الكومبس – تحقيقات: لماذا يقترن اسم الثقافة الجنسيّة بالنسبة للمراهق القادم من مجتمعات مكبوتة دينياً وعرفياً واجتماعياً بما بات يُطلق عليه “الانفلات الأوروبي”؟

ألم تثبت الشاشة الشرقية السريّة أنها الأكثر تداولاً للمواقع الجنسيّة؟ ألا يفترض تزامنّاً مع ظهور التغيّرات الفسيولوجية بجسد المراهق الشرقي، ليفهم على الاقل، كيفية التحكم بغرائزه وما هي وظيفة كلّ عضو بعيداً عن ثقافة العيب العرفي؟

وكيف يمكن أن نمرّر التثقيف الجنسي لعقلية البيت الشرقي دونّ أن يكون الثمن صدمة ثقافية مرتدة أو ضياع هوية؟

كبت ووقاية

الجنس عيب كبير سواء داخل البيت أو المدرسة، وليس لدينا اصلاً منهج خاص به، بل نُعاقب بالتوبيخ من المدرس إذا ما تساءلنا عن تفاصيل حساسة بالجسد ضمن مادة الاحياء العضوية.

هذا الحديث كانّ جزء من الكبت النفسي الذي بدأه المراهق العراقي (يونس ابو العيون 18 سنة) بهيئة جواب قائلاً: “كلّ ما يمكن أن نحصل عليه من معلومات تتضمن مقاطع الفيديو المتنوعة التي يتناقلها الطلاب بسريّة تامة، أو من خلال العلاقات السريّة مع فتيات بنفس اعمارنا.

يضيف يونس: امّا الوضع هنا داخل المجتمع السويدي، فالجنس ضمن المنهج الدراسي لأنهم يعتبرونه جزء من الثقافة العامة، لدينا درس خاص بالثقافة الجنسية واهميتها، وتعريفنا بأهمية الجسد وما هي وظائف الاعضاء التناسلية، ومدى تأثير الوضعيات الجنسيّة على صحة المفاصل، والوقايّة من الأمراض الناقلة.

كل ما يطرحه المدرس بذلك الدرس عبارة عن معلومات تثقيفية كي لا يلجأ المراهق لإيذاء جسده بالجهل الجنسي أو اكتشاف الاشياء ممن بنفس عمره، علماً انّ إدارة المدرسة حريصة جداً على إبقاء المعلومات ضمن إطار تربوي، حيث يقومون بربطِ ايعاز يعطي إشارة للاب او الام، إذا ما دخل المراهق لاحد المواقع الجنسيّة والخارجة عن إطار المنهج.

عادات ورفض

أم عمر

اقوم باستمرار بتوجيه بناتي الأربعة نحو طبيعة العلاقة ما بين الرجل والمرأة

الأم السوريّة لأربعة مراهقات وطفلين (ام عمر 43 سنة) حديثها كانّ ممتعضاً: انّا كأم لعائلة شرقيّة تربت على تقاليد وعادات اجتماعية معينة، لا أؤيد ضخ الثقافة الجنسية بشكل مباشر، وبصراحة اعتقد انّ موضوع التثقيف الجنسي للمراهقين يجب أن يتم حصره ضمن الاب والام فقط، لانّ الانفتاح الزائد والحرية ومعرفة تلك الأمور وبشكل مكشوف صورة وصوت واختلاط، هو امر لا يناسب ما اطمح له تربوياً ودينياً.

انّا اقوم باستمرار بتوجيه بناتي الأربعة نحو طبيعة العلاقة ما بين الرجل والمرأة، وماهو المقبول وغير المقبول بين الطرفين، فضلاً عن مساحة ونسبة الحلال والحرام بينهما، وانّ المدرسة التي تعطي لبناتي الحصة الخاصة بالجنس، تواجه رفضهن لحضور الدرس، برغبة تربوية طيبة ولا تمانع ابداً من ترك المنهج.

خصوصية وإرادة

انا اليوم قادرة على التميّز والتحكم بإرادتي الجنسيّة عكس ما كان تتوقعه والدتي

المراهقة السوريّة (سارة ستار 16 سنة) التي لم تعد تنظر للجنس ككلمة مرعبّة وبمجرد ذكرها او مشاهدتها ضمن مقطع فيديو سري كانت تتداوله مع صديقاتها بالمدرسة، كفيل بجعلهن منحرفات بنظر المحيطين، حيث أكملت حديثها بعصبية:

هناك يُصبح لزاماً تزويج الواحدة منا قبل أن تنجرف نحو العلاقات والاختلاط بالشباب لأنهم يعتبرون علاقتنا بالشاب بداية الخراب، امّا بداخل هذا المجتمع الحرّ صرت املك الجرأة لمعرفة تفاصيل جنسيّة والاستفسار من المدرسة المسؤولة عن وظيفة كل عضو بالجسم وبدون اي خجل.

انا اليوم قادرة على التميّز والتحكم بإرادتي الجنسيّة عكس ما كان تتوقعه والدتي وخوفها المستمر من هذا الموضوع وإصرارها على اقناعي بالامتناع عن حضور الدرس، لكن انّا مؤمنة كلّ فتاة بحاجة لانّ تعرف تفاصيل جسد الشاب وكيفية التعامل الصحيح معه بالمستقبل، مثلما هي حاجة الشاب لتلك المعرفة عنّا بالمقابل ودون مساس أحدنا بخصوصية الآخر.

