومع توقف شحن الحبوب من المرافئ الأوكرانية بعد اندلاع الحرب وتأثر المرافئ الروسية بالعمليات العسكرية القريبة منها، إضافة إلى فصل عدد من البنوك الروسية عن نظام سويفت للدفع وتمويل التجارة العالمية ترجح غالبية التوقعات حدوث نقص عالمي في الإمدادات خلال الأسابيع والأشهر القليلة القادمة على الأقل. وستكون معظم الدول العربية في مقدمة الدول المتأثرة بذلك لأنها تعتمد بنسب تتراوح بين 25 بالمائة و80 بالمائة على روسيا وأوكرانيا في استيراد القمح اللازم لسد احتياجاتها.

نقص في إمدادات القمح

المخاوف الجدية من نقص الإمدادات أدت إلى استمرار ارتفاع أسعار القمح بنسبة وصلت إلى 65 بالمئة منذ فبراير 2021. ووصل هذا الارتفاع في اليوم الأول لاندلاع الحرب في 24 فبراير 2022 إلى 6 بالمئة في اليوم الأول لاندلاع المعارك. ولن يكون هذا الارتفاع الأخير لأن المخزون العالمي في هذه الفترة يكون ضعيفاً. ولم يتضح بعد كيف سيكون عليه موسم الحصاد القادم في أهم الدول المنتجة والمصدّرة. يضاف إلى ذلك أن ارتفاع أسعار الطاقة وتكاليف النقل والتأمين وصعوبة التحويلات المالية إلى روسيا ستقود بشكل أوتوماتيكي إلى ارتفاع التكلفة ومعها أسعار المبيع.

أما بالنسبة إلى أوكرانيا التي تعد بين أكبر المنتجين والمصدرين العشر الأوائل في العالم فتزداد المخاوف من موسم سيئ هذه السنة بسبب تبعات الحرب على شركات الإنتاج والمزارعين الذين لن يتمكنوا من خدمة حقولهم مع استمرار الحرب.

توفير الخبز يزداد صعوبة

تسهم روسيا وأوكرانيا سنوياً بأكثر من ربع الصادرات العالمية من القمح، أي بنحو 55 مليون طن. وحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية “الفاو” فإن القسم الأكبر منها يتم شحنه عبر البحر الأسود إلى مختلف الوجهات وعلى رأسها الدول العربية التي أضحت في مقدمة دول العالم استيراداً للقمح الروسي والأوكراني.

وتتصدر دول على رأسها مصر والإمارات واليمن ولبنان وتونس والمغرب وليبيا واليمن والأردن وسلطنة عُمان قائمة الدول العربية التي تعتمد إما على روسيا أو على أوكرانيا في توفير القسم الأكبر من احتياجاتها. وعلى سبيل المثال تعتمد مصر والإمارات وتونس على روسيا بالدرجة الأولى وبنسب تتراوح بين 60 بالمئة في تونس و80 بالمئة في مصر، أما لبنان والمغرب وليبيا فتعتمد على أوكرانيا بشكل أساسي. وتشكل واردات القمح الروسي والأوكراني نحو 60 بالمئة أو أكثر من احتياجات مجمل الدول العربية المذكورة، ما يدل على حجم الخطر المحدق بأمنها الغذائي.

هل من بدائل للقمح الأوكراني والروسي؟

تأتي الحرب في أوكرانيا في وقت ما تزال فيه تبعات جائحة كورنا تضرب أطنابها على الاقتصاد. كما تأتي في وقت تعاني فيه الدول العربية وعلى رأسها العراق والجزائر والمغرب وتونس من الجفاف. ومما يعنيه ذلك تراجع الانتاج المحلي من القمح بشكل يجبرها على زيادة الاستيراد من الخارج رغم احتمال استمرار جنون الأسعار. لكن السؤال هنا، ما هي الدول التي يمكن أن تحل محل روسيا وأوكرانيا في حل استمرت الأزمة وانقطعت الإمدادات من هناك؟

قبل أن تصبح روسيا وأوكرانيا من أهم دول العالم في تصدير القمح والحبوب الأخرى بأسعار هي الأنسب عالمياً، كانت الدول العربية تعتمد على فرنسا وكندا والولايات المتحدة والأرجنتين ودول أخرى في تأمين وارداتها من القمح والحبوب الأخرى.

ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، تبدو الحاجة ملحة لإعادة طرق أبواب هذه الدول بسرعة من أجل سد أي نقص قد يعرقل توفير رغيف الخبز الذي ينبغي أن يكون حاضراً مع وجبات الإفطار والغداء والعشاء في العالم العربي. ففي بلد مثل لبنان على سبيل المثال لا يكفي الاحتياطي الحالي من القمح سوى لشهر ونصف. وتعاني معظم الدول العربية الأخرى من ضعف طاقة التخزين، ما يدفعها للعمل المستمر على توفير الاستيراد بموجب دفعات على مدار السنة.

أسعار ترهق الميزانيات

إن الاعتماد على دول تقليدية في تصدير القمح مثل فرنسا وكندا والأرجنتين والهند يشكل السبيل الوحيد لحل مشكلة نقص الإمدادات في المدى القصير. غير أن احتمال ارتفاع الأسعار من 360 دولار حالياً إلى 500 دولار في غضون أسابيع يجعل مشكلة الاعتماد على الخارج بحاجة إلى تمويل إضافي لا تقدر عليه دول مثل لبنان وتونس في الوقت الحاضر. وإذا ما تمكنت هذه الدول من الحصول من الحصول على قروض مستعجلة لذلك، فإن الأمر لن يكون مستداماً. وبالنسبة للدول العربية الأخرى فإن جميع موازناتها مُرهقة باستثناء موازنات الدول النفطية، وأي زيادة في أعباء الاستيراد تعني المزيد من العجز والتقشف. وهو الأمر الذي يهدد بحدوث انتفاضات شعبية أو ثورات خبز تنسف النظم السياسية القائمة على غرار ما حصل في السودان الذي بدأت ثورته ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير احتجاجاً على قضايا عدة في مطلعها ارتفاع أسعار الخبز.

عقم السياسات الزراعية الحالية

لم يكن العالم العربي في تاريخه معتمداً إلى هذا الحد على استيراد القمح كما هو عليه الحال في الوقت الحاضر. وفي دول مثل مصر وتونس والمغرب والعراق وسوريا ولبنان والسودان كانت الإنتاج المحلي يسد معظم حاجة السوق أو القسم الأكبر منها. غير أن إهمال زراعات استراتيجية كالقمح أدى إلى تدهور هذا الإنتاج وزاد من الاعتماد على الخارج بشكل دراماتيكي.

وفي الوقت الذي يتم فيه إهمال زراعة القمح وزراعات استراتيجية أخرى، فإن الاهتمام الزراعي في دول مثل مصر والمغرب يتركز على زراعات تصديرية تأتي بالعملات الصعبة كبعض أنواع الخضار والبطاطا والحمضيات. ومن هنا فإن السياسات الزراعية في هذه الدول ينبغي أن يُعاد النظر فيه رأساً على عقب بحيث تُعطى زراعة الحبوب أولوية قصوى في الدعم الحكومي بمختلف أشكاله.

ومن أبرز اشكال الدعم المطلوبة شراء المحصول بأسعار مشجعة وتطوير بذور مقاومة للجفاف وتقديم القروض الميسرة لتوفير مستلزمات الإنتاج شراء وإعارة دون الاكتفاء بالوعود الفارغة من مضمونها. ومن حسن الحظ أن دولاً كالعراق وسوريا والجزائر والسعودية جربت سياسات دعم مختلفة في خلال سنوات مضت وحققت الكثير من النجاحات.

ففي العراق مثلاً قُدّر إنتاج القمح في عام 2020 مثلاً برقم قياسي زاد على 5 ملايين طن تكفي لتحقيق القسم الأكبر من لاكتفاء الذاتي. وجاء هذا النجاح بفضل تقديم الأسمدة والبذور ومستلزمات إنتاج أخرى بأسعار مدعومة، إضافة إلى شراء الحبوب المنتجة محلياً بأسعار تشجيعية تزيد على السعر العالمي. ومما لا شك فيه أن مثل هذه التجارب يمكن البناء عليها في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأغذية الرئيسية مستقبلاً.

إبراهيم محمد

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية وDW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.