ثقافة

على حافة الانكسار: قصة صراع بين الموروث وثقافة المجتمع الجديد

: 9/11/23, 5:07 PM
Updated: 9/12/23, 12:01 AM
الكاتبة دلال عبد الغني
الكاتبة دلال عبد الغني

الكومبس – ثقافة: أنجزت الكاتبة السويدية من أصول فلسطينية، دلال عبد الغني، روايتها الجديدة (على حافة الانكسار) والتي تتحدث عن معاناة أسرة مهاجرة تعاني من تبعات الانتقال المفاجئ إلى بيئة ثقافية مختلفة، من صراع وصدام حتمي بين الثوابت والمسلمات التي جاء بها هؤلاء المهاجرون وبين الثقافة الجديدة المتمثلة في قوانين البلاد العلمانية والانفتاح الذي تعيشها شعوبها ومساحة الحريات المتاحة في هذه البلاد.

حجم الصراع والصدام يزداد تصاعديا مع حجم الخسارة التي قد يحس الشخص بفقدانها. وتكتسب الرواية الجديدة أهميتها من كون الكاتبة قد لامست عدة قصص وواقعية مماثلة من خلال عملها كمترجمة ومختصة رئيسية في علم النفس الاجتماعي مع مكاتب الشؤون الاجتماعية في السويد، لعدة سنوات وهي حاصلة على درجة الماجستير في الفلسفة، وتعيش في السويد مند العام 1989

الكاتبة خصت الكومبس بهذا المقال عن روايتها الجديدة:
على حافة الانكسار

بعين الفاحص تشخص رواية ( على حافة الانكسار) جزء من المعاناة اليومية التي تعيشها أسرة مهاجرة في البلاد الأوروبية والتي جاءت على إثر سلسلة من الحروب والأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية منذ عشرات السنين وما زالت.

هذا الانتقال المفاجئ الى ثقافية مختلفة سيتبعه بالضرورة صراع وصدام حتمي بين الثوابت والمسلمات التي جاء بها هؤلاء المهاجرون وبين الثقافة الجديدة المتمثلة في قوانين البلاد العلمانية والانفتاح الذي تعيشها شعوبها ومساحة الحريات المتاحة في هذه البلاد. حجم الصراع والصدام يزداد تصاعديا مع حجم الخسارة التي قد يحس الشخص بفقدانها.

هذا الصراع اليومي قد يضع الإباء على وجه الخصوص على رأس قائمة الشاعرين بالخسارة في البلد الجديد. المقولة هنا طبعا لا للتعميم، ولكنها ظاهرة تستحق الوقوف عندها.

أمام العجز والاحباط غالبا ما يشعر هؤلاء بأن السلطة الأبوية وسلطة الزوج ومكتسباتهما التي امتلكوها بحكم القيم والأعراف التي ترعرعوا من خلالها تنسحب من بين ايديهم. يعبروا في أغلب الأحيان عن هذا العجز بجملة من الأفعال الاحتجاجية والإعتراضية الغريبة على القوانين السائدة في البلد الجديد، بل ويعلقون عليها جم غضبهم وقبلها فشلهم لعدم قدرتهم على التعايش معها.

حجم الصدمة والفشل قد يتضخم فلا يكتفوا بعدم تقبلهم للقوانين وطبيعة العلاقات الاجتماعية، بل برفضها جملة وتفصيلا. إن فشلهم في فهم أبعاد الحريات والحقوق الشخصية كجزء من الحريات والمساوة العامة في الحقوق يخلق ضبابية واختلاط مريع. فيشكل منطق يشاركهم به ويساندهم على استمراره الكثيرون ممن ينتمون لنفس الثقافة. فيتهم من يخرج عن مثل هذا المنطق بالخيانة على أقل تعديل. الذي يزيد الطين بله أن الخروج عن نص القطيع يصبح تهمة تعريه من ثوب الشرف المدعى فلحفظ ماء الوجه يُمعّن الخاسر في معاداته لقوانين وقيم البلد الذي يعيش من خيره. يزيد تلك الضبابية والتشوش الأفكار الجاهزة والمعلبة عن الغرب الكافر وقيمه المنحلة فتتعقد قدرة الكثير من المهاجرين على تجاوز الفروقات وتتسع الهوة بينهما.

في رواية (على حافة الانكسار) عدا بطليّ الرواية وأسرتهما نجد نماذج لأمثلة من هؤلاء المهاجرين وصراعاتهم.

تتناول الرواية ما قد يراه البعض عادياً بينما يراه الأغلبية غير عادي. بعين وقلب البطلة في الرواية تُسجل الصدمة الثقافية التي قد تتلبس لاجئ الشرق في بلاد الغرب. فيتجلى التناقض بين ما تربوا عليه من قيم وما يوجهوه من قوانين وقيم المجتمع الجديد في الغرب. ما تُحدثه تلك الصدمة في الوعي يختلف في وقعه وقوته على الأشخاص كل حسب ما يثقل أكتافه وما يحمل معه من ماضيه. تعكس نتائج تلك الصدمة نفسها على شخوص الرواية حسب طباعهم وظروفهم الحياتية.

تدخل بطلة الرواية عالم المرأة المحققة لذاتها والمصدومة في نفس الوقت بعد أن عاشت مُسيطر عليها من قِبل رجل هو في واقع الحال الجاني والضحية في آن معاً.

تشدنا الرواية بشوق الى كيفية معالجة كل منهما للصدمة. ذلك الرجل لا يكتفي بإسقاط فشله على الزوجة والابناء، بل ويكفر البلد الجديد وقوانينه. وتلك الام والزوجة كيف ترى وتلعب دورها.

هل تزيد الهجرة القسرية البطل عنادا وتحديا فيمعن في حربه مجاهدا مما يُجسم تناقضه فيهتز نفسيا وربما قانونيا واجتماعيا، ام يلبس نظارة الحاضر ويبحث عن سبيل التلاقي الثقافي؟

هل ينتمي لمن يرفضون ثقافة المجتمع رغم اصرارهم على العيش فيه والاستفادة من امتيازاته؟ مثل البعض يلجأ الى الدين، حتى لو كان غطاء شفافاً وللرجولة الغائبة، ويقوم بفرض معايير غائبة على زوجته وابناءه؟ ما هو موقف الابنة والابن هل يضيعان بين ثقافتين متناقضتين أو يعيشان في تناغم مع مجتمع وجدا فيه ذاتهما؟

هل يصطدم البطل والبطلة بقانون حماية اليافعين المشهور بالسويد تحت LVU؟ ما هي منطلقات هذا القانون وكيف يتم التعامل معه؟

هل تنقلب الأمور وتسير قِدما بالمعايير الجديدة ام تُوجه الدفة الى مصير مجهول؟

في روايتنا نسافر مع خيارات البطل والبطلة وعبرهما نعيش تجربة نماذج أخرى قد تصل الى حالة أشبه بالجنون .

على بساطة الرواية فأنها تطرح أسئلة وجودية، وجودية الإنسان والبحث عن هويته، وإعادة تعريفها، وتكوينها، ومن جهة أخرى تطرح أسئلة أخرى على شاكلة ما العمل ومن هو الرابح ومن هو الخاسر في كل معادلة! فالماضي ما زال يجر إلى الوراء، والحاضر قد يعاش على انه ضرب الرؤوس بمهده، والمستقبل غريب ومفروض!

بساطة الرواية لا تقلل من حزم معتقدات أبطالها، وسلوكيات شخصياتها. فالروائية هنا لم تتدعي أنها سجلت كتاباً فكريا، رغم ما فيه من أفكار، ولا تُنظير رغم ما في الرواية من نظريات اجتماعية، ولا حتى تلقي مواعظ رغم ما في الرواية من مواعظ شخصياتها. رغم ذلك قد تقرأ (على حافة الانكسار ) على أنها ترمي الصراع الثقافي بين قطبين، لا حل وسط بينهما، فإما أن تعيش هنا ومع الحاضر ، وإما أن تعيش هناك مع عوالق ماضي مضى تصارع قيما تتضارب في رؤوس الأبناء . الحقيقة ان القضية ابعد من مقولة اما ان نكون معهم او نكون عليهم، ابعد من ان طرح مقولة أما الاندماج او الانعزال.

لا بد أن هناك طرقا أخرى تقودنا الى قرع السبيل، الى قلوب بناتنا وابناءنا وإلى المعنى الأكبر في التعايش مع الاخر. فوحدها الحرية من تنتج فكرا إنسانيا متوازنا ومتمدنا يستطيع التعايش مع الآخر في مجتمع المواطنة المتساوية.

لحظات مع قول خالد لجبران خليل جبران..

ليحب أحدكما الأخر، ولكن لا تجعلا من الحب قيداً، بل اجعلاه بحراً متدفقاً بين شواطئ أرواحكما… إن اطفالكم ما هم بأطفالكم فقد ولدهم شوق الحياة إلى ذاتها، بكم يخرجون إلى الحياة، ولكن ليس منكم..

المؤلفة

دلال عبد الغني

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.