الكومبس – أوروبية: بطاقة دفع جديدة مخصصة لطالبي اللجوء، لتلقي الإعانات على شكل “رصيد” بدل النقد، تثير جدلًا واسعًا. ففي حين يثني عليها سياسيون، تعارضها منظمات إنسانية.
وتعمل ألمانيا على عديل الطريقة التي يحصل بها طالبو اللجوء على إعانات الدولة من خلال بطاقة دفع جديدة في كل الولايات، حسبما أعلن رئيس حكومة ولاية هيسن بوريس راين، الذي يشغل حاليًا منصب رئيس مؤتمر رؤساء حكومات الولايات أيضًا.
الخطوة جاءت بعد نقاشات طويلة وجدل واسع، حتى اتفق رؤساء حكومات الولايات مع المستشار الألماني أولاف شولتس في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 على أن يحصل طالبو اللجوء على جزء -على الأقل- من الإعانات كرصيد على بطاقة دفع بدلًا من النقد. وكان الهدف البارز وقتها، كما ذكر موقع “شبيغل” الألماني، هو حرمان طالبي اللجوء من فرصة تحويل أموال الإعانات التي يحصلون عليها إلى أقاربهم وأصدقائهم في بلدانهم الأصلية.
ونقل الموقع عن راين قوله إن بطاقة الدفع “خطوة مهمة لتقليل حوافز الهجرة غير القانونية إلى ألمانيا. ومن خلال منع إمكانية تحويل أموال الإعانات إلى بلدان المنشأ، تتم مكافحة تهريب البشر”.
كيف ستكون بطاقة الدفع؟
بحسب موقع القناة الألمانية الأولى، فإن البطاقة ستعمل في ألمانيا فقط، وفي بعض الولايات قد يتم تقييد أو حصر استخدامها على المستوى المحلي. ولا يمكن تحويل الأموال منها إلى بطاقات أو حسابات أخرى، كما أنها بطاقة مسبقة الدفع “بطاقة مدين” أو (Debit Card)، أي بطاقة سحب مباشر من الرصيد، وليست بطاقة ائتمانية.
ومن المقرر، بحسب موقع “تاغسشاو”، أن تكتمل عملية إصدار مشتركة للبطاقة في 14 من أصل 16 ولاية ألمانية بحلول صيف 2024، بينما أعلنت الولايتان الباقيتان، وهما بافاريا ومكلنبورغ-فوربومرن، أن كلًا منهما سيسلك طريقه الخاص في إصدارها.
ورغم أنه من المقرر أن تكون الشروط الفنية لبطاقة الدفع نفسها في كل الولايات، بحسب “تاغسشاو”، إلا أنه يمكن لكل ولاية أن تقرر بنفسها بشأن “الوظائف الإضافية الأخرى” للبطاقة، وفيما إذا كانت ستبقى تدفع جزءًا من الإعانات نقدًا.
“تسريع الإجراءات البيرقراطية”
وعن “فوائد” البطاقة، يقول رئيس حكومة ولاية ساكسونيا السفلي، شتيفان فايل، وهو من حزب المستشار أولاف شولتس الاشتراكي، إنها ستساهم في خفض التكاليف الإدارية للبلديات. وقال في تصريح نقله موقع “شتيرن” الألماني أيضًا: “باستخدام بطاقة الدفع، ستصبح المدفوعات النقدية لطالبي اللجوء غير ضرورية إلى حد كبير”، وأضاف: “في الوقت نفسه، نريد أن نسهل على الأشخاص الذين لديهم احتمال في البقاء (بألمانيا) مزاولة عمل منتظم”.
من جانبه قال رئيس المجلس الاستشاري للاندماج والهجرة التابع للحكومة الاتحادية، هانز فورليندر، إن البطاقة تستطيع “تسريع الإجراءات البيرقراطية”.
خطوة “رمزية” بشأن ردع المهاجرين
ومع ذلك، وبحسب توقعات المجلس، فإن إصدار البطاقة الجديدة لن يؤثر على قدوم المهاجرين إلى ألمانيا. وقال فورليندر في تصريح لـ”تاغسشاو”: “نعلم من الأبحاث أن الإعانات الاجتماعية ليست عامل جذب حاسم”، مشيرًا أن لدى طالبي اللجوء أولويات أخرى، وأوضح: “عند اتخاذ قرار بشأن بلد المقصد، المهم هو البيئة المستقرة، والفرص المهنية، والشبكات الشخصية، مثل أفراد الأسرة أو الأصدقاء الذين يمكنهم دعم اللاجئين”.
من جهته وصف عالم الاجتماع ماركوس إنغلر التحول إلى بطاقات الدفع بدل النقد بـ”سياسة رمزية” فيما يتعلق بتأثيرها على قدوم المهاجرين إلى ألمانيا. وقال للقناة الألمانية الأولى: “لا يتوقع العديد من زملائي أن يكون لإصدار هذه البطاقة أي آثار واضحة على تحركات اللاجئين إلى ألمانيا”.
