المخرج أحمد ياسين لـ الكومبس: “جنائن معلقة” حكاية العراق ما بعد 2003

: 5/8/23, 6:39 PM
Updated: 5/8/23, 6:39 PM
المخرج أحمد ياسين لـ الكومبس: “جنائن معلقة” حكاية  العراق ما بعد 2003

الكومبس – خاص: صفق الجمهور طويلاً بعد الانتهاء من عرض استمر 90 دقيقة لفيلم ” جنائن معلقة ” في إحدى صالات العرض في مالمو أثناء مهرجان السينما العربية الذي اختتم دورته الـ 13 قبل أيام.

الفيلم يتحدث عن مرحلة مهمة في عراق ما بعد 2003 ومستوحى من أحداث حقيقية حصلت أيام الصراع الطائفي وتواجد القوات العسكرية الأميركية المحتلة في بغداد.

استطاع الفيلم حصد ثلاث جوائز في مهرجان مالمو الذي انتهى قبل أيام، وذلك بعد جولات عالمية وعربية لف بها الفيلم قبل أن يحط رحاله في مالمو.

مخرج الفيلم أحمد ياسين الدراجي، عبر في لقاء مع الكومبس عن سعادته بردود الأفعال والأصداء التي حصدها الفيلم سواء من جمهور المهرجان أو لجان التحكيم، لكنه قال إنه لا يفضل أن يحدد رسائل الفيلم تاركاً للمشاهد فهم ومناقشة المواضيع التي تطرقت لها أحداث الشريط على مدار 90 دقيقة.

وعلى الرغم من أن المخرج الدراجي، هو صاحب أول تجربة فيلم روائي طويل، إلا أن فيلمه نال إعجاب ليس فقط الجمهور العربي بل أيضا العديد من السويديين الذين شاهدوا العرض، حسب ما قاله المخرج نفسه أثناء هذا الحوار مع الكومبس:

نتحدث أولاً عن فوز فيلمك “جنائن معلقة “ بثلاث جوائز في مهرجان مالمو، كيف استقبلت هذا الخبر وماذا تمثل لك هذه الجوائز؟

قبل أن يقام حفل الختام وتوزيع الجوائز قال لي بعض الشباب العاملين في المهرجان واستأذنوا مني أن يعطوا بوستر الختام لرجل سويدي كان قد شاهد الفيلم لأنه كان قد تأثر بشكل كبير في الفيلم بعد مشاهدته، وبات يفكر بمشاهده عند عودته الى البيت، وطلب أن يحصل على البوستر حتى يضعه في بيته للذكرى، مثل هذه التفاصيل التي تحدث خلف الكواليس تكون ربما أهم من أي جائزة على الأقل من الناحية المعرفية، لكن فيما يخص استقبالي لخبر الفوز، أنا سعيد جداً بالجوائز التي حصل عليها الفيلم في مهرجان مالمو السينمائي وأن تحصل على ثلاث جوائز من جوائز المهرجان فهذا شيء كبير ويدعو للفخر وهو اعتراف بقيمة هذا الفيلم وجهد العاملين فيه، وكذلك أنا سعيد لبطلي الفيلم الصبي المجتهد حسين محمد وكذلك للممثل وسام ضياء لأنهما حصلا على ما يستحقانه من تكريم واحتفاء. ما يعني أن الفيلم كان قريباً من الحصول على جائزة رابعة لكن في بعض الاحيان تقتضي البروتوكولات أن لا تحصل على كل شيء، وهذه الجوائز تعتبر شيئاً كبيراً جداً بالنسبة لنا، خصوصاً وأنك تنافس مع أهم المشاريع السينمائية العربية التي انتجت في المنطقة العربية، خلال السنتين الماضيتين عبر أسماء مهمة.

وكذلك من المهم أيضاً لنا كسينمائيين عراقيين أن نمثل العراق ونحصد مثل هذه الجوائز التي تلفت الانتباه إلى تجارب الشباب الآخرين من قبل داعمي السينما والمهتمين في هذا المجال في الدول العربية والاجنبية.

كيف كانت أصداء عرض الفيلم في مهرجان مالمو وماهي أبرز التعليقات والآراء التي استمتعت لها من قبل الجمهور؟

حقاً كنت مستمعاً جداً بالآراء و الأصداء الإيجابية التي تلقيتها وسمعتها بعد عرض الفيلم، لأنني وظفت خلال هذا الفيلم نوعاً من الكوميديا التي أسميها ” الكوميديا الرصاصية ” وفيها أشياء عراقية بحتة ويحتاج المشاهد العربي أن يتأمل قليلاً حتى تصل له وتأثر فيه لكن الجمهور العراقي والعربي وكذلك السويديين كانوا يبتسمون مع هذه المشاهد وقد وصلهم هذا النوع من الكوميديا التي حاولت توظيفها في الفيلم وكان هذا الشيء ممتع بالنسبة لي، والشيء الآخر الذي استمعت به هو أن الفيلم استفز الكثير من المشاهدين وهذا شيء كنت انتظره من أي مشاهد لأنني أعتقد أنا وظيفتي كصانع أفلام هو استفزاز مشاعر الآخرين ودعوتهم للتفكير والنقاش بما يُصنع على الشاشة.

