فوضى الاستشارات القانونية في السويد تكلّف المهاجرين ثمناً غالياً

: 6/20/23, 3:46 PM
Updated: 6/21/23, 7:51 AM
فوضى الاستشارات القانونية في السويد تكلّف المهاجرين ثمناً غالياً

كم كبير من المعلومات الخاطئة على وسائل التواصل من أشخاص غير مؤهلين
اكتشفتْ بعد وصول القضية إلى المحكمة أنه ليس محامياً
محامون ومستشارون: مسؤولية كبيرة على الموكل في معرفة مع من يتعامل

الكومبس – خاص: كالتشخيص الطبي الخاطئ المفضي لضياع حياة أو تعطيلها، هكذا تبدو المعلومة القانونية غير الدقيقة في تأثيرها على حياة الأفراد في السويد، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بقضايا مصيرية، مثل اللجوء والحضانة والإقامة، كقصة لولو محمد التي تقيم في السويد منذ 7 سنوات، وقررت محكمة الهجرة عدم منحها إقامة لاجئ .

تقول لولو إن “خطأً في إجراء قانوني غير مجرى حياتي، فأنا لدي وظيفة في السويد وأتقن اللغة، وأخبرت المستشار القانوني بذلك، وكان دوماً يؤكد أن حصولي على الإقامة بات وشيكاً، رغم رفض مصلحة الهجرة المتكرر لطلبي، وبعد انتهاء آخر مهلة للقضية، علمت بأنني كنت أستطيع تحويل مسار الطلب من لجوء إلى إقامة عمل، ولم يخبرني المستشار بذلك”.

وتضيف “المستشار تحديداً دمر مستقبلي بسبب ضعف معلوماته ولا مبالاته، أو عدم إلمامه بالقوانين في القضايا التي يتوكل عنها أو يبدي رأيه القانوني فيها”.

ما يمكن اعتباره “فوضى” المعلومات القانونية بات إشكالية حقيقية يعاني منها المجتمع اليوم في السويد، وفقاً لمحامين ومستشارين قانونيين التقتهم الكومبس، وأكدوا أن المسؤولية في الأمر مشتركة يتحملها المستشار القانوني والمحامي من جهة، والموكل أو المجتمع ككل من جهة أخرى.

المستشار والمحامي

لا يعرف عدد كبير من الأفراد، برأي المستشار القانوني إبراهيم عميرات، أن هناك فرقاً في السويد بين المحامي (advokat) والمستشار القانوني (jurist ).

المستشار القانوني إبراهيم عميرات

المحامي من الألقاب المحمية، يحملها الشخص بعد أن يدرس في الجامعة ويخضع لحوالي خمس سنوات من التدريب القانوني، وتوافق عليه نقابة المحامين السويدية، أما المستشار فيوضح عميرات أن “أي شخص يملك حداً أدنى من المعلومات يستطيع أن يصبح مستشاراً قانونياً”.

وهناك مستويان من المستشارين، الأول لا يستطيع أن يترافع في المحاكم بل يقدم النصائح القانونية ويوضحها فقط، وهنا تكثر الأخطاء خصوصاً مع توجه البعض إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم المعلومات بجرأة حول القوانين بل وأحياناً إصدار أحكام في الاستشارات تسفر عن تداول معلومات مغلوطة وخطرة.

يتابع عميرات “بعض المستشارين يستوفون الشروط التي تؤهلهم للتوكيل ببعض القضايا كالهجرة وقضايا الطلاق والحضانة أمام المحاكم، لكن لا يخضعون لضوابط وقوانين مشددة كتلك المفروضة على المحامين”.

في كل الأحوال الشكوى حق للموكل بحسب المستشار القانوني عبد الله حذيفة، فكل فرد في السويد لديه الحق عند التضرر من أي مسلك قانوني ناتج عن خطأ المستشار أو المحامي التقدم بشكوى إلى المحكمة أو نقابة المحامين (Advokatsamfundet)، وهنا قد يتم فصل المحامي بعد التحقيق، أما المستشار فتتأثر سمعته وقد لا تعتمده المحكمة ولكنه يبقى قادراً على تقديم الاستشارات.

لا أعرف جواباً قانونياً

ويقول عبد الله حذيفة: “”لا أعرف” كلمة لا تخالف القانون وتتوافق مع الضمير المهني على بعض المستشارين القانونيين الأخذ بها خصوصاً عندما يتعلق الأمر بقضايا مصيرية تحتاج للاطلاع على تفاصيل القضية”.

