كارثتا المغرب وليبيا في عيون الإعلام الأوروبي

: 9/15/23, 4:10 PM
Updated: 9/15/23, 5:24 PM
صورة من مشاهد الدمار في مدينة درنة الليبية (13 سبتمبر 2023)
صورة من مشاهد الدمار في مدينة درنة الليبية (13 سبتمبر 2023)

الكومبس – دولية: كارثتان طبيعيتان ضربتا بشكل متزامن تقريباً كلاً من المغرب وليبيا. زلزال ضرب إقليم الحوز ضواحي مراكش، ثم سيول دانيال وفيضاناتها الجارفة التي أغرقت بشكل خاص مدينة درنة. فكيف واكبت الصحافة الأوروبية والدولية هاتين الكارثتين؟

وفق آخر حصيلة رسمية غير نهائية، بلغ عدد ضحايا الزلزال الذي ضرب المغرب 2946 قتيلاً و5674 جريحاً، إضافة إلى انهيار 50 ألف منزل كلياً أو جزئياً في خمسة أقاليم بالمملكة معظمها جبلية.

وفي ليبيا ضربت عاصفة دانيال بكل قواها، فقد انهار سدان بالقرب من مدينة درنة الليبية الواقعة على ساحل البحر المتوسط والبالغ عدد سكانها نحو 100 ألف نسمة ما تسبب في جرف أحياء بأكملها إلى البحر. وأفادت بيانات الإدارة في شرق ليبيا بأن الكارثة أودت بحياة أكثر من 5000 شخص، ويصعب تحديد العدد الدقيق للضحايا بشكل مستقل. وكان عمدة مدينة درنة صرح بأنه يتخوف من وصول عدد القتلى في مدينته وحدها إلى 20 ألف شخص.

وواكبت الصحافة الألمانية والأوروبية تداعيات الواقعتين باهتمام كبير، صحيفة “فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ” الألمانية (12 سبتمبر) كتبت معلقة “إن الكوارث الطبيعية في ليبيا والمغرب تذكر الأوروبيين مرة أخرى بمدى هشاشة الوضع في جوارهم المباشر. وليس من الممكن حتى الآن التنبؤ بالاتجاه الذي ستأخذه الأحداث في كلا البلدين”.

واستطردت الصحيفة معتبرة أنه إذا كان المغرب يبدو مستقراً، رغم الجدل الذي واكب الساعات الأولى للزلزال وموافقة الرباط على مساعدات أربع دول فقط من أصل ستين (..)، فإن الوضع في ليبيا يبدو بشكل مختلف. ففي أفضل الأحوال، تقول الصحيفة، “يمكن للمساعدات الدولية أن تفتح قنوات جديدة للحوار في ليبيا وتحريك ديناميكية من شأنها كسر الجمود في شرق البلاد، الذي تهيمن عليه الميليشيات. وفي السيناريو الأسوأ، وربما الأكثر ترجيحاً، فإن هذا المأزق سوف يؤدي إلى عدم حصول الناس على أي مساعدات طارئة تقريباً، مما يؤدي إلى إغراقهم بشكل أعمق في البؤس”.

أشكال التضامن مع المغرب وليبيا

اتخذ التضامن الألماني على المستويين الرسمي والشعبي مع المغرب وليبيا أشكالاً مختلفة. ومثلت مدينة فرانكفورت نموذجاً لهذا التضامن، حيث عبرت المدينة عن تعازيها لضحايا الكارثتين. وجاء في الموقع الرسمي للمدينة “لقد تلقينا بفزع شديد خبر الكوارث في المغرب وليبيا”. وقال عمدة المدينة مايك جوزيف “أفكاري مع عائلات وأقارب الضحايا ومع كل من تأثر بهذا الأمر”. كما دعا السكان إلى دعم منظمات الإغاثة في البلدين بالتبرعات. “كل يورو يساعد. وأضاف جوزيف “لذلك أطلب منكم ألا تتركوا شعبي ليبيا والمغرب وشأنهما”.

وأضاف “يعيش في فرانكفورت سكان ينتمون لـ178 دولة جنسية. ولهذا السبب فإن كل كارثة تضربنا في القلب مباشرة، لأنها تؤثر دائمًا على عائلة وأصدقاء السكان. أعزائي سكان فرانكفورت، لسوء الحظ علينا أن نناشد تضامنكم وتعاطفكم مرة أخرى. بعد الزلزال المروع الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير الماضي، يعاني الناس في المغرب وليبيا الآن من عواقب الكوارث الطبيعية. في كلا البلدين، يُترك الكثير من الناس بلا شيء. الرجاء المساعدة في تخفيف حاجتهم الكبيرة والتبرع بالمال، كل يورو له قيمة”. وقال رئيس مجلس المدينة هيليم أرسلانر “أعلم أنه يمكنني الاعتماد على سكان فرانكفورت”.

