الكومبس – دمشق” يبدو أن لسان حال بعض الإعلاميين والصحفيين السوريين اليوم يقول: “يا فرحة ما تمت”، بعد قرار الحكومة السورية المؤقتة، التي أعلنت قبل يومين حلّ المؤتمر العام لاتحاد الصحفيين السوريين، وتشكيل مكتب مؤقت لإدارة الاتحاد.
ويتضمن القرار، الصادر في 6 فبراير/شباط الجاري، والذي نشرته وكالة الأنباء السورية (سانا) يوم الاثنين 10 فبراير/شباط، تعيين محمود الشحود ،رئيسًا للمكتب المؤقت، بالإضافة إلى ستة أعضاء آخرين، هم: إسماعيل الرج، ومحمود أبو راس، وميلاد فضل، وماجد عبد النور، وعلي الأمين، وبراء عثمان.
وبحسب القرار، الموقع من رئيس مجلس الوزراء محمد البشير، سيمارس المكتب المؤقت جميع صلاحيات المكتب التنفيذي ومجلس الاتحاد.
ومن المفيد الإشارة إلى أن معظم الأعضاء الجدد في المكتب المؤقت عملوا في الشمال السوري قبل سقوط النظام السابق، وذلك في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، حيث كانوا نشطين في وسائل إعلام متعددة.
سفر: النقابات في سوريا تحتاج إلى ثورة من الداخل
استطلعت الكومبس آراء بعض الصحفيين السوريين في الداخل والخارج حول هذا القرار.
فقد علّق الصحفي والمخرج السوري علي سفر، المقيم في فرنسا، قائلًا: “إن قرار حل المؤتمر العام لاتحاد الصحفيين قانوني، وهو يندرج ضمن صلاحيات رئيس مجلس الوزراء بموجب قانون الاتحاد نفسه، ولا يمكن الاعتراض عليه طالما أن رئاسة الاتحاد، أي النقيب والمكتب التنفيذي، لم يبادروا إلى حلّ المؤتمر والدعوة إلى انتخابات جديدة، بناءً على التغيير السياسي الكبير الذي حدث في سوريا”.
وأضاف سفر: “هناك اعتراضات انتقائية على المجلس المؤقت المكلف، لكنني لم أجد في القانون ما يمنع تكليف شخصيات غير منتسبة للاتحاد، طالما أن لديهم مهمة واضحة وفق البند الثالث من القرار، والذي ينص على وجوب تكليف رؤساء فروع، والدعوة إلى انتخابات ضمن إطار قانوني أقصاه ثلاثة أشهر”.
وأشار سفر إلى أن النقابات السورية، بعد سقوط الأسد، تحتاج إلى ثورة داخلها، تبدأ من المنتسبين إليها. ولكن طالما أن الأعضاء غير مهتمين، فمن الواجب على السلطة الجديدة التدخل، لا سيما وأن هذا الاتحاد كان في واجهة المؤسسات التي غطت جرائم النظام.
كنجو: تعيين المكتب المؤقت يثير تساؤلات ومخاوف
أما الكاتب الصحفي السوري فهد كنجو، المختص بالشأن الاقتصادي والمقيم في دمشق، فقد عبّر عن رأي مختلف قليلًا، قائلًا: “لا أعتقد أن هناك صحفيًا واحدًا في سوريا يتأسف لحلّ مجلس إدارة اتحاد الصحفيين، المُعين في عهد حكم حزب البعث البائد. فقد كان الحزب يسيطر على جميع الاتحادات والمنظمات النقابية من خلال كوادره. لكن تعيين مجلس إدارة جديد بأسماء غير معروفة في الوسط الإعلامي السوري، يثير تساؤلات كثيرة، وربما مخاوف من استئثار السلطات الجديدة بهذا الاتحاد وغيره من النقابات، كما كان الحال في عهد الأسد المخلوع”.
وأضاف كنجو: “أتمنى ألا يطول هذا الأمر، وأن يُدعى الصحفيون إلى انتخاب مجلس إدارة جديد دون تدخل السلطة. فالرقابة الشعبية على أجهزة الدولة والمنظمات الاجتماعية المختلفة ضرورية، كما أن الإجراءات يجب أن تصون كرامة الصحفي، وتضمن حقوقه، وتحمي مصالحه المعنوية والمادية”.
