اليمن.. هُدنةٌ بلا أجل والسلامُ أبعد من المُتناول

: 8/31/22, 5:32 PM
Updated: 9/5/22, 7:45 AM
اليمن.. هُدنةٌ بلا أجل والسلامُ أبعد من المُتناول

تجربةُ اليمن في حرب قاسية لثمان سنوات أنتجت بالمحصلة أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفق تقديرات الأمم المتحدة، راكمت التعقيدات المُلقاة في طريق السلام، حتى غدا هذا المطلب أصعب من أي وقت مضى، رغم الاختراق الحاصل في جدار الأزمة، ومن خلال الهدنة التي بدأت في إبريل الماضي برعاية أممية، والتي تُعلّق الآمال على البناء عليها لإنهاء الحرب ووقف المعاناة.

لكن وبعد مضي أشهر ورغم التنازلات التي تقول الحكومة اليمنية إنها قدمتها في سبيل التوصل إلى طريق للسلام، لم يتحقق الكثير على هذا الطريق الذي يبدو أن طرفي الأزمة لم يضعا أقدامهما عليه حتى الآن، وعلى الرغم من عدم انهيار الأزمة فإن الخروقات التي تهددها تتصاعد بكشل مضطرد، وما لجوء الحكومة المعترف بها دوليا إلى تعليق عمل اللجنة العسكرية الخاصة بها في عمّان احتجاجا على هجمات في تعز نُسبت إلى جماعة الحوثي المدعومة من إيران، إلا مؤشر على حالة الاحتقان الحاصلة التي تغلي تحت رماد الهدنة الهشة.

الثابت في هذه الأزمة – كما هو الحال في كل الأزمات المماثلة -، هو أن الحل مرهون بجدية الطرفين وتجاوز الخلافات العالقة لبلوغ مستوى متقدم من المرونة بما يفضي في النهاية إلى تحقيق السلام؛ لكن العائق هو العاملُ المتغير، أي حالة التناقض التي تظهر بين الحين والآخر والانفصام السياسي في بعض المواقف، كما في اتفاق الهُدنة الحالية، بيد أن تنفيذ بنود هذا الاتفاق على الأرض وصلت بعضها إلى طريق مسدود، بالذات فيما يتعلق برفع الحصار عن تعز، الذي ترفض حركة أنصا رالله الحوثيين رفعه عن مدينة تعز وفق اتفاق الهدنة، كما تقول الحكومة المعترف بها.

بالعودة بالزمن نحو الوراء، والتوقف عند أواخر العام 2019م، كانت أولى مظاهر التفاؤل بإمكانية حلحلة الأوضاع وحل الأزمة سياسيا قد بدأت تنمو وتتشكل في ظروف جديدة هيأت فيما بدى لمرحلة جديدة تتقدم فيها ألوية السلام على استمرارية الحرب؛ لكن لماذا لم تتوقف الحرب؟، كثيرا ما يحتدم السجال عند محاولة الإجابة على هذا التساؤل وتتقافز العديد من الأجوبة المتناقضة، وبالمُجمل، مسألة استمرار الحرب من عدمها مرهونة بنية الأطراف اليمنية واستعدادها الكامل.
وقتها كانت حركة الحوثيين قد خسرت سيطرتها على معظم الاراضي والمحافظات في الجنوب والغرب تباعا على يد مقاومة شعبية دعمها التحالف الذي تقوده السعودية وساندها جويا، وقادتها قوات إماراتية محترفة على الأرض، حيها كانت دولة الإمارت الشريك الفاعل والأبرز في هذا التحالف، قبل أن يتراجع دورها على الأرض بشكل كبير في أعقاب ماعرف باتفاق ستوكهولم الذي وقعته الحكومة مع حركة الحوثيين برعاية المم المتحدة.
ومنذ سحبت الأمارات جيشها من اليمن عام 2019 بقيت الأوضاع العسكرية وخارطة السيطرة كما هي عليه تقريبا، وقلصت أبوظبي دورها في هذا البلد بشكل كبير، ليقتصر على الدور الإنساني على الأرض ومساندة السعودية عسكريا وسياسيا.
كان منسوب التفاؤل وقتذاك يطغى على انطباعات الجميع، إلى درجة أن التصور العام في اليمن كان يشير إلى وقت قريب مرتقب لاتفاق شامل تنتهي على إثره الحرب، وما لبث هذا التفاؤل أن عادت دوامة الحرب من جديد، سيما في محافظات مأرب والجوف والبيضاء.

حول مسألة الهواجس التي تعتري مواقف طرفي النزاع، تقود الأمم المتحدة حراكا واسعا لتقريب وجهات النظر، غير أن عثرات كبيرة تقف في طريقها أجلت حل الكثير من المساءل الخلافية، ومع تصاعد حدة المواجهات العسكرية، كما في تعز، تزداد الخشية من فقدان إشارات التفاؤل، وذهاب كل هذه الجهود ادراج الرياح.

مما يؤكد على أن السلام هو الخيار الاكثر نجاعة لوقف الحرب، تمسك المجتمع الدولي بهذا المبدأ بشكل ثابت، وهو موقف تتشاركه اسبانيا والاتحاد الأوربي، وكل الدول المهتمة بالشأن اليمني، إذ أن ثمان سنوات من الحرب الكارثية أضحت كافية ليفكر طرفا النزاع بمخرج ملائم يعيد لليمن الأمن والاستقرار، ويؤمن واحدا من أهم الطرق البحرية التجارية على هذا الكوكب، مضيق باب المندب الذي تشرف عليه اليمن، وهو أمر آخر زاد الاهتمام به بشكل كبير مؤخرا منذ انلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وانشغال العالم بها، وتأمين هذه المنطقة الحيوية التي يمر منها معظم نفط الخليج العربي القادم إلى أوروبا أمر في غاية الأهمية، لكن ومع كل ذلك لايزال الدور الأوروبي في هذا الملف قاصرولايرقي إلى مستوى أهميته وفق كثير من المراقبين.

صلاح الأغبر

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.