اليمن.. مخاوف يغذيها التناقض والانقسام

: 11/3/22, 6:33 PM
Updated: 11/7/22, 2:05 PM
(AP Photo)  TT
(AP Photo) TT

واقعان متناقضان في عدن وصنعاء.. والنزوح يضغط على الجنوب

الكومبس – تحليل إخباري: لم يتغير واقع السيطرة العسكرية كثيراً خلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة في اليمن، في حال استبعاد ما حدث في محافظة شبوة شرقي البلاد مطلع العام الحالي عندما تمكنت قوات جنوبية من طرد قوات أنصار الله الحوثيين من ثلاث مديريات غنية بالنفط. المشهد العام بقي كما هو منذ أربع سنوات تقريباً، فمدن ومحافظات الشمال بما فيها العاصمة صنعاء بقيت تحت سيطرة تنظيم أنصار الله الحوثيين (المدعومين من إيران) بينما بقيت العاصمة المؤقتة عدن ومدن ومحافظات الجنوب والساحل الغربي تحت سيطرة السلطة المعترف بها دولياً (الدعومة من التحلف العربي بقيادة السعودية). ويقود هذه السلطة مجلس رئاسي منذ أبريل الماضي ويتخذ من عدن مقراً لحكمه.

واقع الانقسام العسكري والسياسي يبدو أنه خلق واقعين متضادين يمثل أحدهما عدن والآخر صنعاء، حيث الأخيرة تحت سيطرة جماعة الحوثي، وهي جماعة انطلقت من محافظة صعدة أقصى شمال البلاد وقادت تمرداً مسلحاً منذ 2004 لتتمكن في نهاية المطاف من السيطرة على عاصمة البلاد في سبتمبر 2014 مستغلة الاضطرابات التي خلفتها تظاهرات ما يعرف بـ”الربيع العربي” وأضعفت الدولة وأجهزتها المختلفة قبل أن تنهار بشكل كامل على يد الحوثيين الذي توسعوا سريعاً ليسيطروا في العام التالي على معظم أنحاء البلاد، قبل أن يواجهوا مقاومة شعبية عنيفة وقوية في مدن ومحافظات الجنوب دعمها تحالف قادته السعودية وتمكن بعد أشهر من القتال من طرد الحوثيين من مدن ومحافظات الجنوب والساحل الغربي للبلاد، وهو ما مكن السلطة الشرعية المعترف بها دولياً من إعادة بناء مؤسسات الدولة بعد أن اتخذت من عدن عاصمة مؤقتة.

المدينة القديمة في صنعاء (AP Photo/Hani Mohammed) TT

الواقع في الشمال

بعد مرور ثماني سنوات لا تزال جماعة الحوثيين تسيطر على العاصمة صنعاء ومحافظات الشمال ويقول خصومها إنها تحكم بقبضة حديدية على أسس دينية وطائفية. وتزيد الأوضاع مأسوية يوماً بعد آخر في تلك المناطق بشكل خاص، حيث لم يتسلم موظفو الدولة رواتبهم منذ سنوات، ولا يستطيع أحدهم أن يعترض علناً على ذلك، إذ لا تسمح سلطة الحوثيين بتوجيه أي نقد لها أو لقيادات الجماعة، ومن يفعل ذلك يواجه عادة السجن والاعتقال. فيما يقول الحوثيون إنهم يقودون حربا ضد من يسمونها قوى الاستكبار ويطلقون شعارات “الموت لأميركا وإسرائيل”، معتبرين كل من يخالف ذلك من “الخونة” و”العملاء”.

منذ سنوات يعتقل الحوثيون انتصار الحمادي وهي فتاة في بداية العشرينيات من العمر، أرادت منذ طفولتها أن تكون عارضة أزياء، ونشرت صوراً لها وهي تعرض أزياء يمنية تقليدية محتشمة إلى حد كبير، لكنها سرعان ما اعتُقلت من قبل الحوثيين الذي اعتبروا طموحها خروجاً على الدين الإسلامي، ولاتزال معتقلة في أحد سجون صنعاء منذ نحو ثلاث سنوات دون أن تفلح محاولات المنظمات الدولية في الإفراج عنها. في حين يعتبر الحوثيون فعلها جريمة كبيرة ويقول ناشطون إنهم أرادوا من اعتقال الفتاة تقديم نموذج عن طريقة حكمهم. ويتحدث ناشطون عن أخريات مثيلاتها في السجون، بينما فرت آلاف النساء من صنعاء إلى عدن.

