قرية جبلية تعود الحياة إليها بفضل اللاجئين

: 10/9/22, 6:47 AM
Updated: 10/9/22, 6:47 AM
تعبيرية
تعبيرية

الكومبس – صحافة: على سفح جبل في مقاطعة كلابريا جنوب إيطاليا، تقدم قرية كاميني نموذجاً على اندماج المهاجرين مع السكان الإيطاليين، حيث تختلط تحيات “بونجورنو وتشاو” بـ”السلام عليكم وكيف الحال”. سوريون وأفغان وباكستانيون وغيرهم، يعيشون ويعملون في محاولة لنسيان ما عاشوه من حروب وصعوبات، ولإعادة إحياء القرية التي بدأ سكانها بمغادرتها قبل ثلاثة عقود.

خرجت أمل من دمشق في 2013 مع زوجها وأطفالها إلى لبنان، حيث قضوا هناك ثلاث سنوات قبل أن يحصلوا على اللجوء وينتقلوا إلى إيطاليا.

تصف الأم التي تبلغ 43 عاماً رحلتها قائلة “غادرنا سوريا بعد إصابة زوجي خلال القصف، وعشنا في غرفة واحدة في البقاع (شرق لبنان). أجرى بعض العمليات الجراحية هناك، لكن حالته كانت تزداد سوءاً. لحسن الحظ، حصلنا على اللجوء عبر مفوضية اللاجئين، ثم وصلنا إلى إيطاليا في 2016، وتمكن زوجي من إجراء عمليات جراحية جديدة حسنت من وضعه الصحي”.

هبطت الأسرة المكونة من الزوجين وخمسة أطفال في مطار ميلانو، ونُقلوا مباشرة إلى قرية كاميني في مقاطعة كالابريا، جنوب إيطاليا. تقع القرية على ارتفاع 300 متر فوق سطح البحر، ويبلغ عدد سكانها 800 نسمة، ينقسمون بين جزئها المقابل للبحر، والجزء المطل على جبال كالابريا.

تقول أمل “عندما وصلنا إلى القرية، كان الاستقبال جيداً، ولم يكن هناك الكثير من العرب أو المهاجرين ولا حتى مترجمين، كان التواصل صعباً مع الجيران والقائمين على استقبالنا، لكن الآن بات الوضع أفضل واعتدنا على حياتنا هنا، وصار لنا جيران وأصدقاء”.

كل الفضل في إعادة إحياء قريتنا يعود إلى المهاجرين”

في تسعينيات القرن الماضي، بدأ سكان كاميني بمغادرتها واحداً تلو الآخر، خاصة الشباب منهم، حالها كحال الكثير من قرى الجنوب الإيطالي الفقير نسبياً، بسبب قلة فرص العمل وعدم توافد الكثير من السياح، على الرغم من جمال الطبيعة في المنطقة.

لكن ما يميز هذه القرية عن جاراتها هي عودة الحياة إليها شيئا فشيئا خلال الأعوام الأخيرة، كالمقهى الذي تم افتتاحه وسط القرية، وإعادة فتح المدرسة الابتدائية التي لم يكن فيها إلا فصلاً واحداً لمدة 20 عاماً، والآن بات فيها أربعة فصول، بالإضافة إلى وضع صراف آلي في القرية قبل عامين.

“كل الفضل في إعادة إحياء قريتنا يعود إلى المهاجرين”، وفقاً لروزاريو زورزولو، وهو من مواليد هذه القرية ويبلغ 45 عاماً، لكنه اضطر وهو في العشرينيات من عمره للمغادرة بحثا عن عمل في مكان آخر. عاد بعد سنوات قليلة وشارك في تأسيس جمعية “يوروكوب كاميني” (EuroCoop) في عام 1999، والتي تهدف إلى احتواء نزيف السكان من خلال خلق فرص عمل. لكن البداية الفعلية لتغير الوضع في القرية كانت في 2016، عندما تقدمت بلدية القرية بطلب إلى وزارة الداخلية الإيطالية للمشاركة في مشاريع تتعلق باستقبال المهاجرين. وبناء على هذه المشاريع، تتلقى الجمعية 35 يورو يوميا عن كل مهاجر يصل إلى القرية، ويهدف هذا المبلغ إلى تغطية احتياجاتهم اليومية وإقامتهم.

اليوم، وبعد نحو ستة أعوام على استقبال المهاجرين، يعيش 150 مهاجراً في كاميني، وهم من أفغانستان والمغرب وتونس وليبيا وجنوب السودان وباكستان وبنغلاديش ونيجيريا وسوريا. وبذلك تمثل نسبة السكان المهاجرين إلى المواطنين الإيطاليين في القرية، النسبة الأعلى مقارنة بقرى وبلديات إيطاليا. وفي الوقت ذاته، أدى وجود المهاجرين إلى تسليط الضوء على القرية وجمعية “يوروكوب”، خاصة من قبل المنظمات والمتبرعين. لذا تمكنت الجمعية التعاونية من توظيف 18 شخصاً، وافتتحت العديد من ورش العمل الحرفية التي يعمل فيها المهاجرون، مثل الخزف والنجارة وصنع الملابس والفنون.

