الكومبس- خاص: وصل الأراضي السويدية طفلاً قارب إتمام عامه السادس. حيث كان من المفترض أن يدخل المدرسة في بلده الأم سورية، لكنَّ الحرب منعت استمرار مسيرة حياته بشكل طبيعي. ليبدأ بعدها صوغَ قصتهِ في دولة وثقافة جديدتين.
اليوم بعدما أتمّ الطالب، محمد الفاتح الرفاعي، المُقيم في مدينة كارلستاد السادسة عشرة من عمره، توّج بلقب “بطل الجاليات” ضمن منافسات الدورة الثامنة من “تحدي القراءة العربي” التي أُقيمت في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تهدف لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي ولدى الجاليات العربية عبر تحفيز أكثر من مليون طالب بالمشاركة بقراءة خمسين مليون كتاب خلال كل عام دراسي وفقاً للموقع الرسمي لهذه المسابقة التي تعد جزءاً من مبادرات مؤسسة “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية”.
“أشعر بالفخر وأنا أحصد ثمار مثابرتي”
تواصلت الكومبس مع الفائز وعائلته، وشاركنا محمد الفاتح الرفاعي، المشاعر التي راودته لحظة تسلّمه جائزة “بطل الجاليات” في تحدي القراءة العربي حيث قال:
“لقد كانت لحظةً مليئة بالترقب والتوتر الشديدين قُبيل إعلان اسم الفائز بلقب بطل الجاليات العربية، وحالَ سماعي لاسمي يتردد من مكبرات الصوت شعرت بسعادة غمرتني وبالفخر وبالاعتزاز.. لقد كانت هذه ثمرةً للصبر والجهود الذَين بذلتُهما خلال هذه الرحلة.. شعرت بأنني قد ارتقيت، وشيئاً ما بداخلي قد تغيّر.”
محمد الفاتح الرفاعي، الذي يحلم بأن يُصبح رائد فضاء، قد أنشأ خطة مهنية لبلوغ هذا الهدف كما وصف للكومبس، حيث أضاف:
“إن خطتي على المدى الواسع هي الاستمرارُ في طريقِ التعلم وتثقيف الذات، وأن أكون مثقفاً متميزاً يترك أثراً إيجابياً في مجتمعه.”
كتاب “كبرى اليقينيات الكونية” لمؤلفه محمد سعيد رمضان البوطي، هو الكتاب المفضل لمحمد الفاتح، حيث يطرح هذا الكتاب بعض القضايا الوجودية التي “توافق العقل والمنطق حول طبيعة الكون” وفقاً لرأيه ، وعند سؤاله عن أكثر قصيدة شعرية قد أثرت به، ذكر أن والده قد أسمَعه منظومة الألبيري أو تائية الألبيري كما يٌقال لها، وهي منظومة شعرية تحثَُ على طلب العلم و التحلي بالأخلاق الفاضلة ولهذا السبب حفظ محمد الفاتح هذه القصيدة قبل ذهابه إلى تحدي القراءة العربي.
محمد الفاتح الرفاعي يتكلم اللغة السويدية بطلاقة، حيث قال في إحدى مقابلاته التلفزيونية عقب تسلّمه الجائرة إنه “يحلم ويفكر باللغة السويدية”، ولكنه أضاف للكومبس: “إن اللغة العربية الفصحى أصعب بكثير من اللغة السويدية لأنها تحتوي على نظام نحو وصرف معقد، ومفرداتها لا حصر لها.” إضافة لذلك فإن الفتى اليافع يتقن اللغة الإنكليزية، ويتعلم اللغة الفرنسية حالياً، كما يعمل كمدرب تنس (كرة المضرب) لليافعين في أوقات فراغه.
واستكمل محمد الفاتح الرفاعي كلامه قائلاً: “إن الشباب في الغربة يجب عليهم التبحُّر والقراءة باللغة العربية، لأنها الرابط بيننا وبين هويتنا، وتشكل توازناً نفسياً للشباب اللاجئين.”
“أتمنى أن يشعر جميع الآباء بهذه المشاعر”
كما تحدثت الكومبس مع والده محمود الرفاعي الذي يعمل كمهندس معلوماتية أو (Systemtekniker) في جامعة كارلستاد، وعند سؤاله عن رحلة زرع حب القراءة باللغة العربية عند ابنه محمد أجاب:
“محمد الفاتح الرفاعي، لم يدرس في مدرسة عربية، ولهذا كانت التحديات أكبر بالنسبة لنا لأن لغة الضاد لا تطرق سمعه باستمرار. بالطبع يدرس ولدي كغيره من الطلاب مادة اللغة العربية كلغة أم في مدرسته، ولكن ليكون الطالب متقناً للغة العربية ومحباً لها يجب أن يفهم قواعد الإعراب والنحو والصرف، ولهذا فإن محمد الفاتح يتابع مع مدرّسة خاصة تعطيه دروساً يومية عبر الإنترنت في اللغة العربية الفصحى.”