وقالت رئيسة البلدية نرجس إسكندري-غرونبرغ “إن الكوارث الطبيعية في المغرب وليبيا تجعل المرء عاجزاً عن الكلام. لقد كلفت آلاف الأرواح. لقد فقد الكثيرون كل شيء في غضون ساعات: منازلهم، ووظائفهم، وأحبائهم. في فرانكفورت، لدى العديد من الأشخاص لهم أصدقاء وعائلات في ليبيا والمغرب. أفكارنا معهم خلال هذا الوقت العصيب”. وأضافت “الكوارث الطبيعية تصبح كوارث اجتماعية عندما يغض العالم النظر. يحتاج الناجون إلى الرعاية، ويحتاجون إلى الدعم لإعادة بناء منازلهم. ويمكن لمجتمعنا أن يساعد في احتواء الآثار المدمرة لتداعيات الكارثتين”.

تواجد ألماني غير حكومي في موقع لزلزال

رغم أن الرباط لم توافق رسمياً بعد على مساعدة ألمانيا، غير أن منظمة “كاريتاس” الدولية، أكدت أن “منظمات شريكة لنا موجودة بالفعل في الموقع لتقييم محنة المتضررين وتقديم أسرع مساعدة ممكنة. وتجري الآن عمليات التسليم الأولى لمولدات الطاقة والخيام ومعدات الطقس البارد والأدوية. يبقى الموظفون في المغرب في الموقع من أجل الاحتفاظ بنظرة عامة على الوضع ومساعدة الأشخاص المتضررين بطريقة غير معقدة”. كما وصل فريق من منظمة “مالتيزر إنترناشيونال” الألماني لموقع الزلزال. وقال أوليفر هوشيديز، رئيس قسم مساعدات الطوارئ في المنظمة “إن مستوى الدمار الذي رأيته اليوم، لا سيما في قرى جبال الأطلس، شديد. وفي بعض القرى لم يسلم منزل واحد. والناس هنا الآن في حاجة ماسة إلى الغذاء ومياه الشرب وكذلك الخيام والمساعدات”.

غير أنه وتزامناً مع ذلك، أعلن الصليب الأحمر الألماني (14 سبتمبر) أنه اضطر إلى إلغاء خطة لإيصال مساعداته إلى المغرب. وقالت المنظمة “لأسباب خارجة عن إرادتنا… فإن قواعد ولوائح جديدة تم الإعلان عنها في فترة قصيرة جعلت من المستحيل إقلاع الطائرة اليوم”. ولم يسمح المغرب بدخول مساعدات إغاثة أولية إلا من إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات العربية المتحدة، ورفض حتى الآن عروضاً من دول أخرى بما فيها ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وبعض دول الشرق الأوسط. صحيفة “باديشة تسايتونغ” الألمانية” كتبت تحت عنوان بارز (11 سبتمبر) “من المشروع تماماً أن يرفض المغرب المساعدات المقدمة”. واعتبرت الصحيفة أن هناك من الأسباب والدواعي الموضوعية التي تجعل الموقف المغربي قابلاً للتفهم.

مساعدات ألمانية وازنة لليبيا ولكن!

بعدما طالبت ليبيا الاتحاد الأوروبي بإرسال مساعدات عاجلة بعد كارثة السيول، سارعت ألمانيا إلى إرسال طائرتي نقل تابعتين لسلاح الجو كأول دفعة من مساعدات عينية مخصصة للمناطق المنكوبة. وقال يوهان زاتهوف ممثل وزارة الداخلية في البرلمان إن المساعدات عبارة عن نحو 100 خيمة و1000 سرير وفُرُش وأكياس نوم ومولدات كهرباء للطوارئ، وذكر أن قيمة المساعدات تقدر بنحو 500 ألف يورو. من جهتها، أعلنت الوكالة الألمانية للإغاثة الفنية أن من الممكن لهذه المواد أن تقدم مساعدة مباشرة لـ 1000 شخص هناك.

من جهة أخرى، تعالت الأصوات في ليبيا للمطالبة بالتحقيق في المسؤولية عن الكارثة التي ضربت البلاد وتسببت في مقتل الآلاف الذين كان من الممكن أن يبقوا على قيد الحياة. ودعت الحكومة الليبية (14 سبتمبر) للتحقيق حول ما إذا كان هناك تقصير. وبهذا الصدد أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أنه كان بالإمكان تجنب الخسائر البشرية الفادحة لو كانت البلاد تملك هيئة أرصاد جوية قادرة على إصدار التحذيرات للمواطنين كما هو الحال في الدول التي تتوفر على مؤسسات وهيئات تعمل بشكل عادي. ولفت مراقبون إلى تحذيرات تضمنها بحث أكاديمي نشر العام الماضي من قبل خبير في علوم المياه أوضحت مدى هشاشة بنيات مدينة درنة في مواجهة الفيضانات والحاجة الملحة لصيانة السدود. وتعالت الأصوات لمحاسبة المسؤولين عن التقاعس الذي أدى لانهيار السد.

موقع “تاغسشاو. دي.إي” التابع للقناة الألمانية الأولى (13 سبتمبر) كتب معلقاً “لم يتضح بعد الحجم الكامل لخسائر الفيضانات في ليبيا، لكن الغضب تأجج منذ فترة طويلة، حيث تشير أصابع الاتهام للفساد والصراع على السلطة والإهمال، أسباب جعلت وقوع ما حدث ممكناً”. وهذا ما دفع معلقين آخرين للتعبير عن مخاوفهم من أن تؤدي هذه الكارثة إلى تقوية القوى المتشددة في ليبيا. وتحت عنوان “الكوارث الطبيعية يمكن أن تستفيد منها القوى الإسلامية” علقت صحيفة “دير ستاندرد” النمساوية (13 سبتمبر) بشأن عواقب الكوارث الطبيعية الأخيرة في شمال إفريقيا وكتبت “في المغرب النظام مستقر (..) غير أن هناك علامات استفهام وبعض الاستياء يغلي تحت السطح. ليبيا بلد اتسم بعقود من الدكتاتورية قبل أن تدمره الحرب الأهلية. مركز الفيضانات هو درنة في الشرق، والتي أصبحت تعرف كواحدة من عواصم الجهاد الدولي، والتي ساهمت بدورها في صعود أمير الحرب الليبي الشرقي خليفة حفتر (..) وهذا يمكن أن تستفيد منه مرة أخرى القوى الإسلامية المتطرفة والقوى التي تدعو للمصالحة مع النظام القديم”.

جدل المساعدات بين الرباط وباريس

رغم تنديد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالجدل الإعلامي بعدما امتنعت الرباط عن قبول مساعدات عرضتها عليه فرنسا إثر الزلزال، ظهرت تساؤلات في دول أخرى حول الدوافع السياسية المحتملة التي قد تكون دفعت الرباط إلى هذا الموقف. وكان ماكرون أعلن الأحد أنّ بلاده مستعدّة للتدخل “فور” تلقيها طلباً بهذا الشأن من السلطات المغربية. وقال ماكرون في رسالة مصوّرة خاطب فيها الشعب المغربي “من الواضح أنّه يعود إلى جلالة الملك والحكومة المغربية، بصورة سيادية بالكامل، تنظيم المساعدات الدولية، وبالتالي نحن تحت تصرّف خيارهما السيادي”. وسبق لملك المغرب محمد السادس أن حدد في خطاب شهير عقيدة السياسة الخارجية للمملكة، حيث أكد أن المغرب يبني علاقاته مع الدول وفقا لمواقفها من قضية الصحراء الغربية. بعض المعلقين الفرنسيين رأوا في عدم قبول الرباط لمساعدات باريس عقابا لماكرون لعدم اعترافه بسيادة المغرب على الإقليم المتنازع عليه، خصوصا بعد اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء ودعم إسبانيا لمشروع الحكم الذاتي المغربي لحل النزاع.

صحيفة “إلباييس” الإسبانية كتبت معلقة “لقد تعرض المغرب لأعنف زلزال في تاريخه، والذي جلب الموت والدمار إلى جبال الأطلس جنوب مراكش. وكانت الحصيلة رهيبة بالفعل، (..) وكان مركز الزلزال في منطقة أكثر كثافة من الناحية السكانية، مثل الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير من هذا العام. غالبا ما تشكل الكوارث الطبيعية لحظة خاصة في العلاقات بين دول الجوار، خاصة عندما تكون متوترة (..) العلاقات الوثيقة بين إسبانيا والمغرب لها طبيعة مختلفة. يشكل المغاربة أكبر مجموعة مهاجرة في إسبانيا، والإسبان، مع جيبيهما في شمال أفريقيا، سبتة ومليلية، ليسوا جيراناً مباشرين فحسب، بل يتمتعون أيضاً بحضور ثقافي واقتصادي كبير في المغرب. وفي كل الأحوال، فإن كارثة مثل هذه، تشكل فرصة لتعزيز العلاقات وتحسين التعايش بين المواطنين وإنهاء الخلافات والتركيز على مساعدة الضحايا”.

حسن زنيند

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية وDW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.