بعد 12 عاما من إلغائه .. هل تعود ألمانيا إلى التجنيد الإلزامي؟

: 6/7/23, 4:13 PM
Updated: 6/7/23, 4:13 PM
بعد 12 عاما من إلغائه .. هل تعود ألمانيا إلى التجنيد الإلزامي؟
بعد 12 عاما من إلغائه .. هل تعود ألمانيا إلى التجنيد الإلزامي؟

اقترحت مفوضة شؤون الجيش الألمانية إيفا هوغل عودة إجراء فحص اللياقة الطبية والنفسية للالتحاق بالخدمة العسكرية، وبذلك أعادت إلى دائرة النقاش مرة أخرى موضوع التجنيد الإلزامي، الذي تم إلغائه منذ عام 2011. فهل هذا مجرد جدال وهمي؟

بعد عام كامل تقريبًا من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، وفي زمن (عودة) الحروب في أوروبا حيث أعادت دول مثل لاتفيا فرض التجنيد الإجباري، قال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس: “كان من الخطأً إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية”.

إنها عبارة لو قيلت قبل سنوات لكان السياسي الألماني باتريك سينسبورغ قد وافق عليها على الفور.

وبعد تصريح بيستوريوس، أثير جدل واسع في ألمانيا حول المادة 12a من الدستور الألماني التي تنص على أنه: ” يمكن أن يتم إلزام الرجال بالخدمة في القوات المسلحة أو في حرس الحدود الاتحادي أو في إحدى جمعيات الحماية المدنية بدءًا من سن 18 عامًا”.

باتريك سينسبورغ هو رئيس رابطة “الجنود الاحتياط” في الجيش الألماني. وترتبط به قصة خاصة جدًا بموضوع إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية، حيث كان العضو الوحيد بالكتلة البرلمانية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) الذي صوت في 24 مارس/ آذار 2011 ضد تغيير القانون.

حتى أنه برر ذلك كتابيًا بمخاوف تتعلق بالسياسة الأمنية، ومن الممكن قراءة مبرراته حتى اليوم في محاضر الجلسات. وبذلك لم يقف باتريك سينسبيرغ معارضا لأصدقاء حزبه فحسب، بل عارض أيضًا المزاج السائد في ألمانيا في ذلك الوقت: إذ كانت ألمانيا ترى نفسها، في أوروبا حيث سيسود السلام إلى الأبد، محاطة بالأصدقاء فقط.

ويقول سينسبيرغ عن إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية: “قلت إنني لا أستطيع تحمل مسئولية احتمال عدم قدرتنا عن التراجع عن هذا بسهولة خلال العقود القادمة”.

بعد اثني عشر عامًا، لم يعد العقيد ورئيس رابطة جنود الاحتياط هو الوحيد الذي “يؤذن في مالطا”، كما يقول المثل، ويحذر سينسبيرغ: “لا يكفي أن نتمكن من الدفاع عن ولاية اتحادية واحدة أو ولايتين فقط، لأن الجيش الألماني صغير جدًا وغير مجهز. بالطبع، يكلف الجيش ذو التجنيد الإلزامي الكثير من الأموال وكذلك فإن الدفاع عن الوطن يكلف أموالا. هذا قرار سياسي علينا أن نتخذه مسبقا: هل نريد فعلا أن نكون قادرين على الدفاع عن بلدنا؟ نعم أم لا؟”

من جيش يفرض التجنيد الإلزامي إلى جيش للمتطوعين

في غضون عقدين من الزمن، تقلص الجيش الألماني من أكثر من 317 ألف جندي وجندية إلى ما يزيد قليلاً عن 183 ألف جندي وجندية. ومع ذلك، فإن سينسبورغ مقتنع بأن هذا العدد، إلى جانب ما يقرب من 100 ألف جندي احتياطي، غير كاف في حالات الطوارئ. وفي الوقت نفسه، فإن الخدمة العسكرية التطوعية ليست كافية على الإطلاق لاستقطاب الشباب المطلوبين بشدة للانضمام إلى الجيش الألماني.