لن يحتاج زوار هذه القرية سوى بضع دقائق حتى يلاحظوا تواجد المهاجرين فيها، ومدى اندماجهم مع جيرانهم الإيطاليين والعكس. تحيات “بونجورنو وتشاو” تختلط مع “السلام عليكم وكيف حال”، في مشهد يبث الأمل بأن الاندماج والتعايش وتقبل الآخر، جميعها خيارات ممكنة وقابلة للتحقيق.

يقول روزاريو “أغلب من نراهم في شوارع القرية يعملون أو عملوا مع جمعيتنا. لقد نجحنا في خلق دائرة اقتصادية مغلقة هنا، والهدف بكل الأحوال هو أن ندفع هؤلاء المهاجرين ليقوموا بأنشطة قد تساعدهم في تجاوز ما عاشوه من حروب وصعوبات”.

الأم السورية أمل على سبيل المثال، تعمل خمسة أيام في الأسبوع، من التاسعة صباحاً حتى 12 ونصف ظهراً، ثم تعود إلى بيتها. وتتقاضى راتباً شهرياً بين 500 إلى 600 يورو. وتقول “في سوريا، كنت ربة منزل، ولم أتخيل أنني يوماً ما سأقوم بالخياطة لجني المال، لكنه اليوم نشاط أساسي من يومي، لإعالة أسرتي، وللتعرف على أشخاص جدد”.

من الممكن أن يكون اسم رئيس بلديتنا محمد في المستقبل. ما المشكلة في ذلك؟”

يجلس بينو ألفارانو رئيس بلدية كاميني في مقهى القرية، بملابس غير رسمية وحقيبة كتف، يراقب حركة السكان ويتبادل التحيات معهم. ويقول “في الماضي، كان الناس في هذه الساحة يتحدثون لغة واحدة (الإيطالية)، الآن نسمع العديد من اللغات، معظمها لا نفهمها، لكننا نحاول أن نتواصل بالإشارات وبعض الكلمات. المهم أننا نتعايش ونستوعب الاختلاف”.

وعادة ما يتم توجيه بعض الانتقادات لنموذج قرية كاميني، خاصة فيما يتعلق بنظرية “الاستبدال العظيم”، وأخذ المهاجرين مكان المواطنين الأصليين في المجتمعات. ورداً على هذه الانتقادات، يقول ألفارانو “يتم اتهامنا بأننا نقدم للمهاجرين أكثر مما نقدم للإيطاليين، لكن العديد من الإيطاليين ببساطة لا يريدون الانخراط في المجتمع، ويريدون أن يبقوا منعزلين. على أي حال، لست قلقا بشأن ضياع ثقافتنا، فعدد الإيطاليين دائما ما سيكون أكثر من المهاجرين، وأطفالهم الذين يصلون إلى هنا، يتعلمون عن ثقافتنا من خلال المدرسة، ويأخذون من قيمنا وثقافتنا. من يدري، ربما يوما ما سيكون اسم عمدتنا محمد، ما المشكلة في ذلك؟”.

لا يخفي المهاجرون في كاميني شعورهم بالعزلة والملل، خاصة بعد انقضاء فصل الصيف وخلو القرية من السياح. يقول حسيد يوكاري، وهو شاب باكستاني عمره 17 عاماً، هاجر مع أسرته إلى إيطاليا في 2014، إن “حياتنا هنا جيدة، والداي يحبان الطبيعة. لكننا نواجه مشكلة فيما يتعلق بالمواصلات، فالحافلات لا تأتي كثيراً إلى قريتنا، وعندما يكون هناك مواعيد لدى المحافظة لتجديد إقامة والدي، يضيع يوم كامل في المواصلات والإجراءات”.

وفيما يتعلق بحياتهم اليومية، تقول أمل “زوجي لا يعمل، ويشتاق لعمله القديم في مجال البناء، لكنه لا يستطيع ذلك صحياً، لذا ما نجنيه أنا وابني (الذي يعمل في ورشة السيراميك) يشكل مصدر دخلنا الوحيد، بالإضافة إلى بعض المساعدات من الدولة”.

وأضافت “الحياة هنا مملة، خاصة للأطفال، والتنقل صعب جداً، حتى للذهاب إلى المدرسة يستغرق الطريق نحو ساعة في الحافلة. لكن على كل حال نحن هربنا من الحرب، وأنا فقدت أمي وأخي في قذيفة واحدة في سوريا، لذا أقدر الشعور بالأمان الذي أعيشه هنا. لا أشعر بأي خوف إذا غادرت بناتي المنزل في ساعة متأخرة، ولا وجود لأي خطر حولنا. الطبيعة الاجتماعية للقرية قريبة من مجتمعاتنا، الأبناء يعتنون بآبائهم، والأجداد يعيشون في بيت واحد مع الأبناء والأحفاد. لكن وعلى الرغم من كل هذا لا زلنا نشتاق إلى سوريا، ولا أستطيع أن أتخيل أن أبقى طيلة حياتي هنا. أملي الوحيد هو أن يحظى أبنائي بمستقبل أفضل

نقلاً عن موقع المهاجر نيوز

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.