العيسى: كل مسلم يعيش في بلد ما يحترم دستوره وقوانينه وثقافته
الكومبس – أوروبية: اختُتمت، في العاصمة البريطانية لندن أمس الأحد، أعمال المؤتمر الأول للقادة المسلمين الأوروبيين والبريطانيين، المنبثق عن وثيقة مكة للعام 2019. ونظمت المؤتمر رابطة العالم الإسلامي، تحت شعار من أجل المجتمع والتضامن ومستقبل إنساني مشترك، ومن أجل سبل دعم الحوار بين الأديان بما يرسخ الوحدة الإسلامية وقيم التعايش والسلام في العالم. وحضره عدد من العلماء وقادة المؤسسات الدينية العاملة في بريطانيا وعدد من الدول الأوروبية من المسلمين وغيرهم، إضافة إلى عدد من البرلمانيين البريطانيين، والشخصيات العامة.
وفي كلمته الختامية أكد أمين عام رابطة العالم الإسلامي د. محمد بن عبد الكريم العيسى أن المؤتمر “استثنائي” لأنه جمع كافة المذاهب الإسلامية في أوروبا، دون استثناء، من أجل توحيد الكلمة في القضايا الكبرى التي لا يمكن أن تتعدد فيها الآراء. وأضاف “هو مؤتمر جامع وحاضن، يهتدي بالتنوع الإسلامي ويسعى بترشيده بحكمة الإسلام، ليكون هذا التنوع أكثر سلامة وأكثر عطاءً وإبداعاً وتعاوناً وأكثر خدمة للإسلام وللمسلمين، بل أكثر خدمة للإنسانية جمعاء. لأن دين الإسلام دين الرحمة والعطاء والإحسان بكل ما تحمله هذه القيم من معاني، والجميع مسؤول أمام هذه القيم التي لا تختلف معاييرها”.
وشدد د. العيسى على ضرورة التفريق بين الاجتهادات والخلاف على القضايا الكبرى التي يجب أن يكون متفقاً عليها، موضحاً أن “الخلاف في القضايا الكبرى يؤدي إلى الافتراق، فيما يجب أن تكون الاجتهادات موجودة في ساحة إسلامية رحبة، كي تزيد المواضيع غنى وثراء”.
وحذر من نشر الفكر المتطرف خصوصاً في صفوف الشباب المسلم، “لأن الأفكار المغلوطة والفوضى الهمجية تؤدي لتفسيرات خاطئة تدفع المتهورين لارتكاب أعمال مسيئة للإسلام والمسلمين، خصوصاً أن سمعة الإسلام في أماكن الفوضى على المحك”.
وأضاف أن “الإسلام أسمى وأعظم من اختزال رسالته السامية في أهداف سياسية ومطامع مادية ضيقة وكل ما ينتج عن ذلك من نتائج كارثية على المسلمين”، مؤكداً أن الإسلام أمة تدعو لمحبة الجميع، مسلمين وغير مسلمين، وأمة تحترم عهودها ومواثيقها، وكل مسلم يعيش في بلد ما فهو يحترم دستوره وقوانينه وثقافته ويحترم واجب التعايش الأمثل مع أبناء وطنه مهما اختلف معهم بالدين والفكر والثقافة، “لأن الهوية الدينية لا تتعارض أبداً مع الهوية الوطنية، فجميع دساتير الدول المتحضرة لا تتدخل في الخصوصية الدينية بل تؤمّن ممارساتها ولا تمس المعتقد الديني”.
وتطرق د. العيسى للحديث عن وثيقة مكة كأهم وثيقة إسلامية بعد وثيقة المدينة المنورة، وشمولية تناولها لما فيه خير للبشرية، مشيراً إلى أن رابطة العالم الإسلامي، كمظلة دولية تجمع علماء من المسلمين عندما تنظم مثل هذه الفعاليات أو تقيم المبادرات الإنسانية، فهي لا تتدخل في الشؤون الدينية لأي بلد، وهذا مبدأ راسخ في رابطة العالم الإسلامي.
ويأتي المؤتمر الأوروبي بعد مؤتمر مماثل في الولايات المتحدة، ضمن مساعي رابطة العالم الإسلامي لترجمة وثيقة مكة التي أعلنت في 30 مايو 2019، على هامش المؤتمر الدولي حول قيم الوسطية والاعتدال الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في المملكة العربية السعودية.
وتنص الوثيقة ضمن ما تنص عليه، على مكافحة الإرهاب والظلم والقهر، ورفض انتهاك حقوق وكرامة الإنسان، وتأصيل قيم التعايش بين الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب المختلفة في العالم الإسلامي.
وأقرّ الوثيقة 1200 شخصية إسلامية من 139 دولة من مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية.
وثيقة مكة تعزز التعايش
من جهته، أكد مسؤول رابطة العالم الإسلامي في بريطانيا وأمريكا معاذ العمري أن المؤتمر يعقد في ظل تزايد موجة الكراهية الدينية، فضلاً عن باقي التحديات التي فرضتها الكوارث، وقال “مهمتنا في رابطة العالم الإسلامي أن نحمي وننشر الرسالة الحقيقية للإسلام، ومسؤوليتنا الإسهام في عالم أفضل”.
وتحدثت في المؤتمر عضوة البرلمان البريطاني عن منطقة غرب براتفورد، ناز شاه المحافظ، عن وثيقة مكة المكرمة وما تضمنته من معان دينية داعمة للتعايش والتآلف بين بني البشر على مختلف دياناتهم، وما دعت إليه من العمل بجدية من أجل مواجهة كل مظاهر الكراهية والتطرف.
وأشارت إلى أن الترجمة الحقيقية لوثيقة مكة، هي “العمل وتوعية الأجيال المسلمة الجديدة والاستثمار في التعليم والثقافة بما يصنع أجيالاً فاعلة وقادرة على الإسهام في ترسيخ قيم التعايش بين الناس”.
كما تحدث رحمان كريستي عضو البرلمان ومبعوث رئيس الوزراء البريطاني لحرية الأديان، عن رسالة الرحمة والعدالة والعطف التي جاءت الأديان لترسيخها.
واستعرض مدير جامع باريس الكبير شمس الدين حافظ وضع المسلمين في فرنسا، مشدداً على ضرورة العمل من أجل توحيد كلمتهم وفق منهج وسطي يقوم على إدراك التحديات التي تواجههم.
وأكد أن الأخوة البشرية هي المستقبل، وقال “نريد أن نقدم القيم الحقيقية للإسلام في الغرب ونفصلها عن التطرف. لهذا السبب فإن تبني وثيقة مكة يعطينا فرصة لنشر القيم الحقيقية للإسلام”.
أول استضافة لشخصية إسلامية
وشهد المؤتمر ندوة حوارية شارك فيها علماء مسلمون من إيطاليا وفرنسا ويهود وهندوس حول سبل ترسيخ قيم الحوار والتفاهم بين الأديان من أجل مواجهة التحديات.
وكان الملك تشارلز الثالث استقبل أمين عام رابطة العالم الإسلامي في أول استضافة رسمية لشخصية إسلامية في قصر باكنغهام الملكي في العاصمة البريطانية لندن بعد اعتلائه العرش البريطاني.
واستعرض اللقاء واجب القيادات الدينية والفكرية نحو عدد من القضايا المتعلقة بالقيم والمبادئ الإنسانية المشتركة، خصوصاً القضايا ذات الصلة بتعزيز الصداقة والتعاون بين الشعوب عبر تواصلها الحضاري، اعتماداً على مشتركاتها الدينية والثقافية، وحواراتها الفاعلة والثرية.
وألقى د.العيسى محاضرة في أكاديمية وزارة الدفاع بالمملكة المتحدة، تمحورت حول أهم أساليب المواجهة الفكرية لجذور الأيديولوجية المتطرفة.
وأقام البرلمان البريطاني في قصر وستمنستر بالعاصمة لندن، حفلَ عشاء للأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، بضيافة رئيس لجنة البيئة بالبرلمان ستيفن تيمز. وخلال اللقاء ناقش أعضاء البرلمان مبادرة “أديان من أجل كوكبنا” لزيادة الوعي بحماية المناخ.

