زياد خداش يكتب في ذكرى رحيل حسين البرغوثي الثانية

: 5/1/22, 2:58 PM
Updated: 5/1/22, 2:58 PM
زياد خداش يكتب في ذكرى رحيل حسين البرغوثي الثانية

الكومبس – ثقافة: في اخر لقطات الفيلم الامريكي الشهير( العقل الجميل) وقف البروفسور الفائز بجاىزة نوبل في الفيزياء أمام جمهوركبير لم ير منهم الا زوجته التي تحملت اضطراباته النفسية ودعمته ودافعت عنه في ظلمات كآباته. نظر إليها وقال بما معناه: لا مكان للعبقرية والمعرفة العظيمة خارج معادلة الحب.

هذا نص عاطفي انفعالي عن حسين البرغوثي كتبته في الذكرى الثانية لرحيله. وتركته كما كتبته مهملا علامات الترقيم وبعض الأخطاءالمطبعية ، ويبدو أن علامات الترقيم عدوة الانفعال.

ربما يتساءل الاصدقاء وأولهم أنا لماذا لا نكتب عن عقل حسين وإنجازاته المعرفية وكشوفاته ؟ لماذا لا نتوقف عن حب شخصية حسين لصالححب ذهنه الممتد؟.

يجيب ابن برج السرطان داخلي : انا لا أستطيع أن أفصل بين شخصية وسلوك المبدع الاجتماعي وبين إنجازه المعرفي .

أميل إلى الاعتقاد أن لولا بساطة وطيبة وبراءة وتواضع ونقاء شخصية حسين لما دخلت معرفته العظيمة قلوبنا بكل هذه القوة والتأثير.

كمسافر تغيب وكنائم تنهض.

قارعة الوهم

صديقي حسين :

كيف ابدأ احتفالي ؟ الليلة سارقص معك ، ياامير الكلمات الراقصة ، فغدا تمر عشبتان على سفرك –نومك ، عشبتان رطبتان تمران علىالطريق المعبد بجانب قبرك ، يا الله ! ما اجمل موقع قبرك ! بجانب طريق القرية المعبد ، ما عليك سوى ان تنهض ، وترفع قدمك ، لتكون بعدبرهة في المقعد الاول من سيارة الاجرة قادما الى – كان باتا – ، وحين تعود لن تتعب للوصول الى البيت ، ما عليك سوى ان تهبط بقدمكهبطة قصيرة ، تجد نفسك بعدها في فراشك ، عشبتان غنوجتان غامضتان ، عفويتان ، طفلتان ، يا حسين ،

انسلتا بهدوء من شقوق نص ، كان يجب ان تكتبه لولا——- ، ستقفان منتصف هذه الليلة على الطريق الساكت ، امام قبرك ، تغنيان لكهمسا او موتا ، ظلا او نورا ، عقلا ا وجنونا ،

ستوقظاك من نومك ، تبلغاك ، اننا سنأتي اليك في صباح الغد ، فانهض يا حسين، اغسل عينيك ، انفض عن كتفك كسل التراب ، تعطر ،وانتظرنا على قارعة الوهم ،

يوم للكلام و للفرح.

حسين : لن نحزن غدا ولن نطرق ، سنملأ قبرك شغبا واصوات ، لماذا نحزن ؟ لماذا نطرق ؟ و قد تركت لنا ما نؤثث به كهوف روحنا من نوافذللتلال والطيور والريح ، لماذا لا نفرح ، وقد زرعت في ثيابنا اجهزة تنصت على نصوصنا وهواجسنا ، واحزاننا الصغيرة ، قال كفاح : سأقرالحسين قصائد من شعري الجديد ، قال صالح : سأسأل حسين عن مفهوم الصوفية الجسدية، قال مهيب : سأرقص لحسين رقصة زوربا ،حتى يموت من الضحك ، قال اخرون : سنشرب الشاي مع حسين ونتكلم عن الله والموسيقى ، وقال معتز ابو صالح على الهاتف من الجولان : هاتفوني حين تصلوا كوبر ، اريد ان اسمع صوت حسين ،

وقالت العشبتان : سنوقظ حسين الان : حسييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييين، الم تشبع سفرا ؟؟؟؟؟!!

ضوءككلماتكصوتك

اتذكر يا حسين حين احتفلنا بعيد ميلادك قبل عدة سنوات ، كنا في بيتك ، في بيرزيت عبد الرحيم وصالح ، ويعقوب ، ومالك ، مهيب ، وبتراوعبد الكريم وخالد ، ووليد ، واخرون ، جلسنا في الشرفة ، نقرأ الشعر ونضحك ونهمس ونجهش بالنميمة ، ونأكل ونصمت ، وننسى ان يوماسيأتي ، تموت فيه موتا حقيقيا ، موتا يمنعك من المشي في الشارع باتجاه مكان لا تعرفه ، موتا يمنعنا من ان نتكيء على جدار مبنى ما ،ندخن معك او نفكر ، موتا قاسيا يمنعنا من ان نسمع ضحكتك المبحوحة القصيرة ، الوسيمة ،

الفرح كان بالنسبة لنا ان نشرب ونأكل ونضحك ، الفرح كان بالنسبة اليك هو ان تفكر وتتحدث وتستمع ، وتكتشف ، اتدري يا حسين ، ما هواسوأ معنى للموت ، : هو انه يوقف صوت الانسان،

اه لو اسمع صوتك فقط ، ففط صوتك ، صوتك، وانت تحكي عن نيتشة او فيروز او محمود درويش، صوتك وانت تضحك ، او تسعل أو تغضبتلك الغضبات الطفولية الصغيرة ، هل رايتم فراشة تغضب؟؟

غضب يشبه الرضى ، يشبه الحب ، يشبه الغناء ، هذا هو غضب حسين البرغوثي ،

كتب مرة عنه عبد الحكيم ابو جاموس اثناء مرضه مقالا فيه ايحاء برثاء مبكر لحسين،

كنا في حديقة المشفى بترا و مهيب وانا ، غضب حسين :

لماذا يرثيني وانا ما زلت حيا ؟ صاح حسين، وصياحه منخفض وخجول ، ومحب ،

كان صوته صغيرا ودافئا وبريئا ، وكنا مرتبكين .

جسدك الخائنروحك المتفاجئة.

الم تكن تعرف؟ الم تكن تدرك ان هناك ستارة حمراء مراوغة و شفافة اسمها الجسد ، ستارة خفيفة من لحم وزجاج ، وخيانات وخذلانات ،ونهايات ، جسد لا يفهم معنى الوفاء للروح المستغرقة في توغلها في الشمس وعناقها للضباب وذوبانها بالمطلق ، جسد لا يعترف بشهوةالمعرفة عند الروح ، لا يقدر حب الروح لله والاسئلة ، لا يعرف ان للروح متطلباتها ، واوقاتها ، وخيالاتها ، وحساباتها ، جسد احمق ، لا يرىابعد من رغيف , او دخان سيجارة ، اه لو انك عرفت ، لساومته قليلا يا حسين ، فهو طماع و خؤؤن بطبعه وغادر ، وقاس ، يغلق الملفويمضي الى التراب ، تاركا الروح تتخبط في وحشتها المتوحشة.

لم تفكر يوما ان جسدك ، هذا الجميل سيخذلك ويتركك وحدك في البرد ، لم يكن لديك وقت لتفكر فيه

كنت مصعوقا بما بعد الجسد ، بما وراءه ، من متاهات وابواب ، تماما كما لم يكن لحسن الحوراني الوقت ليفكر في طبيعة جسده ، كانحسن مشغولا بما خلف الستارة من اطياف ورؤى ، فاصطدم فجأة بصرخة جسده او صخرته ، غضبه ، وعقابه ، الجسد لا يحب الذينيتجاهلون سره ، هو يقتل التائهين والمشغولين ، يقتل نفسه ، ويقتلهم .

هو ستارة خفيفة، بلا قلب ، تغادر بسرعة ، وتكشف عن فظاعة المشهد ، تغادر وقتما تشاء ، وكيفما تشاء،

يا للجسد !!! يا لخفته التافهة و المرعبة !!!!!!.

عاصفة العطورانتصار الغبار

لن انسى هذا المشهد ، جالس بالقرب من سريرك في المشفى ، وحدنا ، هل تذكر يا حسين ؟؟ تحدق انت في الظل المتحرك لكوب شاي وانااحدق في حذائي المثقوب ، تطل منه اصابع قدمي المتورمة ، كنت قادما لتوي من مخيم الجلزون حيث اسكن ، قاطعا طريقا وعرا مغبراهاربا من رصاص المحتلين وحواجزهم ، فجأة دخلا ، طبيبك الوسيم الشاب القادم من الجليل وزوجته الهائلة الجمال ، منطق اللحظة نفسهااجبرني دون ان ادري على ان اتراجع للوراء مفسحا المجال للعطور والوسامة والنظافة والترتيب ان تتقدم كلها نحو حسين ، لم يرياني ،انكمشت في الزاوية ،مخبئا اصابع قدمي و وغبار رأسى ، ادار الداخلان الانيقان ظهرهما لي ، وراحا يسلمان على حسين بحرارة وحب ،انا لم اغضب منهما ابدا ، فهذه هي الحياة :، ان يتقدم الجميل والنظيف ويتراجع الممزق الملابس والمغبر ، لكن حسين لم يقبل بهذه المعادلة ،فراح يطل على غباري من وراء ظهريهما ، ويبتسم ويقول : اهلا ابو الزوز ، اهلا ابو الزوز ، مما اضطر عاصفة الاناقة ان تنظر خلفهاوتراني ، وحيدا في الزاوية .

كيف انسى هذا المشهد ،؟ رجل ينحاز بصدق الى اوجاع اصدقائه ، رجل حساس لحساسية الاخرين.

رجل يتضامن مع مخيمي وعريي واصابع قدمي ، رجل يحب المغبرين والهاربين من لهب الطرق .

رجل يحب العالم ، يرى ابعد من مسافة عطر جنوني التأثير ، والوقع.

كيف انسى صوتك يا حسين ؟ كيف؟.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.