مسألة أخلاقية أم جريمة مؤذية؟
الكومبس ـ تقارير: يرى بعض المستخدمين السويديين على وسائل التواصل أن الخيانة الزوجية، رغم كونها مؤذية على المستوى الشخصي، لا يمكن أن تُعد جريمة ضد المجتمع، بل هي مسألة أخلاقية بحتة. فيما يرى آخرون أن الخيانة انتهاك لعقد الزواج ويجب أن تُعامل كخرق لعقد قانوني، على غرار العقود الأخرى، التي يجب محاسبة من يخترقها.
نقاش طويل جرى طرحه على إحدى المنصات السويدية التي تهتم عادة بتقديم مواضيع عامة على المتابعين. وتركز الموضوع على سؤال حول ماذا لو جرى تجريم الخيانة الزوجية في السويد؟ وأظهرت النقاشات آراء متباينة حول الموضوع.
يعتبر كثير من المستخدمين أن الخيانة الزوجية، موضوع حساس يثير جدلاً كبيراً بين الثقافات والمجتمعات، لكن في السويد تعتبر مسألة شخصية أكثر من كونها قضية قانونية. النظام القانوني السويدي يعكس ثقافة تتمحور حول الحرية الفردية، العلمانية، ورفض التدخل في حياة الأفراد الخاصة. لذا، لا تُعتبر الخيانة الزوجية جرماً يعاقب عليه القانون، بل تُترك آثارها لتُحل في إطار العلاقات الشخصية أو الطلاق، بعيداً عن التدخل القضائي المباشر.
حجج المعارضين للتجريم شرحت الوضع الحالي السائد في السويد، مثل اعتبار المسألة أخلاقية بحتة ولا يمكن اعتبارها جريمة مؤذية ضد المجتمع. بعض التعليقات أشارت إلى أن تجريم الخيانة يتعارض مع الحرية الفردية، وقد يؤدي إلى تدخل غير مبرر في الحياة الشخصية. فيما تطرق آخرون إلى صعوبة تحديد مفهوم “الخيانة” قانونياً، نظراً لاختلاف العلاقات بين الأفراد (مثل العلاقات المفتوحة).
سويديون يطالبون بتجريم الخيانة الزوجية
الأصوات المشاركة بالنقاش التي تطالب بفرض عقوبات على من يمارس الخيانة الزوجية، كانت أقل نسبياً، ومنهم من اعتبر أن الزواج عقد ويجب أن تعامل الخيانة كخرق لعقد قانوني، على غرار العقود التجارية. يرى البعض أن الخيانة تسبب أضراراً نفسية واجتماعية يمكن مقارنتها بجرائم مثل الاحتيال أو الإساءة. فيما اقترح البعض حلولاً مدنية مثل أن يفقد الزوج أو الزوجة المتورطة بالخيانة حقوق الملكية المشتركة أو أن يقدم التعويض للطرف المتضرر عند الطلاق.
ويشير النقاش إلى أن الثقافة السويدية تعطي الأولوية لحرية الاختيار والاستقلالية في العلاقات. ويرى كثير من السويديين أن العلاقات الزوجية مبنية على الثقة المتبادلة، وأن الخيانة، رغم كونها خيانة للثقة، لا تحتاج إلى تدخل قانوني طالما أن القانون لا يحمي أحد الطرفين كـ”مالك” للآخر.
ويمكن تلخيص أسباب رفض المجتمع السويدي لتجريم الخيانة بالنقاط التالية:
الحرية الفردية: السويد مجتمع علماني يرفض فرض قيم دينية على القوانين.
التكلفة القضائية: التحقيقات والمحاكمات المرتبطة بالخيانة ستكون مكلفة وغير عملية.
الاختلافات الثقافية: تعريف الخيانة يختلف بشكل كبير بين الأفراد والمجتمعات.
المساواة: تشريع قوانين متعلقة بالخيانة قد يؤدي إلى تمييز بناءً على النوع الاجتماعي.
