التبولة وشوربة العدس أطباق جديدة في المدارس
هل تلبي الوجبات المدرسية توقعات الأهالي؟
الكومبس – خاص: تعد وجبة الغداء المدرسية في السويد تقليداً أساسياً في حياة الطلاب اليومية، غير أن تنوع الانتماءات الثقافية والدينية للطلاب قد يمثل تحدياً لهذه الوجبات. طلاب يتجنبون وجبات المدارس لأسباب لها علاقة بالدين أحياناً وبذوق العائلة أحياناً أخرى، فيعودون إلى البيت جائعين. مشكلة تتكرر لدى عائلات من أصول مهاجرة بشكل خاص.
وحدة التغذية في بلدية نورشوبينغ على سبيل المثال تضم 40 مطبخاً مهمتها إعداد الطعام للروضات والمدارس وقطاعات الرعاية الصحية والاجتماعية. وتخضع قوائم الطعام التي تعدها الوحدة لمجموعة من التوصيات والمبادئ الإرشادية، بما في ذلك الدليل الإرشادي لعمليات تقديم الطعام في بلدية نورشوبينغ، وتوصيات مصلحة الأغذية السويدية، بحيث تكون الوجبات جيدة المستوى ولذيذة ومتكاملة القيمة الغذائية، ومستدامة وآمنة.
تقول مدير العمليات في وحدة التغذية انغريد كالم للكومبس “تأثرت القوائم الغذائية بالتضخم الاقتصادي، ما دفعنا إلى إعادة صياغة الوصفات والقوائم لتناسب مع الظروف الحالية. كما أننا نتبع إجراءات صارمة للحد من هدر الطعام، من خلال قياس بقايا الطعام يومياً، ووضع كميات أقل من الطعام في صفوف التقديم في نهايات الوجبات، وتحويل الطعام المتبقي إلى أطباق جديدة. مع توصية الطلاب بعدم تناول كميات أكبر من حاجتهم”.
تطور الوحدة وصفاتها وقوائمها بشكل مستمر لتشمل أطباقاً جديدة من ثقافات متعددة، تواكب تنوع الخلفيات التي يأتي منها الطلاب. كما توفر الوحدة وجبات خاصة للطلاب الذين يعانون من حساسية أو حالات صحية خاصة، كالاضطرابات الهضمية، أو الأمراض الأخرى بناءً على قرارات من الإدارة المدرسية.
وعن مدى مراعاة الخلفية الدينية لبعض الطلاب، كاليهود والمسلمين الذين لا يأكلون لحم الخنزير. تقول كالم “نحن نقدم دائماً صنفين من الطعام على الأقل، أحدهما نباتي. فإن كان الطالب لا يتناول نوعاً معيناً من الطعام لسبب ديني أو غيره. فلديه الخيار النباتي”.
وتلاحظ الوحدة في المدارس الابتدائية والمتوسطة أن جميع الأطفال تقريباً يأتون إلى قاعة الطعام ويأكلون. بينما لا يلتزم طلاب في المدارس الإعدادية والثانوية بوجبة الغداء المدرسية. وقد يكون السبب، حسب الوحدة “أن الطلاب الأكبر سناً لديهم القدرة المالية، وقد يجدون أنه من الممتع أو من الجيد أحياناً تناول الغداء في المطاعم القريبة”.
حق السويدي في طبقه التقليدي
ورغم المركزية، تتيح الوحدة هوامش من الحرية لمسؤولي المطبخ في المدارس لإجراء بعض التعديلات على قوائم الطعام بما يتناسب مع تفضيلات طلابها.