ويتابع “حيثيات أي قضية قد تُحدث فرقاً فيها وتشكل مخرجاً للموكل الذي لا يعلم خفايا القانون، وعليه يقتضي العمل المهني عدم التعجل أو الإجابة بسرعة عن أسئلة الناس، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتشر فيها المعلومات بشكل سريع وما أكثر الأخطاء القانونية المتداولة من خلالها!”.

“25 عاماً حتى تحصل على الجنسية إن لم تحاكم بتهمة الإرهاب”، يقول المستشار القانوني عبد الله حذيفة “هذه إجابة قدمها شخص يتحدث بالقوانين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لمجند سابق في الجيش السوري، استفسر عن مدى إمكانية حصوله على الجنسية السويدية، مع العلم أن القانون السويدي يتعامل بشكل مغاير مع هذه الحالات لو كان الشخص مكرهاً أو مجبراً وهي النقطة التي لم يسأل عنها المحامي، رغم أنها تشكل مخرجاً قانونياً مهماً يغير مصير شخص وهنا تكمن الخطورة”.

مؤسف برأي ميار محمد أن لا يدرك المستشار أو المحامي أن الخطأ أو الاستهتار في قضايا الأفراد قد يغير مجرى حياتهم. ويقول “ضاع حقي في طلب اللجوء بسبب تأخر المستشار في الاستئناف ضمن المهلة المحددة، تهاون أدى لرفض طلبي، وصدر بحقي قرار ترحيل، تقدمت بشكوى وأنا بانتظار الحل”.

تزايد البلاغات

نقابة المحامين أكدت في معلومات سابقة عبر تقرير أعده قسم كاليبر للصحافة الاستقصائية في راديو السويد، أنها رصدت فعلياً تزايد عدد البلاغات ضد قانونيين ومحامين يترافعون في قضايا اللجوء والهجرة ولم الشمل بسبب إهمالهم أو لأخطأ قانونية يرتكبونها في قضايا اللاجئين.

وقالت الأمانة العامة لنقابة المحامين إن “طالبي اللجوء أصبحوا أكثر جرأة في الإبلاغ عن المحامين الذين يدافعون عنهم، ولم تعد الشكاوى تقتصر على بلاغات من طرف مصلحة الهجرة فقط كما كان في السابق”.

مسؤولية الأفراد

الأفراد برأي المستشار عميرات يتحملون مسؤولية كبيرة تجاه قضاياهم، هناك كثير من المستشارين والمحامين المعروفين والمعتمدين، وعلى الموكل أن يعرف مع من يتعامل ويطلب خطة عمل لقضيته يفهم ويتابع من خلالها كافة الإجراءات التي ستسير فيها قضيته قبل التوكيل وهذا حقه.

ولفت عميرات إلى أن الجهات الرسمية في الدولة بمعظمها، توفر مترجمين معتمدين وتستقبل كافة الاستفسارات الخاصة بالمراجعين، القضايا المصيرية تتطلب المسؤولية من قبل الفرد، فمن الضروري أن يلجأ هو أيضاً لفهم ما يريد من الجهة مباشرة.

ورأى المستشاران “حذيفة وعميرات” أن هناك نقطة أخرى تقع على عاتق الأفراد، وهي الخوف من تقديم المعلومات الكاملة للمستشار القانوني أو المحامي وكأنهما جهات تحقيق خاصة في قضايا الحضانة واللجوء.

مع العلم أن كتمان المعلومات وسريتها جزء رئيسي في التواصل مع الموكلين ويعاقب القانون على تسريبها، ولا يدرك البعض أن إخفاء أي معلومة قد يغير مسار القضية والتعاطي معها، بحسب المستشارين.

لا عقوبات قانونية

المستشار القانوني عبد الله حذيفة

في المحصلة يقول المستشار عبد الله حذيفة إن “القانون السويدي لا يتضمن أي عقوبات على من يقدم معلومات خاطئة للأفراد عبر التواصل الاجتماعي، وبالتالي هناك فعلاً مسؤولية على الأفراد والإعلام تتطلب التنبه لمن يتحدث ومدى مؤهلاته القانونية فيما يستشار فيه”.

كل محكمة في السويد لديها قائمة بأسماء المستشارين والمحامين في المنطقة التي تقع تحت إدارتها، تُوكل إليهم بعض القضايا وتسمح لهم بالترافع عن أخرى. ويقول المحامي عميرات “المستشار القانوني الذي قد تزيد الشكاوى عليه من الممكن أن لا تقبل المحكمة منحه حق استلام بعض القضايا، وقد يُفصل بعض المحاميين من النقابة”.

استشارات مجانية

“خسرت صديقتي حضانة أطفالها المنفردة لأن المستشار أهمل في الاستفادة من الوثائق القوية التي لديها”، تقول مريم ميزافوتش قبل أن تضيف “اكتشفت صديقتي بعد عام من انتهاء القضية أن المحامي أوكل القضية لمستشار يعمل في مكتبه وكان ضعيفاً في معلوماته فأفقدها حقها، ونظراً لقلقها من التكاليف لم تحاول فتح القضية مجدداً. المحزن أكثر أننا لم نكن نعلم أن الدولة تتحمل التكاليف مرة أخرى”.

هيئة المساعدة القانونية (Rättshjälpsmyndighete) معنية بدفع تكاليف القضايا التي لا يستطيع الأفراد تحملها، كما أن الاستشارة المجانية هي حق مكفول بالقانون في قضايا الأطفال وشؤون الأسرة، وللأسف عدد كبير من المهاجرين لا يستفيدون من هذه الميزة بحسب المستشار عبد الله حذيفة.

مراقبة عدد الساعات

يشتكي آران أوين من عدم إجابة المستشار القانوني الخاص بقضيته عن أسئلته رغم تحديد 40 ساعة عمل على القضية مدفوعة التكاليف، ويقول “الدولة تتكفل بأتعاب المستشار القانوني لكن من يراقب عمله ومدى تجاوبه مع الموكل، أحاول على مدار أيام وأحياناً أسابيع التواصل مع المستشار دون أن أحصل على رد، لا أعلم أين وصلت قضيتي. أنتظر منذ أسبوع ولا إجابة”.

تحديد عدد ساعات عمل المستشار على القضية كما يوضح عميرات “لا يعني أن المحامي أو المستشار القانوني عليه التواصل مع الموكل لمدة 40 ساعة أو أقل، فما لا يعرفه الأفراد أن الساعات تشمل مراسلات مع المحكمة وإجراءات تأخذ من وقت وجهد المكتب الذي يعمل على القضية”.

خطة عمل

ويلفت عميرات إلى معاناة المحامين والمستشارين أحياناً من كم التساؤلات الكبير واليومي الذي قد يرد إليهم من الأفراد وهو نتيجة عدم وجود خطة عمل محددة يُطلع فيها المحامي أو المستشار موكله كيف ستسير الأمور وما هي الإجراءات فيشعر الفرد أنه مهمل أو لا يعلم أين يسير.

احتيال

مستغلاً ضعف معلوماتها عن المهنة، ذكرت ماريا عوض أنه تعرضت لعملية احتيال خسرت فيها 30 ألف كرون بسبب شخص أبلغها أنه مستشار قانوني وكان يساعدها في قضيتها المتعلقة بخلاف على مقر سكن. وتقول “قدم كم هائل من المعلومات لم أشك للحظة أنني أتعرض للاستغلال، إلا بعد أن وصلت القضية للمحكمة فاختفى الشخص، واتضح أن كل المعلومات التي لدي عنه غير صحيحه”.

يذكر أن مالمو شهدت قضية مماثلة العام الماضي كشفت عنها صحيفة Sydsvenskan لشخص يدعى بلال نجارين ادعى أنه محام تخرج من جامعة لوند وتقاضى أجوراً عالية، ما أسفر في النهاية عن تضرر عدد من أصحاب الشركات الصغيرة التي تعرضت لعمليات نصب بمبالغ كبيرة.

ضعف اللغة

ورأى المستشاران القانونيان عويدات وحذيفة أن ضعف اللغة قد يعيق المهاجرين في السويد من البحث عن المعلومة القانونية أوعن حقوقهم العامة، مؤكدين أن المسألة باتت تحتاج لضبط ووعي مجتمعي للحد من الأخطاء القانونية التي تؤثر على الأفراد، فمن المهم برأيهم أن يعرف الشخص من يسأل ومدى مؤهلاته ويتأكد عبر أكثر من استشارة ليكون صورة واضحة ومتكاملة عن قضيته ومسارها القانوني.

الناشي: مشكلة حقيقية

ويتفق المحامي مجيد الناشي مع فكرة أن هناك مشكلة كبيرة فيما يتعلق بالاستشارات القانونية، تبدأ في القانون السويدي، حيث أنه لا يمكن لأي شخص على سبيل المثال تقديم استشارة طبية دون أن يكون طبيباً، لكن في المجال القانوني فلا يوجد مادة تمنع الأشخاص العاديين من إعطاء استشارة قانونية، كما تطرق الناشي للمصطلحات المتعلقة بالمسميات القانونية بين المحمي منها والغير محمي، وذكر عدة نصائح لتجنب الوقوع في فخ الاستشارات غير الدقيقة، المزيد في مقطع الفيديو:

ندى سمارة

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.