وبحسب الموقع الرسمي للاتحاد، يضم اتحاد الصحفيين 1704 صحفيين عاملين، بالإضافة إلى 639 صحفيًا متمرنًا، و666 متقاعدًا.
عبد الغفور: تسمية المكتب المؤقت مهزلة جديدة
من جانبه، اعتبر الإعلامي الدكتور غازي عبد الغفور، الأستاذ السابق في جامعة دمشق، والذي غادر البلاد منذ سنوات، أن ما حصل هو “مهزلة جديدة”.
وقال عبد الغفور: “قرار الحل لا غبار عليه، بل تأخر في حقيقة الأمر، وهو من صلاحيات رئيس المجلس. أما المهزلة، فتبدأ بعد ذلك، لأن للتسميات شروطها واستحقاقاتها وضوابطها القانونية والنقابية، والتي غابت للأسف عن هذا القرار”.
وأضاف: “التسميات الجديدة بحد ذاتها كارثة. وإذا كان هذا هو النهج، فنحن نسير على طريق لا نتمناه لسوريا الجديدة”.

وتابع عبد الغفور قائلًا: “مع احترامي للجميع، لم أسمع بهذه الأسماء في عالم الصحافة من قبل. حتى وإن كان التعيين مؤقتًا، كان يُفترض اختيار شخصيات معروفة في هذا الوسط، ولو بالحد الأدنى. هناك الكثير من الأسماء التي تستحق، بتاريخها المشرف، أن تتولى هذه المهمة. كان يجب على الأقل اختيار شخصية إعلامية مخضرمة غير ملوثة من داخل سوريا لتقود هذه المرحلة”.
وأوضح: “في عهد النظام البائد، كانت هناك انتخابات صورية، ووصاية أمنية، والتعيينات تتم بقرارات أمنية. أما اليوم، فنجد أنفسنا أمام تعيينات مبهمة، وقرصنة جديدة للاتحاد، وكأن لسان الحال يقول: ‘إن لم يعجبكم الأمر، فاذهبوا وبلطوا البحر'”.
وأشار إلى أن “ما يحدث هو استهتار بالصحافة السورية، ومن حقنا رفع الصوت ضد هذه العبثية. المسؤول عن هذا الفوضى هو رئيس الحكومة نفسه، فالنقابات والاتحادات، يا باش مهندس، هي من قوى المجتمع المدني، بل من أهمها، واختيار مكاتبها التنفيذية يجب أن يتم عبر صناديق الاقتراع”.
وأضاف: “اتحاد الصحفيين السوريين عضو في الفيدرالية الدولية للصحفيين في بروكسل، ولا أعلم إن كانت هذه الأسماء المعينة قد سمعت بهذا الجسم المهني من قبل، أو تواصلت معه يومًا ما”.
وختم عبد الغفور تساؤلاته قائلًا: “ما هو التاريخ المهني أو النتاج الصحفي لهذه الأسماء؟ وكيف قبلوا تعيينهم بهذه الطريقة إن كانوا من عالم الصحافة والإعلام فعلًا؟ أم أن الأمر تكليف شرعي مثلًا؟”.
يُشار إلى أن الاتحاد السابق كان يدار من قبل مكتب تنفيذي مؤلف من 11 عضوًا، تُوكل إليهم مهام إدارية مختلفة، منها الشؤون الخارجية، الإدارية، المالية، الاجتماعية، القانونية، المهنية، الثقافية، إضافة إلى أمانة السر.
ويُتهم الاتحاد المنحل من قبل العديد من الصحفيين السوريين المعارضين بأنه كان أداة طيّعة بيد حزب البعث الحاكم في سوريا خلال عهد الأسدين، حيث لعب دورًا في تمرير سياسات النظام على المستويين الاقتصادي والسياسي، كما كان يُستخدم لمراقبة الصحفيين العاملين في القطاع الإعلامي لصالح النظام المستبد.
أنيس مهنا – مراسل الكومبس في دمشق