يقول رئيس رابطة “جنود الاحتياط”: “لا نحتاج فقط إلى المتفوقين في التخصصات، ولا نحتاج فقط إلى قوات الكوماندوز (KSK) كقوات خاصة، بل نحتاج أيضًا إلى عدد معين من الجنود لنتمكن من الدفاع عن البلاد”. بالطبع، لا تريد ألمانيا أن تكون دولة عسكرية، حسبما يقول، لكنها: “تحتاج إلى قوات متمرسة ومدربة تدريباً جيداً، وأن يكون لديها أيضًا الكثير من جنود الاحتياط. ولن أحصل عليهم إلا إذا كان لدينا تجنيد إلزامي.”

وزارة الدفاع الاتحادية: “مهام أخرى”

وأعرب وزير الدفاع الاتحادي في فبراير/ شباط الماضي عن رأيه بأن التجنيد الإلزامي لن يفيد ألمانيا على الإطلاق في العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة. ولكن يجب على ألمانيا مناقشة هذه القضية بصراحة بغض النظر عن حالة التهديد وأن الجيش البرلماني (الذي يأتمر بأمر البرلمان) يجب أن ينتمي لوسط المجتمع، وفقًا لبيستوريوس. وأجابت متحدثة باسم وزارة الدفاع الاتحادية عندما سألتها DW عن الأمر: “لا توجد من جانب الوزارة أي نوايا بشأن إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية. الجيش الألماني اليوم مختلف تمامًا عما كان عليه قبل عشر سنوات أو حتى أبعد من ذلك. لدينا مهام مختلفة تتطلب موظفين مدربين جيدًا ومتخصصين لأدائها. لدينا هياكل مختلفة وقدرات أخرى وواقع عملياتي مختلف. ولقد فتحنا أيضًا (باب الانضمام لـ) قواتنا المسلحة أمام النساء منذ 20 عامًا “.

عمومًا، ووفقًا لوزارة الدفاع الألمانية فإنه: “في حالة التوتر أو الدفاع عن النفس، يُخطَط لزيادة عدد جنود الاحتياط حتى 60 ألف جندي احتياطي إضافي. وبالتالي، فإن الجيش الألماني، مع التزاماته البرلمانية الحالية، قادر على تنفيذ مهامه في الدفاع عن البلاد والحلف بالتعاون مع قوات شركائنا في حلف شمال الأطلسي (الناتو).”

هل يمكن أن يشجع فحص اللياقة للخدمة العسكرية المزيد من الأشخاص على الانضمام للجيش الألماني؟

بالنسبة لزعيم الحزب الديمقراطي الحر “الحزب الليبرالي” (FDP) كريستيان ليندنر، فإن هذا النقاش هو “نقاش وهمي”. لذلك، قدمت مفوضة الجيش إيفا هوغل فكرة جديدة: تقترح عودة إجراء فحص اللياقة للخدمة العسكرية لكسب المزيد من الشباب للانضمام إلى الجيش الألماني.

وبناء على ذلك يمكن مستقبلا أن يتم دعوة جميع الشباب من مواليد نفس العام، بغض النظر عن جنسهم لإجراء اختبار اللياقة للخدمة العسكرية. “يمكننا، كما هو الحال في السويد، دعوة الشباب من مواليد نفس العام للانضمام إلى الجيش الألماني. ثم يُترك لهم أن يقرروا بأنفسهم ما إذا كانوا يرغبون في التطوع أم لا، إذا ثبت أنهم لائقين للخدمة العسكرية”.

ونظرًا لوجود نقص في المدربين والبنية التحتية في ألمانيا، لا تستطيع هوغل تصور الرجوع عن إلغاء الخدمة العسكرية الإجبارية في ألمانيا. نفس الشيء قاله فولفغانغ هلميش في حديثه لـ DW: “هذا النقاش حول التجنيد الإجباري يظهر مرارًا وتكرارًا، لكن ليس له علاقة كبيرة بالواقع الحالي. فما الغرض من التجنيد الإجباري؟ هذا يعني مليارات من التكاليف لإنشاء أو إعادة بناء هياكل تمت إزالتها بالكامل ونحن لسنا في طريقنا للوصول إلى جيش يفرض الخدمة العسكرية، بل إلى جيش محترف”.

