بعض التعليقات على وسائل التواصل تنعكس سلباً على الجالية المسلمة

الكومبس – خاص: دعا مجلس الإفتاء السويدي إلى “تعزيز التعاون بين الجمعيات الدينية والجهات الحكومية حتى لا يحدث فراغ تستغله تيارات الإسلاموفوبيا أو أي سلوكيات تضر بقيم المجتمع واستقراره”. وأصدر المجلس بياناً علق فيه على جريمة قتل حارق المصحف سلوان موميكا. في حين قال رئيس المجلس الشيخ سعيد عزام للكومبس إن من واجب المسلمين أن يحافظوا على أمن واستقرار السويد من خلال احترام القوانين والإجراءات القانونية، مؤكداً أن أخذ القانون باليد أمر خطير “يجب أن نحذّر منه”. وأضاف “إذا أردنا أن نوصل قيمنا وأخلاقنا فلا بد أن يكون ذلك بالحكمة والنقاش الحسن وليس بالتصعيد والعنف اللفظي أو الفرح بالمصائب. وإلا فإننا نحن من سنكون الخاسرين في النهاية”.

وكان سلوان موميكا الذي عرف بحرقه نسخاً من المصحف قٌتل بالرصاص في شقة يقطن فيها مساء الأربعاء. فيما قبضت الشرطة على خمسة أشخاص مشتبه بضلوعهم بالجريمة. وأثارت الجريمة اهتماماً عالمياً. فيما لم تعلن الشرطة بعد نتائج تحقيقاتها أو أي معلومات عن دوافع الجريمة.

الكومبس أجرت حواراً هاتفياً مع الشيخ سعيد عزام وسألته:

ما تعليقك على ما يحدث بعد مقتل سلوان موميكا؟

يجب علينا أن نتأمل في مآلات الأفعال، فكل فعل يقوم به الإنسان ينبغي أن يفكر في نتائجه وعواقبه، إذ إن ذلك يؤثر بشكل مباشر على مستقبل الجالية المسلمة في البلد الذي نعيش فيه. ومن الأمور التي انبثقت عن قانوننا الأساسي الصادر عن مجلس الإفتاء السويدي ما نطلق عليه “السياسات”ومن أهمها المحافظة على أمن البلد واستقراره، فهذا البلد هو مصدر رزقنا ومستقبل أبنائنا، ومن واجبنا أن نحافظ على أمنه واستقراره من خلال احترام القوانين والإجراءات القانونية.

لا شك أن أي إنسان قد يشعر بالغضب أو يرى أن خصوصيته سواء الدينية أو الحياتية قد انتهكت، لكن هناك قوانين ودساتير تكفل للمسلمين حرية التدين والحياة الشخصية في السويد. لذا فإن الشخص المعني بهذه القضية موميكا كان مطلوباً للمحكمة بسبب اتهامه بالكراهية ضد المسلمين وكان من الممكن أن يُحكم عليه وفقاً للقانون. وأنا على يقين بأن تصرفاته لم تكن مرضية لا للمسلمين ولا لغيرهم من السويديين وغير السويديين. ومع ذلك يجب أن ندرك كيف تتم المقاضاة في بلد مثل السويد حيث صُنع القانون بدقة حتى أصبحت الحريات فيه ذات سقف عالٍ جداً.

علينا أن نتوافق مع هذه القوانين حتى لو لم تكن مقنعة لنا وحتى لو لم يكن رد السياسيين والقانونيين متماشياً مع ما نرغب فيه. ومع ذلك، فقد توافقوا معنا في جوانب أخرى، لقد فتحوا لنا بلادهم وأصبحنا جزءاً من المجتمع السويدي وأصبح أبناؤنا يرون السويد وطنهم كما أصبح الإسلام جزءاً من ثقافة هذا البلد يؤثر في تصرفات الساسة وعلاقتهم بالمواطنين. مساجدنا الآن تستقبل السياسيين والقانونيين بل حتى المواطنين السويديين من مختلف الفئات حيث يأتون باحترام وتقدير للاستماع إلى الحديث عن الإسلام.