لمحة تاريخية عن تجريم الخيانة الزوجية في السويد
في الماضي، كان يُنظر إلى الخيانة الزوجية في السويد كجريمة. وحتى القرن الثامن عشر، كانت الخيانة الزوجية تُعتبر جريمة خطيرة يُعاقب عليها القانون، وخصوصاً إذا كان كلا المتورطين بها متزوجين.
بحلول العام 1779، أُلغي قانون “البغاء المزدوج” الذي كان يفرض عقوبات على الخيانة، في إطار تطور القانون نحو العلمانية والتركيز على الحقوق الفردية. منذ القرن العشرين، تم تصنيف الزواج كعقد مدني وليس دينياً، ما ألغى القوانين التي تتعلق بالسلوك الشخصي للأزواج.
في أوروبا، كان تجريم الخيانة الزوجية شائعاً حتى القرن العشرين، ولكنه شهد تراجعاً تدريجياً بدءاً من السبعينات والثمانينات. ألمانيا ألغت قوانين الخيانة كجريمة في أوائل السبعينيات. وكانت النمسا من بين آخر الدول التي ألغت تجريم الخيانة في العام 1997، تلتها رومانيا في 2006.
لماذا تم إلغاء التجريم؟
التغيرات الاجتماعية: أصبحت العلاقات الزوجية تُعتبر شأناً شخصياً يجب التعامل معه مدنياً.
حقوق الإنسان: دعت منظمات دولية مثل الأمم المتحدة إلى إلغاء قوانين تجريم الخيانة باعتبارها انتهاكاً للخصوصية والحرية الفردية.
المساواة بين الجنسين: العديد من قوانين الخيانة كانت متحيزة ضد النساء، ما أثار دعوات للمساواة وتحديث القوانين.
نظرة حديثة على موضوع الخيانة الزوجية قانونياً
في المجتمعات الحديثة، يتم التعامل مع الخيانة الزوجية غالباً كمسألة أخلاقية ومدنية، وليست جنائية. في أوروبا، يتم حل النزاعات المتعلقة بالخيانة من خلال الطلاق أو الاتفاقات المالية، دون الحاجة إلى تدخل الدولة في الحياة الشخصية للأفراد. هناك من يعتبر أن الدروس المستفادة من أوروبا تتلخص بالتالي: فصل القانون عن الأخلاق الشخصية يعزز الحرية الفردية. استخدام النظام المدني بدلاً من العقوبات الجنائية يقلل من التمييز ويعزز العدالة.
دول ما زالت تعاقب على الخيانة الزوجية
حاليًا، لا تزال الخيانة الزوجية تُعتبر جريمة في عدد من الدول، خصوصاً في الدول ذات القوانين الدينية أو الأنظمة القضائية التقليدية. في هذه الدول، تتراوح العقوبات بين الغرامات، والسجن، وأحياناً العقوبات القاسية مثل الجلد أو حتى الإعدام في الحالات القصوى. أمثلة على هذه الدول:
الدول ذات القوانين الإسلامية الصارمة:
السعودية وباكستان والصومال: تفرض قوانين الشريعة الإسلامية عقوبات شديدة على الزنى (الخيانة الزوجية)، بما في ذلك الجلد أو الإعدام في بعض الحالات، بشرط وجود أدلة صارمة مثل الاعتراف الصريح أو شهادة أربعة شهود على الفعل.
الولايات المتحدة: في 21 ولاية أمريكية، لا تزال الخيانة الزوجية جريمة، رغم أن تطبيق القانون نادر جداً. في بعض الولايات مثل ميشيغان وماساتشوستس، تُعتبر الخيانة جناية، بينما تُصنف في ولايات أخرى كجنحة.
الفلبين وتايوان: الفلبين ما زالت تجرم الخيانة الزوجية. أما في تايوان، فقد أُلغي تجريم الخيانة في العام 2020 بعد جدل واسع حول تأثيره على الحرية الشخصية.
بعض الدول الإفريقية: في دول مثل جنوب السودان ورواندا، ما ازلت الخيانة الزوجية ضمن الجرائم الجنائية، مع تركيز العقوبات على “الشريك الدخيل” بدلاً من الزوجين.