هلميش كان رئيسًا للجنة الدفاع في البرلمان الألماني (البوندستاغ) حتى قبل عامين وهو لا يزال عضوًا فيها، بالإضافة إلى أنه المتحدث باسم مجموعة العمل المعنية بالسياسة الأمنية والدفاعية للكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) في البوندستاغ. ويشترك مع سينسبورغ وبيستوريوس في اعتبارهم أن القرار الذي اتخذ في عام 2011 كان خطأً كبيرًا، وأن الفكرة كانت “هجومًا متعجلا وغير منظم”.

“لم يكن هناك أي مفهوم من وزير الدفاع الأسبق كارل تيودور تسو غوتنبرغ، ولم تكن هناك أية أفكار حول أسئلة من نوعية: كيف سنجذب المجندين للانضمام للجيش الألماني في المستقبل؟ وكيف نتعامل مع مسألة الخدمة المدنية؟ إلغاء كل هذه الوظائف أحدث مشاكل كبيرة للعديد من المنظمات الخيرية. لم يكن هناك أي شيء على الإطلاق”.

بعد اثني عشر عاما، لا يوجد أي سبب يدعم إلى إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية، وفقًا للنقاد: لا توجد مكاتب تجنيد عسكرية لإجراء فحوصات اللياقة البدنية والنفسية للخدمة العسكرية، ولا تجهيزات عسكرية لتدريب المجندين في نفس الوقت، ولا حتى مدربين للقيام بذلك. كذلك لا توجد خطة لما يجب أن تكون عليه العدالة في الخدمة العسكرية بين 700 ألف شاب وفتاة ممن يبلغون 18 عامًا كل عام، وسيكونون ملزمين بأداء الخدمة العسكرية، ولكن ليس بالإمكان إلا استدعاء جزء صغير فقط منهم. وقبل كل هذا لا توجد مخصصات مالية تصل إلى عشرات المليارات من اليوروهات لإعادة تشغيل جهاز الخدمة العسكرية لإلزامية.

يجب جعل الخدمة التطوعية أكثر جذبا

وبدلاً من إضاعة الوقت الثمين في إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية، يجب أن تركز ألمانيا على تجنيد المحترفين، حسبما يقول هلميش: “ليس لدينا مشكلة في تجنيد الضباط والضباط المرشحين (خريجي الكليات الحربية)، ولكن لدينا مشكلة في الخدمات الفنية، حيثما يتعلق الأمر بتأمين الإمدادات اللوجستية للوحدة والمجال السيبراني”.

ولا يزال الجيش الألماني في عام 2023 يواجه مشكلة كبيرة في تجنيد النساء: فهناك مجندة واحدة فقط مقابل كل سبعة جنود ذكور. هلميش هو أيضًا أمين صندوق الجمعية البرلمانية لحلف الناتو، وخلال زيارته إلى النرويج، تحدث إلى القوات الخاصة لسرية تتكون فقط من النساء – ولا يزال هذا في ألمانيا أمرا غير وارد على الإطلاق، حسبما يقول.

ملخص ما قاله السياسي الدفاعي: “يجب أن نعمل بجدية أكبر على مسألة جذب الكوادر البشرية. كيف نجذب الشباب للانضمام إلى الخدمة في الجيش الألماني؟ يجب أن نجعل الخدمة التطوعية أكثر جاذبية لكسب أشخاص يبقون بعد ذلك في الجيش الألماني، لكن الخدمة العسكرية الإلزامية لن تساعد قيد أنملة في هذا الأمر بتاتًا.”

أوليفر بيبر/ ص.ش

ملحوظة: تم نشر هذا المقال في 3 فبراير/ شباط وتم تحديثه في 2 يونيو/حزيران.

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.