في الحديث عن الفيلم “جنائن معلقة “ الذي حصدت من خلاله جوائز عديدة ومشاركات عالمية، ما هي أبرز الرسائل او المواضيع التي حاولت التطرق لها في الفيلم؟

بشكل عام أنا لا أحب كلمة الرسائل في الأفلام وأعتقد أن هذه الكلمة هي كبيرة عليً وأن أحمل هذه الرسائل لأني اعتقد أن الرسائل مختصة بالأنبياء والرسل لذلك لا أستخدم هذه المفردة أو أدعي أنني أحمل رسائل من خلال أعمالي، وكل ما في الأمر أنا أحاول أن اقدم قراءة أو تجربة شخصية فنية ممكن أن يستمتع بها الآخر وأن أدعوه إلى النقاش فيها بطريقة أخرى فأنا لا أحمل رسائل وإنما أقدم تجربة سينمائية مطلقة، وأعتقد في نفس الوقت أن قصتي أو حياتي الشخصية هي الرسالة لأن أعظم ما يمكن مشاركته مع الآخرين هي التجارب الشخصية وأن أجمل ما في البشرية هو أننا نملك حكايات مختلفة لا يمكن استنساخها.

فيلم ” جنائن معلقة ” هو تجربة عراقية خالصة وقراءة اجتماعية لما حصل في العراق ما بعد 2003 و التصادم الثقافي الذي حصل قبل وبعد الحرب بعد أن كنا معزولين عن العالم، والفيلم يمكن أن يحمل القراءة والتأويل بأكثر من طريقة حيث التقيت بعض الاشخاص في السويد أثرت فيهم قصة الحب في الفيلم فيما التقيت بآخرين بعد العرض تحدثوا لي عن توظيف الدمية بالفيلم أيضاً وهذا شيء ممتع أن تقرأ القصة من أكثر من زاوية، لكن الذي أستطيع قوله إن الفيلم يدور عن تجربة جيل ما بعد 2003 في العراق وكل ما حصل مع هذا الجيل وكيف تعامل مع كل ما جرى من أحداث وكذلك محاولة مناقشة وقراءة ما وقع بين جيلين عراقيين، بالإضافة إلى أن الحكاية تحمل إدانة للأمريكيين عما حصل في العراق.

هذه المشاركة الثانية لك في مهرجان مالمو، كيف رأيت المهرجان والحضور في دورته 13 وهل بات المهرجان هو بوابة الافلام العربية للدول الاسكندنافية؟

نعم بكل تأكيد، وأنا أعتقد أن مهرجان مالمو للسينما هو المهرجان الأهم خارج المنطقة العربية ويكاد يكون أشبه بقبلة لتقديم مادة بصرية للجمهور العربي والأوروبي في الدول الاسكندنافية خصوصاً وأن بعض الدول الأوروبية تميل الآن إلى الأحزاب اليمينية والتطرف وبعض المشاكل السياسية، فهذا المهرجان ليس فقط بوابة للسينمائيين العرب وإنما منصة مهمة لتقديم أعمالهم للجمهور الموجود هنا وأرى أن وجود هذا المهرجان واستمراره شيء مهم لنا كصناع سينما عربية.

هناك عدد من الافلام السينمائية العراقية التي تشارك وتفوز بجوائز كيف ترى هذه المحاولات الفردية من قبل الشباب؟ وما الذي يمنع العراق من صناعة الأفلام والسينما مثل بقية الدول مثل مصر؟

نحن في العراق لا زلنا نعيش بمرحلة انتقالية مطلقة وكان بإمكاننا أن نختزل الزمن، ونحن كعراقيين، أستطيع أن أقول إننا فشلنا وكسالى في توثيق المراحل التي مرت على البلاد بعد العام 2003، إذ أننا لا نملك سينما بالمفهوم العام وإنما نملك تجارب فردية نصنعها وسط تحديات كبيرة من أجل أن نقدم هذه التجارب، والتجارب الفردية غنية جداً واعتقد أننا نملك جيلا يستطيع أن يعمل طفرات نوعية بالسينما العراقية خصوصاً بعد الانفتاح الكبير وسهولة وصول المواد. والأعمال التي تعرض على المنصات والتلفزيونات منحت العراقي شيئاً من محو الأمية البصرية لأننا نعاني من أمية بصرية في العراق بشكل مطلق، لكن مؤخراً وعلى الأقل خلال العشر سنوات الماضية ما يقدم عالمياً بدأ يصلنا بشكل كبير وسريع، واعتقد أن العراق قادر من ناحية الموارد البشرية لصناعة سينما حقيقية لكن للأسف لا زلنا نعاني من بعض القوانين البيروقراطية هي التي تعرقل صناعة السينما لذلك نحتاج إلى سن قوانين جديدة تساهم في هذه الصناعة ومع ذلك لدي أمل كبير بأن الجيل الجديد من الشباب سوف يقدم شيئاً جديدا ومميزا من التجارب السينمائية.