تقول رانيا، وهي مديرة مجموعة في مطبخ مدرسة تابعة لبلدية نورشوبينغ “لائحة الطعام المقررة لشهر كامل تأتي جاهزة من وحدة التغذية في الكومون (Kostenheten)، ويعد اللائحة مختصون يحسبون التكلفة المادية لكل وجبة، كما يراعون توصيات Skolmat Sverige بأن تحتوي الوجبة على العناصر الغذائية الموصى بها من ألياف ومعادن وفيتامينات وغيرها. لكننا لا نتقيد باللائحة حرفياً، وإذا لاحظنا عدم إقبال الطلاب على صنف معين من الطعام، نقوم بطهي صنف آخر يتناسب وذوقهم، شرط أن يتضمن العناصر الغذائية الموصى بها، مع مراعاة التكلفة المحددة للوجبة”.
وتلفت رانيا إلى إدراج أصناف جديدة من الطعام تنتمي لثقافة بلدان عدة على القوائم، حيث باتت التبولة وأنواع السلطات العربية المختلفة مثلاً من الأصناف الموجودة بكثرة في المدارس السويدية، إلى جانب أصناف أخرى كشوربة العدس.
تقول رانبا إن “إغلاق بعض المدارس، وخسارة عدد من الطلاب بسبب سفرهم خارج السويد مثلاً، أدى إلى خسارة مادية للبلدية. إضافة إلى الأزمة الاقتصادية. ونتج عن ذلك اعتماد وجبات نباتية أكثر في قوائم الطعام والحد من تنوع اللحوم بسبب غلائها”. وتوضح “مثلاً إذا كان الطبق الرئيسي يحتوي على لحم الخنزير، يكون الطبق البديل المرافق نباتياً. في السابق كانت الوجبات تحوي في اليوم الواحد الأنواع الثلاثة من اللحوم (بقر، دجاج و خنزير). أنا شخصياً، كثيراً ما أضع طبق دجاج بديلاً لطبق الخنزير المدرج في لائحة الطعام كي يتسنى لجميع الطلاب تناول طعامهم. أو أجعل الطعام كله نباتياً. لكن طبعاً لا أستطيع القيام بذلك دائماً، فمن حق الطالب السويدي أيضاً أن يتناول طعاماً يتوافق مع تقاليده و ذوقه”.
وعن ظاهرة التسرب من المطعم المدرسي و إبداء عدم الرضا ين بعض الطلاب، تقول رانيا “إنها ظاهرة موجودة غالباً عند طلاب المرحلة الثانوية. رغم وجود بدائل من الخبز والسلطات التي قد تعوض عن الطبق الرئيسي. لكن عندما يكون الطعام سمكاً أو كرات اللحم (شوت بولار) فمعظم الطلاب يلتزمون بوجبة غدائهم”.
بدائل غير مرضية
سارة طالبة في المدرسة الثانوية تبلغ من العمر 18 عاماً تقول للكومبس “أتناول وجبة الغداء كل يوم في المدرسة خلال الدوام المدرسي. لا أنتقد ما يقدمونه، أتناول القليل وأذهب لأن وجبتي الأساسية تكون في البيت. طبعاً تسطيع المدرسة أن تقدم الأفضل، لكن لا أعتقد أنني سأحظى بتجاوب إذا اعترضت”.
وعما إن كانت المدرسة تجري استبياناً حول رأي الطلاب بالطعام المقدم، وتراعي أذواقهم على اختلاف ثقافاتهم، تجيب سارة “صراحة، لا يجري أي نقاش معنا حول الطعام، هم يضعون الطعام ولا يهتمون إن كان الطالب يأكل أم لا. (هم يقومون بما عليهم، وأنت حرة تأكلين أو لا تأكلين)”.
وعن التنوع في الطعام، تقول سارة “هناك اختلاف فيما يقدم خلال أيام الأسبوع الواحد، لكن بشكل عام هناك روتين ثابت. مثلاً، أيام الإثنين يكون الطعام معكرونة، أيام الأربعاء يكون الطعام سمكاً، وهما الصنفان المفضلان لدي. أما أيام الخميس فتقدم الشوربات، إضافة إلى السلطات الموجودة عادة، وهو يوم ممل، بالكاد نأكل فيه”.