وعما إن كان بإمكان الفتاة ممارسة هوايتها أو احتراف عرض الأزياء فيما لو انتقلت إلى عدن قبل اعتقالها، يقول الكاتب اليمني أدونيس عبد العزيز إنه لا قيود على الأنشطة الفنية والاجتماعية في عدن، مشيراً إلى أنه فعل غادر قبل سنوات مناطق سيطرة الحوثيين إلى عدن كي يستمر في الكتابة والعمل في مجال الاعلام “بحرية”. ويضيف “اضطررت ومعظم زملائي من العاملين في مجالات الصحافة أو الفنون والناشطين الشباب إلى الفرار من صنعاء منذ سنوات بعد تعرض كثيرين للاعتقال والخطف والضرب وحتى الاغتيال من قبل سلطات الحوثيين، كل من أعرفهم من الزملاء ومن الفنانين والناشطين وخصوصاً من النساء فروا من صنعاء منذ سنوات ما عدا من هم في السجون أو تحت الرقابة المشددة من قبل الحوثيين، لقد استحالت علينا الحياة، فهناك مئات المعتقلين بسبب كلمة أو منشور في فيس بوك، ناهيك عن أن الحياة أصبحت مستحيلة هناك حتى بالنسبة للأشخاص العاديين حيث انعدمت الأعمال والانشطة الاقتصادية والتجارية وانتشر الفقر والعوز بشكل لايصدق وبات معظم الناس لايجدون قوت يومهم”. ويتابع “كان من الطبيعي أن يغادر كل أولئك إلى عدن حيث هناك فرص عمل وحركة تجارية نشطة، فمعظم التجار والشركات حولوا أعمالهم إلى مدن مثل عدن والمخا وحضرموت”.

ساعة أنشأها مهندسون بريطانيون في عدن في القرن التاسع عشر (AP Photo/Alaa Noman) TT

الواقع في الجنوب ليس وردياً أيضاً

يقول الكاتب الشاب إن الواقع في المناطق البعيدة عن سيطرة الحوثيين “ليس وردياً أيضاً لكنه أفضل بكثير من كل النواحي، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير وممارسة الأنشطة الفنية”.

ويبدو أن سنوات الحرب والانقسام والواقع المفروض شمالاً أجبرت ملايين اليمنيين على الهجرة من محافظات الشمال إلى مدن الجنوب او الساحل الغربي خصوصاً من أصحاب الأموال وميسوري الحال والتجار والناشطين والفنانين وحتى ناشطي السوشيال ميديا، وهو ما خلق حركة تجارية وفنية واجتماعية واقتصادية نشطة رغم استمرار حالة الحرب، حيث تشهد عدن توسعاً عمرانياً كبيراً. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن مليوني مواطن من سكان الشمال باتوا يعيشون في المدينة بعد أن فروا من مناطقهم لأسباب مختلفة، أهمها البحث عن الاستقرار والأمن ودورة الحياة الطبيعية.

ورغم سوء بعض الخدمات اللتي تقدمها الدولة في مناطق سيطرتها، فإن حالة الاستقرار الملحوظ خلال السنوات الأخيرة تجذب اليمنيين باتجاه الجنوب على حساب الشمال، وهو وضع يبدو أنه سيستمر للسنوات المقبل إن لم تصل الحرب والأزمة إلى نهاية توجد حلاً سلمياً للنزاع.

رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي متحدثاً أمام المتحدة في 22 سبتمبر الماضي (AP Photo/Julia Nikhinson) TT

المآلات وجهود السلام

رغم أن الوضع يبدو أفضل في مناطق الجنوب اليمني فإن استمرار الوقائع والمعطيات لسنوات مقبلة في حال استمر الصراع والحرب قد ينذر بمآلات كارثية من نواح كثيرة تبدأ بالاختلال الديموغرافي حيث تزداد الهجرة باتجاه الجنوب ويترك الناس أعمالهم وأراضيهم وممتلكاتهم في الشمال، وتتسع رقعة الفقر في مناطق معينة وصل بعضها بالفعل الى حالة المجاعة. كما أن الاعتقالات والتضييق على حرية التعبير يغذي الاحتقان ويطيل أمد الصراع، وهو ما يزيد الضغوط على الخدمات والحياة بمختلف مناحيها في مناطق الجنوب والغرب حيث لم تعد المدارس، على سبيل المثال، قادرة على استيعاب مزيد من أبناء النازحين من الشمال منذ وقت طويل.

ورغم مصاعب الواقع، لا يزال كثير من اليمنيين يعولون على دور الأمم المتحدة والدول النشطة في الملف اليمني لإحداث اختراق في جدار الأزمة ووضع البلاد على طريق عملية سلمية يسعى المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن السويدي هانس غروندبيري من أجلها منذ سنوات، وهو يواجه عقبات كثيرة حتى الآن، حتى في مسعى إعادة تثبيت الهدنة التي استمرت ستة أشهر قبل أن تنتهي مطلع الشهر الماضي برفض الحوثيين تجديدها، الأمر الذي رفع مجدداً منسوب التوتر ووضع البلاد على شفا عودة الحرب والاقتتال إلى مستويات ما قبل الهدنة، وهو سيناريو يريد المجتمع الدولي تجنبه بأي ثمن.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.