في فيلمك قلت إنك دائماً ما تسأل وتبحث في الأسئلة التي تخص المجتمع، برأيك ما أهمية أن تكون السينما واقعية وتتحدث عن المواضيع التي تهم المجتمعات العربية؟

أنا دائماً ما أقول لأصدقائي الشباب، أنا ابن الاسئلة ولست من النوع الذي يقدم نفسه بطريقة ملائكية ويطرح رسائل معينة وإذا لاحظت فإن معظم مشاهد الفيلم كانت مفتوحة بالنسبة لي، وأعتقد أن واقعية السينما هي مهمة جداً على الرغم من وجود نوعيات مختلفة لصناعة الأفلام وأنا أميل لهذه المنطقة التي تدمج الواقع في الخيال، وكان هناك خيط رفيع في الفيلم يسمى بالواقعية السحرية، وعلى اختلاف نوعية التجارب إذا كان خيال علمي أو واقعية من المهم أن نقدم ونصنع هذه التجارب ونتحدث عن مواضيعنا خصوصاً كما تعرف أننا كمجتمعات عربية متهمين بشتى أنواع التهم من تسميتنا بدول العالم الثالث إلى التخلف إلى الإرهاب لذلك فإن صناعة تجارب تدور عن واقعنا يعد شيئاً مهما جداً لأننا لا زلنا بخلاء بحق تجاربنا ولم يتم طرح صناعة سينمائية عربية لما يحصل، وأعتقد بأن الجديد يحاول أن يصنع مثل هذه التجارب ويشاركها مع العالم.

ما رأيك ببقية الأفلام المشاركة في مهرجان مالمو والمواضيع التي تناولتها؟

كان المهرجان مائدة بصرية مهمة جداً لي وأنا استمعت به وكذلك بالأفلام التي عرضت، حيث عرض خلال المهرجان 12 فيلماً طويلا، تعد من أهم الأفلام العربية التي صنعت خلال السنتين الماضيتين وبمواضيع مختلفة وأحببت كذلك التنافس مع هذه الأفلام التي صنعت بملايين الدولارات، لذلك كانت تجربة مميزة والأفلام التي عرضت كانت رائعة.

هل تعتقد بأن الجاليات العربية الموجودة في أوروبا تحتاج الى مثل مهرجان مالمو لتشاهد أفلاما عربية جديدة؟

نعم بالفعل أرى أن الجاليات العربية الموجودة في أوروبا تحتاج مثل هذه المهرجانات السينمائية خصوصاً هناك أربعة أجيال من الشباب لا يعرفون عن الدول العربية شيء سواء التجارب التي عاشها أهاليهم لكن أن تحاول جلب لهم تجارب بصرية و تضعها أمامهم وتحاول أن تقرب لهم الثقافة وما يدور بشكل عام في تلك البلدان هذا سوف يملئ شيء ثقافي مهم في دواخلهم وعلى الأقل يعيد اكتشاف الهوية لديهم لأن عددا كبيرا من الأجيال الجديدة تعاني من تشظي الهويات خصوصاً إذا كانوا يعيشون في مجتمعات فيها شيء من العنصرية حيث تجدهم يذهبون إلى أقصى اليمين أو أقصى اليسار بسلوكهم في محاولة لفهم هوياتهم لذلك فأنا اعتقد أن تقديم حكايات وقصص من المنطقة العربية سوف يغنيهم ويجب على أسئلة كبيرة تخص الهويات ووجودهم في هذه البلدان.

حدثنا عن مشاريعك السينمائية الجديدة؟

حالياً أنا منشغل بكتابة مشروعين سينمائيين، الأول هو مشروع “أيام الجنون والعسل” وكذلك مشروع “بائع الحرير” الذي أشارك كتابته مع الكاتب الصديق مصطفى الركابي، والعمل الأول هو حكاية تدور خلال الأشهر الأخيرة ما قبل حرب 2003 وسقوط نظام صدام حسين، وهو عن طالب في قسم المسرح يخطأ ويشتم صدام حسين على المسرح أثناء عرض المسرحية ليتم سجنه وتعذيب وقتل أصدقائه من الممثلين لكنه الوحيد الذي ينجو من الموت لينتهي المطاف به منفياً داخل مستشفى الأمراض العقلية في بغداد وينتهي الفيلم بلحظة سقوط نظام صدام حسين واجتياح الدبابات الأمريكية العاصمة بغداد، أما العمل الثاني ” بائع الحرير ” والذي اشارك كتابته مع الكاتب مصطفى الكعبي فتدور أحداثه عن معلم يعمل في إحدى محافظات العراق الأكثر تشدداً من ناحية التقاليد والأعراف ويعمل داخل محل للملابس النسائية ويخوض رحلة قائمة على سؤال كيف تثبت أنك رجلاً ولست ذكر.
في النهاية قدمنا التهنئة للمخرج بفوز فلمه بثلاث جوائز من مهرجان مالمو للسينما العربية وتمنينا له المزيد من النجاح.
سنان السبع ـ مالمو

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.