“برنامج تمييزي”
لكن منظمة “برو أزول” المدافعة عن حقوق طالبي اللجوء تعتبر أن إصدار البطاقة “برنامج تمييزي”. وقالت المتحدثة باسم المنظمة، أندريا كوتن، إن إصدار البطاقة إجراء مشكوك فيه بسبب الدافع الرادع، وأوضحت في تصريح لوسائل إعلام ألمانية: “الدافع واضح وهو منع الناس من القدوم إلى ألمانيا”.
وأشارت كوتن إلى قرار المحكمة الدستورية العليا في عام 2012 بأنه لا يمكن جعل “الكرامة الإنسانية” نسبية لأسباب تتعلق بسياسة الهجرة. وقالت إنه وبكل الأحوال، فإن الولايات ملزمة بتصميم البطاقة “بطريقة غير تمييزية” أو التخلي تمامًا عن خططها بإصدارها.
ماذا يقول طالبو اللجوء؟
يقول طالب اللجوء السوري هوشيار إنه يؤيد من حيث المبدأ إصدار بطاقة لطالبي اللجوء ويرى فيها بالفعل “تسهيلًا للعقبات البيرقراطية”، لكنه يقول إن تقييد استخدام البطاقة المتوقع في بعض المناطق واحتمال عدم قبولها في بعض المتاجر سيكون سلبيًا، ويقول لمهاجر نيوز: “يجب أن تعمل البطاقة في كل مكان، وإلا فإنها ستقيد حرية الشراء بالنسبة لنا”.
وتتفق طالبة اللجوء هيلين، القادمة من تركيا والمقيمة في مدينة دارمشتات الألمانية، في أن البطاقة يجب أن تعمل في كل مكان، لكنها تؤكد أنها لا تؤيد النظام الجديد. وتقول لمهاجر نيوز: “يبدو أنهم يريدون أن يحجزوا حريتنا أو يراقبونا بشأن كيفية صرف الأموال”، وتضيف: “كل الناس يحتاجون إلى أموال نقدية في بعض الأحيان، ولذلك يجب على الأقل أن يسمحوا لطالبي اللجوء بسحب مبلغ معين شهريًا من ماكينات الصراف الآلي”
لكن هوشيار، الذي وصل إلى ألمانيا منذ بضعة أشهر ويقيم في مركز إيواء بالقرب من مدينة دورتموند، يقول إنه “يتفهم” الرغبة الألمانية بمنع طالبي اللجوء من تحويل الأموال خارج البلاد، ويتابع: “لكن ما نتلقاه من إعانات بالكاد يكفينا هنا”.
كما يشير هوشيار، الذي وصل وحيدًا دون طفلته وزوجته، إلى “أوضاع الكثير من طالبي اللجوء” الذين يعرفهم، ويوضح: “كثيرون هنا آباء جاؤوا لوحدهم وبقيت عائلاتهم في أوطانهم، ولذلك يجب عليهم أن يؤمنوا مصاريف أطفالهم”، ويتابع: “هؤلاء الأشخاص سيتأثرون بالنظام الجديد، ولكنهم مجبرون على إيجاد طرق أخرى لتحويل الأموال لعائلاتهم”. ويقول هوشيار: “أرى أن تسريع لم الشمل مثلًا قد يفيد في تقليل تحويل الأموال للخارج من قبل طالبي اللجوء هؤلاء”.
وتقول هيلين إنها ترى أن النظام الجديد سيؤثر على من لديه عائلة أكثر من الشباب، وتقول: “ماذا سيفعل من جاء إلى هنا لوحده، وأولاده يتضورون جوعًا في بلده الأصلي؟”.
تجارب سابقة
وقد سبق أن أطلقت بعض البلديات مشاريع تجريبية لإصدار بطاقة دفع لطالبي اللجوء بدلًا من النقد، مثل منطقة غرايتس بولاية تورينغن. وتقول المسؤولة في المنطقة مارتينا شفاينسبورغ إنهم، وبعد نحو شهر من تطبيق نظام بطاقة الدفع بدل النقد، وجدوا أن ذلك يبسط الإجراءات الإدارية، بالإضافة إلى “مستوى عال من القبول بين السكان”. لكنها أقرت بوجود شكاوى من بعض طالبي اللجوء لأن البطاقة صالحة ضمن منطقة غرايتس فقط. وبعد أن كان المشروع التجريبي يشمل 29 طالب لجوء فقط، تقرر أن يتم توسيع نطاق النظام الجديد ليشمل جميع طالبي اللجوء في المنطقة.
لكن مجلس اللاجئين في تورينغن انتقد نظام بطاقة الدفع الجديدة وأشار إلى أن هناك قيودًا كبيرة على طالبي اللجوء، مستشهدًا بأن بعضهم لم يستطيعوا الدفع في متاجر صغيرة أو عند الحلاقين مثلًا.
وتأمل هيلين أن يتم التراجع عن خطط تطبيق البطاقة الجديدة، رغم أنها تستبعد ذلك، لكنها ترجو على الأقل أن يمكن الدفع بها في كل مكان، لكي “لا تزيد البيرقراطية التي نعاني منها أكثر”، على حد تعبيرها.
مهاجر نيوز 2024
محيي الدين حسين
ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW