الكومبس – أوروبية: التقدم الكبير الذي حققه حزب البديل في الانتخابات الألمانية يثير قلق المهاجرين بشأن المستقبل، لكن القلق هذا يتبدد قليلا إثر رفض الحزب الفائز التحالف مع البديل، ومع ذلك هناك من يرى في “صعود اليمين الشعبوي فرضة للتغيير!”تزايد العداء للمهاجرين وصعود اليمين في ألمانيا والدعوات إلى المزيد من التشدد في سياسة الهجرة واللجوء، يثير قلق المهاجرين ومخاوفهم بشأن المستقبل.

لكن رفض الاتحاد المسيحي الذي فاز في الانتخابات تشكيل ائتلاف حكومي مع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي، يبدد إلى حد كبير مخاوف المهاجرين ويبعث الأمل في نفوسهم بشأن المستقبل، رغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به ألمانيا.

ويقول المهاجر السوري الأصل محمد أزموز (57 عاما)، إنه يشعر بسعادة غامرة بعد إدلائه بصوته لأول مرة في الانتخابات التشريعية الألمانية التي جرت يوم الأحد (23 شباط/ فبراير 2025). لكن أزموز الذي يعمل حلاقا في برلين، يشعر بالقلق بشأن المستقبل، بسبب التأييد غير المسبوق لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي المناهض للهجرة والمهاجرين، ويتساءل “لماذا هذه الكراهية؟إننا نعمل وفرضنا أنفسنا. لم نعد عالة على المجتمع. إننا نحب الشعب الألماني”

وكانت الهجرة وسياسة اللجوء الموضوع الأبرز والأكثر إثارة للجدل خلال الحملات الانتخابية لكل الأحزاب، وهو ما جاء لمصلحة حزب البديل والاتحاد المسيحي المحافظ المكون من الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، حيث فاز المحافظون بقيادة مرشحهم فريدريش ميرتس بـ 28,52 بالمئة من الأصوات وجاء حزب البديل في المركز الثاني بـ 20,8 بالمئة ، وهو ضعف ما حصل عليه في الانتخابات السابقة.

والهجمات التي شهدتها ألمانيا خلال الأشهر الماضية، والتي نفذها مهاجرون أو طالبو لجوء وأدت إلى مقتل وإصابة العديد من الأشخاص، ألقت بظلالها الثقيلة على الجدل الدائر حول الهجرة خلال الحملات الانتخابية، وقد استغلها حزب البديل بشكل كبير. يذكر أن هذا الحزب يصنف متطرفا في بعض الولايات الألمانية.

كما دفعت تلك الهجمات كل الأحزاب تقريبا إلى الدعوة لتشديد سياسة الهجرة واللجوء في ألمانيا، والتركيز على مسألة الأمن الداخلي والحزم في التعامل مع اللاجئين والمهاجرين الذين يرتكبون جرائم عنف وترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية بما في ذلك سوريا وأفغانستان أيضا.

التحسر على أيام المستشارة أنغيلا ميركل

لكن أزموز الذي يشعر بالقلق نتيجة ارتفاع الأسعار وتزايد موجة العداء للمهاجرين والجو العام المناهض لهم، أعطى صوته لحزب اليسار الذي دافع في حملته الانتخابية عن المهاجرين وركز على تعزيز العدالة الاجتماعية ووعد بزيادة دعم ومساعدة الأسر الفقيرة ذات الدخل المنخفض.

ويقول أزموز متحسرا على السنوات الماضية إبان حكم المستشارة أنغيلا ميركل “إننا نفتقد أيام السيدة ميركل حين كانت مسؤولة عن الحكومة” ويضيف بأن “كل شيء أصبح غاليا الآن.. صار المرء يركض ويركض دون أن يتمكن من اللحاق” لتأمين متطلبات الحياة والمعيشة.

وفي خضم الركود الاقتصادي والأزمة التي تمر بها البلاد، يشعر المواطنون ذوو الأصول المهاجرة بالقلق حول وضعهم المالي أكثر من بقية السكان. وحسب دراسة حديثة للمركز الألماني لأبحاث الهجرة والاندماج ( (DeZIM) فإن 63,4 بالمئة من المهاجرين يشعرون بهذا القلق، مقابل 46,7 بالمئة من غير المهاجرين.

وبلغ عدد المهاجرين في ألمانيا مستوى قياسيا، حيث تجاوز عدد ذوي الأصول المهاجرة الذين يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات سبعة ملايين ناخب.

“صعود البديل فرصة للتغيير”!

لكن رغم شعور أغلب المهاجرين بالقلق ولديهم مخاوف بسبب تزايد العداء للمهاجرين وغلاء الأسعار والوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، هناك من ينظر للأمر من زواية أخرى.

المهاجر الأردني محمد، الذي يعمل حلاقا ولم يشارك في الانتخابات لأنه لا يحق له التصويت، يرى أن أن صعود حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي يعد فرصة للتغيير في البلاد، ويقول إن من حق ألمانيا حماية حدودها وسكانها.

ويعترف محمد بالأخطاء التي يرتكبها مهاجرون، وهو يؤيد اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه مرتكبي جرائم العنف ويدعم القيود المفروضة على لم شمل أسر اللاجئين. ويقول “لو كان هناك حزب البديل من أجل ألمانيا في بلدي، كنت سأصوت له”.

والحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يعد الأكثر شعبية بين المهاجرين في ألمانيا لدفاعه عن حقوق العمال والرعاية الاجتماعية والاندماج، كان الخاسر الأكبر في انتخابات هذا العام حيث حصل على 16,41 بالمئة فقط من الأصوات بتراجع تجاوز 9 بالمئة مقارنة بانتخابات عام 2021.

أما علاء الدين مهنا، المهاجر السوري الأصل والذي يعيش في لودفيغسفيلده بالقرب من برلين، فقد صوت في انتخابات 2021 للحزب الاشتراكي، لكنه تراجع عن موقفه هذا العام ولم يصوت للحزب الاشتراكي بسبب سياساته المؤيدة لأوكرانيا والتي يعتقد إنها أضرت بالاقتصاد، ويقول “لا يوجد حزب يمثلني حقا”. وأضاف أن التدهور الاقتصادي كان مصدر قلقه الأكبر في هذه الانتخابات، ويرى أنه كان أيضا من أسباب صعود حزب البديل اليميني الشعبوي.

وقال مهنا “أنا قلق. بالطبع لن يشكل المحافظون ائتلافا معهم. ولكنهم كمعارضة سيكون لهم (حزب البديل) ثقل كبير وأنا قلق بشأن هذا”.

لكن الحلاق السوري محمد أزموز، فإنه يأمل أن يقود المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس البلاد نحو الرخاء. ويقول متفائلا “نأمل أن يرأف الحزب الذي وصل للسلطة (الاتحاد المسيحي) بالناس، ليس باللاجئين فقط، وإنما كل المواطنين الألمان”.

ع.ج/ع.ج. (رويترز)

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW