الكومبس – تحقيقات: خلدون العلي، قادم جديد
الى السويد، وفنان من أصل فلسطيني، في الـ 46 من عمره، حاصل على شهادتين جامعيتين
في إدارة الأعمال وهندسة الديكور، متزوج وأب لثلاثة أطفال، رغم أنه لم يحصل على
الإقامة حتى الآن، إلا أن نشاطه الفني، جعله محط أنظار المجتمع السويدي، خصوصا بعد
المشروع الذي يعمل عليه حالياً، في تجسيد قصص اللاجئين والمهاجرين، على شكل لوحات
رمزية تحملها شجرة ميلاد كبيرة جدا.

فكرة المشروع تقوم على أساس إعداد شجرة ميلاد أفقية كبيرة، تبلغ أبعادها 250 متراً طولاً و150 متراً عرضاً، مغطاة بكاملها بالأضواء والزينة ومثبتة بسياج حديدي عُلِقت عليه لوحات ورسوم قماشية بطول 800 متر، تُصوِّر رحلة اللاجئ مع إسقاطاتها الرمزية على ولادة الإنسان، رسمتها أيادي فنانين سويديين ومهاجرين.

تجسيد معاناة المهاجرين بصريّاً

عن تفاصيل فكرة مشروعه الكبير، يتحدث خلدون
العلي لـ الكومبس، قائلاً: ” لغتي السويدية ضعيفة جداً، ما جعلني أعجز
مراراً عن توضيح ماهية المصاعب التي واجهتنا لدى سؤال السويديين عن أحداث هجرة
عائلتي إلى بلادهم. الأمر الذي شغل بالي بالتفكير طويلاً لإيجاد طريقة عملية تتيح
للسويديين معايشة معاناة هجرتنا بشكل بصري فني، يخاطب الوجدان لا الآذان، يغنيني
عن الحاجة للشرح بالكلمات.

هكذا مضى بي الحال حتى آن موعد ولادة آخر
أبنائي الثلاثة، لأعايش يومها ذات المشاعر التي راودتني أثناء هجرتنا بحذافيرها:
القلق مما نحن مُقّدمون عليه ومدى صحة قرارنا من عدمه.. الخوف من الفشل وتبعاته.. العجز
عن التراجع أو معرفة التصرف المناسب حيال ما يجري، ثم يأتي الفرج في النهاية
مفعماً بالسعادة والخلاص والأمل.

من هنا جالت برأسي فكرة استغلال رمزية
انتقال الجنين من دورة الحياة داخل رحم أمه إلى العالم الخارجي، لإسقاطها على من
يتركون أرحام أوطانهم الأم مهاجرين إلى أحضان دول ومجتمعات جديدة، سيما أن تجربة
الولادة يسهل فهمها وعايشها شخصياً جميع البشر، سواء كانوا سويديين أو قادمون جدد. فشرعت من فوري أضع التصورات والرسوم الأولية لها.

بعد سعي حثيث مني لعرض الفكرة على عدة منظمات إنسانية سويدية تكللت جهودي بالنجاح، إذ استطعت إقناعها بدعم المشروع ومشاركتي تنفيذه على أرض الواقع.

قطار لوسيّا

في يوليو 2019، بدأنا عملياً تطبيق المشروع
فوق قطعة أرض خصصتها لنا إحدى الشركات كمساهمة منها، كما شاركَنا العمل عديد الأشخاص السويديين والوافدين، الذين قدِموا إلينا تطوعاً
من مدن ومحافظات سويدية مختلفة، لا يدفعهم إلا حماسهم للفكرة واقتناعهم بأهمية مضمون
رسالتها.

إلى جانب شجرة
الميلاد، سننظم أنشطة داخلية أخرى، أهمها “قطار لوسيا”، الذي ستعلق عليه
الفوانيس المضيئة، ليجوب كل أرجاء المدينة أثناء ليلة الاحتفال بذكرى القديسة
لوسيا.

لقد بلغ إجمالي عدد المتطوعين الذين شاركوا
تنفيذ المشروع بأكمله حتى اللحظة حوالي 1500 شخص سويدي ووافد.

الحقيقة إن بعض تلك
اللوحات قاسية جداً، تم استلهام أغلب مواضيعها بعد الاستماع إلى مشاعر وقصص هجرة
مئات الوافدين الجدد، حتى أن كثيراً من الناس بكوا لدى رؤيتها، ما جعلني أوقن أن
فكرتي تسير على الوجه الأكمل وتصيب أهدافها كما خططت لها بالتحديد. إن قصص هجرة
الوافدين تلك مثل حالات الولادة تماماً، لا يمكن معرفة أو توقع نتائجها، قد تتمخض
عن نهايات سعيدة، أو حزينة، كما قد تكون هذه النهايات طبيعية، أو ناقصة، أو
مشوهة.. لذا اخترنا أن نطلق على المشروع اسم “ولادة جديدة”.

آثر خلدون الفرار بعائلته، ينشد النجاة من مآسي الحرب في سوريا منذ سنة 2011، فكانت السويد مقصدهم الأول، باحثين فيها عن بداية جديدة لهم، أو كما يفضل خلدون أن يسميها دائماً “ولادة جديدة”. سنة 2016، تحقق مراد آل العلي بوصولهم إلى وجهتهم، نازلين مدينة ريستادچورد في محافظة فينشبوري.

“قرار الرفض لم يحبطه”

منذ الأيام الأولى، رفض خلدون فكرة
الاستكانة داخل منزله شهوراً طويلة بانتظار قرار مصلحة الهجرة في حق طلب لجوئه، عازماً
استئناف نجاحه المهني الذي بدأه في سوريا، عبر إبراز مكانته ومساهمته في مجتمعه
الجديد أيضاً، مستعيناً بموهبته لإنشاء مشروع فني سيلفت بواسطته أنظار جميع
السويديين والوافدين الجدد إليه ردحاً من الزمن.

وسيجري افتتاح شجرة
الميلاد والأنشطة المصاحبة لها عند تمام الساعة الثالثة عصراً، وسط ملعب كرة القدم
بمدينة ريستادچورد، في الثالث عشر من ديسمبر الحالي وسيستمر حتى الخامس عشر من
يناير 2020″.

وختم خلدون: “رغم أن مصلحة الهجرة السويدية أصدرت في حق طلب لجوئي قرارين بالرفض حتى الآن، إلا أني إنسان نشيط، مفعم بالطاقة والحيوية، أحب ترك بصمات تخبر الناس بوجودي وموهبتي حيثما ذهبت، لذا أجتهد دائماً بالعمل للمساهمة في بناء مجتمعي الجديد وإن رفضني بداية الأمر، حتى أنتزع حقي في الإقامة هنا، مؤكداً إني لن أكون عبئاً أو عالة في يوم من الأيام على اقتصاد الدولة السويدية”.