كما أضاف الوالد: “نحن من عائلة تعشق تذّوق الشعر، وقراءة الكتب ولهذا أحببت نقل هذا الشغف لأولادي ومن بينهم محمد الفاتح، وبدأت بانتقاء الكتب الصعبة لهم لأحضّهم على سؤالي إذا استعصى عليهم فهم أمر ما، وبهذه الطريقة نخلق جواً عائلياً ثقافياً جميل جداً.”
كما أضاف محمود الرفاعي: “إن تعليم الأطفال أكثر من لغة منذ صغرهم يقوي مداركهم ويجعلهم مؤهَّلين للإبداع، وفي حالة محمد الفاتح فإن اتقانه للغة السويدية بجانب اللغة العربية يقوي مهاراته الأخرى بشكل كبير، وذلك على عكس ما يعتقده البعض أن الطفل قد يتشتت بسبب كثرة اللغات التي يسمعها.”
“رسالتنا هي الحفاظ على هويتنا العربية”
وفي سياق المقابلة مع عائلة الرفاعي، تحدث والد محمد الفاتح عن الجلسة المسائية اليومية التي تعد من أساسيات ثقافتهم العائلية، حيث يتناقش جميع أفراد العائلة مع بعضهم بآخر الأخبار سواءً كانت سياسية أو ثقافية وكل فرد في العائلة يعطي رأيه.
كما أضاف محمود (الوالد): “نتطرّق في هذه الجلسة إلى بعض المواقف التي قد نكون تعرضنا لها خلال اليوم، فعلى سبيل المثال تحدث محمد الفاتح عن بعض المواقف التي قد تعرض بسبب اسمه الذي يدل على أنه من ثقافة عربية، وهذه المواقف بالطبع يعتبرها البعض مواقفاً عنصرية، ويمكن أن يتعرض لها أي شخص بسبب اختلافه عن الطرف المقابل، ولكن ما أريد قوله هنا هو أنه دوري كأب ألا أجعل ابني شخصاً حاقداً على المجتمع الذي يعيش به، وإنما أن أحول هذا الأمر لطاقة إيجابية تحضه إلى الإثبات للآخرين أنه قادر على فعل شيء مميز” ويضيف الوالد: “لا يمكن للآباء أن يفصلوا أولادهم عن المجتمع الذي يعيشون به.. فهم ابناء هذا المجتمع.”
يتحكم الوالد بجميع الأجهزة الإلكترونية في المنزل، وهذا النوع من التحكم ليس بغرض الرقابة وإنما بهدف “حماية أطفالي من المحتوى الرقمي الذي يدمر عقول الأطفال في بعض الأحيان” على حد تعبيره، ويضيف الوالد حول هذا الأمر قائلاً: “محمد الفاتح الآن يختار المحتوى بنفسه ويحدد عدد ساعات تعرضه للشاشات بدقة.”
“الأمر ليس سهلاً وتطلّب جهداً عظيماً”
تحدثت والدة محمد الفاتح الرفاعي للكومبس قائلة: “نصيحتي للأمهات العربيات في الدول الأوروبية هي أن يزرعنَ حب القراءة باللغة العربية الفصحى لدى أبنائهن، وهذا يتطلب الجهد والمتابعة اليومية، ولكن نتائجه تستحق، ولا يكون ذلك إلا بخلق لحظاتِ قراءة مشتركة بيننا، لنشجع الأطفال على طرح الأسئلة وتحفيز خيالهم إضافة لضرورة إشراك الأطفال بالنشاطات التعليمية المبتكرة، وبهذه الطريقة نجعل القراءة باللغة العربية الفصحى نشاطاً مُحبباً.”
منسقة دولة السويد في “مسابقة تحدي القراءة العربي”، خلود الفانوس قالت للكومبس: “أحب أن أنوه أن السويد وللمرة الثانية حازت على لقب البطولة في القراءة المرة الأولى، حيث كان الطالب محمود بلال حماد من مقاطعة كالمر الفائز عام 2019، والآن نحن نشعر بالفخر حقاً، وأحب أن أوجه كلمة لأبناء الجالية العربية في السويد وهي أنَّ لغتنا العربية فخورة بأبنائها الذين مازالوا محافظين على لغتهم وهويتهم وأنا أشجعهم على التقدم بلغتهم العربية مهما واجهتهم من تحديات.”
كما أشارت المنسقة أن أبواب التسجيل في مسابقة تحدي القراءة العربي للموسم التاسع مفتوحة لجميع الراغبين بالمشاركة وذلك للأطفال بين 6-18سنة، ويمكن للأهل إرسال طلبات أبنائهم عبر الإيميل التالي : Khuloode1979@hotmail.com أو عبر مراسلتهم على صفحتهم في فيسبوك.
لحظات مميزة من حفل التكريم:









راما الشعباني