المسلم الحق هو الذي يسعى للوصول إلى غير المسلم لإيصال رسالته ودينه بالحكمة والموعظة الحسنة. فإذا جاء الآخر إلينا باحترام وتواضع فعلينا أن نقدر ذلك، ونوضح له تعاليم الإسلام بخلق حسن. فلا يجوز أن يتصرف أحدٌ بالقانون بنفسه، ولا أن يمارس العقاب بذاته فحتى في الدول الإسلامية إقامة الحدود من اختصاص الحاكم وليس للأفراد التدخل فيها.

“أمر خطير”

ما رأيك بانتشار مظاهر الفرح والشماتة من قبل البعض على وسائل التواصل الاجتماعي بعد جريمة قتل موميكا؟

المشاعر الشخصية لا يمكن إخفاؤها، فهناك من قد يشعر بالفرح لأن هذا الشخص آذى الكثيرين. وهناك من يرى أن ما حدث له هو “عبرة لمن يسلك نفس الطريق”. لكن كما ذكرتُ سابقاً علينا أن نفكر في المآلات، فإذا أخذ كل شخص القانون بيده وفق هواه فسيؤدي ذلك إلى حالة من الفوضى ويصبح المجتمع بلا قانون ولا أمن. المتضرر الأكبر في هذه الحالة هو نحن المسلمين لأننا أقلية في مجتمع ذي أغلبية تختلف عنا في القيم والعادات. فإذا رأى البعض أن الحل هو إزالة من يخالفهم فسيكون ذلك مبرراً للأغلبية السويدية لتتخلص منا أيضاً لأننا نخالفهم في بعض القيم. فهل هذه هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع الاختلافات؟ هذا أمر خطير يجب أن نحذّر منه.

هل تنعكس بعض التعليقات على وسائل التواصل سلباً على الجالية المسلمة في السويد؟

بالتأكيد مئة بالمئة. نحن المسلمون في السويد أقلية والطريقة الوحيدة للتعايش مع الأغلبية هي من خلال الحوار والتواصل. إذا أردنا أن نوصل قيمنا وأخلاقنا فلا بد أن يكون ذلك بالحكمة والنقاش الحسن وليس بالتصعيد والعنف اللفظي أو الفرح بالمصائب، وإلا فإننا نحن من سنكون الخاسرين في النهاية. بالنسبة لي أرى أن هذا الشخص لقي من سيئ ما فعل، فحين يثير المرء الكراهية والاشمئزاز ويثير الآخرين في معتقداتهم فقد يأتي أحد في النهاية ويفعل ما فعل. لكن يجب أن نتحلى بالصبر والحلم وأن ننقل الخير الذي نحمله إلى الآخرين وسنجد منهم من يتصدى للشر معنا. فالجهل هو الذي يدفع الناس إلى العداء وحين نقدم لهم معاني الإسلام الحقيقية سيغير كثيرون مواقفهم تجاهنا. العداء يجب ألا يقابل بالعداء بل بالحكمة والصبر كما أوصانا الله عز وجل، وكما صبر الأنبياء من قبلنا. فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم “رحم الله أخي موسى فقد أوذي بأكثر مما أوذيت فصبر”.

مجلس الإفتاء: احترام القانون والنظام

وأصدر مجلس الإفتاء السويدي اليوم بياناً قال فيه إنه “يتابع باهتمام الأنباء المتداولة حول مقتل سلوان موميكا”، مؤكداً على خميسة نقاط هي:

  1. أهمية احترام القانون والنظام، كونهما الأساس الذي يضمن مصلحة الجميع.
  2. ضرورة تعزيز التعاون بين الجمعيات الدينية والجهات الحكومية حتى لا يحدث فراغ تستغله تيارات الإسلاموفوبيا أو أي سلوكيات تضر بقيم المجتمع واستقراره.
  3. نشكر تواصل الشرطة مع مجلس الإفتاء السويدي في هذا الظرف الحساس، وحرصها على الاطمئنان إلى أننا لم نتعرض لأي مضايقات أو مظاهر إسلاموفوبيا.
  4. السويد بلد قائم على الحريات التي أتاحت للجميع مساحة واسعة لممارسة حقوقهم، مما يجعلنا أكثر حرصاً على الحفاظ على هذه القيم وصونها من أي استغلال أو إساءة.
  5. يؤكد مجلس الإفتاء السويدي على التزامه بالسياسات التي انبثقت عن دستوره الأساسي، والتي تنص على احترام القانون، وعدم الرضا عن أي تصرف يمس أمن المجتمع واستقراره.

شادي فرح