تربية وأخلاق

زياد الحمداني

الاب العراقي (زياد الحمداني 44 سنة) اعتبرّ ان الكبت الجنسي هو بوابة المصائب المسؤولة عن انحراف الشاب وتدمير رغبته الجنسيّة وانفلاتها، على عكس من يعتقد بأن الحريّة الجنسية ضياع.

وأضاف: “خطأ كبير ومترسخ بذاكرة العائلة الشرقية التي اعتادت أن تطلق الحرية المنفلتة للولد والتغاضي عن أخطائه، فضلاً عن غض الطرف وتجاوز كلّ انحرافاته السرية طالما كانت بعيدة عن العين، امّا الحديث عن تربية الفتاة بالمقابل وابسط حقوقها، فلا داعي له اصلاً بمجتمعاتنا، انّا اعيش بالسويد من خمسة عشر عاماً، وليّ ثلاث اولاد وبنت صغيرة، واعتمد اعتماداً كلياً على المنهج التربوي الذي تعتمده المؤسسة هنا، صدقيني ان الحفاظ الأخلاقي والتثقيف هنا افضل بكثير من المجتمع الذي جئت منه، ولا أنكر بأنني ورغم كلّ قناعاتي بحرية اولادي، انا اتابعهم واحرص على النصيحة بطريقة التوجيه والصداقة لا بطريقة العصا والعقاب مثلما تربينا للأسف”.

ضرورة علمية

هالة السلام

الناشطة بمنظمة الإغاثة السويدية (هالا السلام) اعتبرت انّ المجتمعات المتحضرة هي التي تخصص مساحة مناسبة من التوعية الجنسية للأطفال تزامنا مع انتقالهم إلى عمر المراهقة وظهور التحولات الفسيولوجية على أجسادهم.

تقول هالا: ” التغيرات الجسمية بدورها تلعب دورا فاعلا في التأثير على حالتهم النفسية وسلوكهم الاجتماعي، فالثقافة الجنسية تعد ضرورية من الناحية العلمية وذلك لإنشاء جيل يعرف نفسه ليتمكن من التحكم بغرائزه ومنعها من أن تسيطر هي عليه، ومع الأخذ بنظر الاعتبار بان الجهل بالشيء لا ينفي وجوده، لذا فأنا شخصيا أؤيد نشر المعرفة والوعي حول الثقافة الجنسية بين الجنسين بعمر المراهقة بالاستعانة بمناهج يساهم في وضعها مختصون في المجال العلمي وعلوم الاجتماع والطب النفسي وطب الأمراض الجنسية.

إذ أن لهذه الاختصاصات علاقة متينة بموضوع الثقافة الجنسية، وفي حالة المغتربين الجدد خاصة الاعمار المتقدمة يكون الوضع أصعب منه عند الاعمار الصغيرة، إذ يصاب الشاب الآتي من مجتمع يمارس الكبت الديني والاجتماعي ويعتبر الثقافة الجنسية خطا أحمر غير قابل للمناقشة ويعاقب على طرح الأسئلة البريئة منها حوله.

أؤيد نشر المعرفة والوعي حول الثقافة الجنسية بين الجنسين بعمر المراهقة

يصاب هذا الشاب بما يسمى بحالة “Cultural shock” او الصدمة الثقافية التي تسبب تأرجحا شخصيا لمن ينتقل إلى مجتمع غريب عنه بشكل واضح وملموس، مما سيجعل مهمة الاسرة كبيرة في الحفاظ على أبنائها من الانحراف والضياع، وقبل ذلك عليها هي اولا ان تصل الى قناعة مطلقة بأهمية الثقافة الجنسية لتتمكن من ايصالها الى ابنائها.

من الضروري على الشخص القادم من مجتمع مكبوت فهم وإدراك ثقافة المجتمع الجديد

اندماج طبيعي

المخرج سعد سليم

المخرج الفني المقيم بالسويد (سعد سليم) قال إن من الضروري على الشخص القادم من مجتمع مكبوت فهم وإدراك ثقافة المجتمع الجديد وإلا سوف يرى نفسه خارج هذا المجتمع بشكل كلي.

أضاف: مسألة اقتران اسم الحرية الجنسية بمسميات الضياع الشرقي، فهذا فكر مغلوط في مجمله، لان اغلب الدراسات التي أجريت حول الحرية الجنسية عند الأوروبيين اثبتت انهم شعب محافظ، بل أكثر محافظة مما يقع في بعض الدول العربية نفسها ولهذا السبب يجب ان لا نعلق أخطاء مجتمعات بمصطلح الانفلات الأوروبي، والجميل في المجتمع السويدي، لا يوجد مصطلح اسمه استسلام بل هناك مفهوم الاستيعاب لأن الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي يترعرع فيها المراهق ويفتح عينيه في أحضانها حتى يشب ويستطيع الاعتماد على نفسه، وان بناء شخصية المراهق جنسياً واجتماعياً وبشكل بناء وسليم سوف تساعده على ان يكون عنصر ناجح ومتميز في المجتمع.

آمنة عبد النبي