تصف شارة الأطباق البديلة بأنها “رديئة المستوى وليست شهية من حيث الشكل والمضمون مقارنة بالطبق الرئيسي. مثلاً، طبق النباتيين أو الأطباق الخالية من اللاكتوز تجعل المرء يقول لا أريد أن آكل لردائة شكلها”.
وتشكو سارة أيضاً من أن كمية الطعام “لا تكفي في كثير من الأحيان. الطلاب الذين يصلون إلى مطعم المدرسة أولاً يحصلون على كميات أكبر . هناك ملاحظات مكتوبة بالحصة المسموح بها لكل طالب، لكن لا أحد يتقيد بها، ولا يوجد من يراقب”.
هدر للطعام
بانة طالبة ثانوي عمرها 19 عاماً، تعود من صالة الطعام دون أن تأكل وتبدو ممتعضة، تقول “أنا لا آكل في المدرسة في معظم الأيام، لأنني لا أحب ما يقدمونه من طعام. وهذا حال كثير من الطلاب، منهم شقيقتي في الصف الأول ثانوي”.
سألنت الكومبس بانة ما الذي لم يعجبك اليوم مثلاً؟ فأجابت “الطبق الرئيسي كان بطاطا مع لحم خنزير إلى جانب الصلصة، أما طبقنا نحن الذين لا نأكل الخنزير، فكان معكرونة مع فاصولياء، وكان دون بهارات وناشفاً جداً”.
في معظم الأوقات التي تقدم فيه المدرسة طعاماً يحتوي على لحم الخنزير لا تقدم بدائل بلحم البقر أو الدجاج، بل يكون البديل يكون “نباتياً ناشفاً”، بينما في المناسبات الكبيرة كعيد الميلاد فتقم أطباق متعددة بمختلف أنواع اللحوم، بحسب بانة.
تشتري بانة بيتزا من كافيتيريا المدرسة بدل تناول الطعام في مطعم المدرسة، وعند نفاد الكمية في الكافيتريا تذهب إلى أحد المتاجر القريبة وتشتري بيتزا مجمدة، وكثيراً ما تطلب من والدتها أن ترسل لها النقود عبر “السويش”. وعن ذلك تقول”مساعدة الطالب 1250 كرون نصفها يذهب للمواصلات، والنصف الآخر لا يكفي أبداً”.
تتفق بانة مع سارة في أن يوم الطلاب المفضل في مطعم المدرسة هو الأربعاء، أو يوم السمك كما يسميه الطلاب. في حين تلاحظ أن كمية الطعام المهدورة في القمامة بشكل عام كبيرة. وتعلق “الأجدر تحسين نوعية الطعام لكي يتسنى لجميع الطلاب تناول غدائهم بدلاً من هذا الهدر (..) “عندما لا آكل أفقد الطاقة والقدرة على الانتباه في باقي الساعات الدراسية”.
طعام نباتي “رديء”
حنان أم لطفلين في العاشرة و الثانية عشرة من عمرهما، تقول إن ولديها لا يتناولان وجبة الغداء في المدرسة بشكل منتظم . “الطعام لا يعجبهما وفي معظم الأيام يأتيان جائعين جداً. عندما يكون الطعام سمكاً، يأكلون بشكل طبيعي، لكنهم يرفضون تناول الشوربات والصلصات البيضاء، مثل الغراتان”.
توضح حنان أن الطفلين باتا نباتيين بسبب عدم تخصيص قسم للحوم الحلال في المدارس، لكنها تصف الطعام النباتي المقدم بأنه “رديء الجودة، حيث تكون قطع الخضاركبيرة جداً، مما يضعف من رغبة الأطفال في تناولها”.
وتشكو حنان أيضاً من مسألة تحديد الحصص لكل طالب، حيث لا يحق لكل طفل إلا قطعتين من السمك أو قطعة واحدة من النقانق على سبيل المثال، وهي كمية لا تشبعهم. بعد الدوام المدرسي يلجأ الولدان إلى شراء الوجبات الخفيفة من المركز الترفيهي (Fritidsgård)، الموجود بجوار المنزل.
لوريس ديوب
نورشوبينغ