الكومبس – سوريا: سنوات عجاف مرت على السوريين رافقتهم خلالها أشكال متنوعة من المآسي والمصاعب، حتى تلك الفترات التي صمتت فيها آلة الحرب قليلاً اثناء تجميد جبهات القتال، وتقاسم مناطق السيطرة بين الفصائل المتصارعة، تواصلت المعاناة بأشكال أخرى حيث أجبر العديد على التعايش مع جغرافية ممزقة، تفصل بين المدن والبلدات التابعة لها بمعابر ظلت تقض مضاجع السوريين طوال تلك السنين.

منطقة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي ذات الكثافة السكانية الكبيرة التي وصلت لنحو 600 ألف نسمة إحدى المناطق التي تقطعت أوصالها، وعانت من مرارة تقسيمها في تلك الفترة حيث وقع الجزء الغربي والشمالي من ريفها تحت سيطرة فصائل الجيش الوطني التابعة لعملية درع الفرات في جرابلس، فيما سيطرت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على مدينة منبج وما تبقى من أريافها.

عملية “فجر الحرية” التي أطلقها الجيش الوطني تمكنت من السيطرة على مدينة منبج وريفها بشكل كامل لتطوي بذلك سبع سنوات من التقسيم في تلك المنطقة.

تغيُّر السيطرة انعكس بشكل إيجابي على كثير من أبناء المنطقة الذين استقبلوه مستبشرين بمرحلة جديدة تمكنهم من ممارسة أعمالهم والتواصل مع محيطهم بحرية ودون كفالات أو “محسوبيات”، كما يقول بعضهم.

محمد حسون (أحد سكان منبج) قال للكومبس “ذقنا الأمرين خلال السنوات الماضية فالوصول إلى أراضينا كان مجازفة كبيرة قد تكلفنا أرواحنا”.

واضاف “كنا نضطر لسلوك طرقات وعرة تحت جنح الظلام كي نبتعد عن الحواجز التي لا تسمح لنا بالمرور إلى أراضينا”.

الكراج الرئيسي الذي يربط بين جرابلس ومنبج دبت فيه الحياة من جديد بعد أن ظل مغلقاً طوال تلك السنوات، واليوم تنشط حركة التنقل بين المدينتين من جديد ورجعت لسابق عهدها دون أي تعقيدات.

سائقو الباصات العاملة بين المدينتين عبّروا عن سعادتهم بالعودة إلى عملهم مجدداً بعد أن تمت إزالة الحواجز والسواتر الترابية على طول الطريق، وطالبوا بصيانة الطريق التي تعرضت للتخريب في أجزاء عدة منها بسبب وجود الحواجز، والنقاط العسكرية، والقصف الذي طالها، وخصوصاً في منطقة عون الدادات التي كانت تشكل نقطة الفصل بين سيطرة الجيش الحر وقسد.

الحركة التجارية تعود

التأثير الايجابي لإلغاء المعابر بعد تحرير المنطقة لم يقتصر على حركة المسافرين فقط حيث انعكس ذلك على عودة الحركة التجارية النشطة بين مدينتي جرابلس ومنبج. فيما قال بعض الأهالي إنهم يتمنون عودة الأمن والأمان إلى كل المناطق السورية.

التاجر محمد حسن قال للكومبس “إن عودة منبج لسيطرة الجيش الحر بشكل كامل سهّلت حركة مرور البضائع التجارية واختصرت علينا كثيراً من الاجراءات والرسوم التي كانت تفرضها قسد حيث كنا نضطر لدفع رسوم جمرك، وتفريغ حمولة الشاحنة القادمة من تركيا، وإعادة تحميلها في شاحنة أخرى، الأمر الذي ينعكس سلباً علينا، وبالتالي يزيد من تكاليف البضاعة ويزيد سعرها على المستهلك.

هكذا كان حال منبج وريفها التي عانت من لعنة المعابر لأعوام طويلة. ويتطلع كثير من السوريين على امتداد جغرافية وطنهم للتخلص من جميع المعابر بين المدن والبلدات الأخرى التي ماتزال تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

صالح حمد

سوريا

حقائق

تعتبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من قوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أحد أبرز اللاعبين على الساحة السورية منذ القضاء على التنظيم في 2017. حيث سيطرت على ما يقارب من ثلث مساحة سوريا وبالتحديد محافظات الرقة والحسكة وريف دير الزور.

وتصنف تركيا “قسد” باعتبارها “قوات إرهابية” حيث تتهمها بالارتباط بحزب العمال الكردستاني (PKK). وسبق أن شنت تركيا عمليات عسكرية ضد “قسد” وأخرجتها من مدن عدة كانت تحت سيطرتها.

وتشمل قسد خليطاً من أكراد قادمون من دول أخرى وكرد سوريين وعرباً وبقية المكونات العرقية.

وشهدت قوات سوريا الديمقراطية بعد سقوط النظام السوري السابق انشقاقات كبيرة، وانحسار في مناطق سيطرتها حيث خرجت مدينتا دير الزور ومنبج عن سيطرتها وتتعرض بشكل يومي لقصف من المسيرات التركية التي تستهدف مقار قيادية وأمنية تابعة لها، إضافة إلى هجمات يومية على الأرض يشنها مقاتلو “ردع العدوان” و”فجر الحرية” على جبهات عدة.