الكومبس – منوعة: تصدر مسلسل “الحشاشين” قائمة أكثر المسلسلات العربية إثارة للجدل في شهر رمضان، وعلى عدة مستويات: دينية-طائفية، وسياسية-سلطوية، وليس انتهاء بجوانبه الفنية. فلماذا اثار كل هذا الجدل؟
بعد مرور أسبوعين لا يزال المسلسل الرمضاني المصري “الحشاشين” من بين أكثر المسلسلات متابعة وإثارة للجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويتناول المسلسل سيرة حسن الصباح الذي ولد في القرن الحادي عشر وأسس طائفة دينية متشددة عرفت تاريخياً باسم “الحشاشين” اتخذت من قلعة ألموت الجبلية في إيران بالقرب من بحر قزوين معقلاً ومن اغتيال معارضيها منهجاً.
“الاقتراب من مناطق حساسة”
الشاعر والإعلامي السوري علي سفر رصد “ردود فعل” غير مرحبة بالمسلسل من قبل عدد غير قليل من أبناء طائفته، الإسماعيلية. ويرى أن تلك الحساسية “مبررة وليست مفرطة”: “هناك أعمال سابقة تناولت قصة الحشاشين كفيلم Assassin’s Creed’’ وعدة روايات أشهرها ’سمرقند’ لأمين معلوف، ولكن الفرق بيّن وواسع بين أن يتم التعاطي مع القصة كبؤرة خيالية كما في المثالين المذكورين، وبين استخدامها من أجل تثبيت وجهة نظر سياسية راهنة من خلال محاولة تركيب صورة النزاريين (الحشاشين) السابقين الذين خاضوا صراعات عنيفة مع الآخرين، الذين لم يكونوا أقل عنفاً بالمناسبة، على الحركات الجهادية الحالية التي توغل في العنف، من أجل تغذية سرديات سلطوية راهنة”.
والحشاشون هم فرقة نزارية باطنية من فرق الطائفة الشيعية الإسماعيلية. ودخلت الفرقة في عداوات ومعارك مع الخلافتين العباسية والفاطمية، ومع السلاجقة والأيوبيين والصليبين وغيرهم. واستمرت من القرن الحادي عشر للميلاد حتى القرن الثالث عشر قبل أن تنتهي على يد المغول في بلاد فارس ومن ثم على يد المماليك في بلاد الشام.
ويؤكد علي سفر في تصريح لـ DW عربية على ضرورة صون الحرية الفكرية والفنية، ولكن مع التأكيد على حقوق الجماعات ومفاهيم المواطنة: “المنطقة كلها تخضع لأجواء متوترة وعسف وغياب للعدالة والمحاسبة، ومن هنا فأي كلمة قد تفجر صراعات بين الجماعات والطوائف”. ويطالب سفر مؤسسة الآغا خان بالتوعية بالحقائق التاريخية، وكذلك الاشتغال على أعمال فنية تقدم سردية مختلفة، وتشجع على الأفكار السلمية والديموقراطية.
إسقاط على الإخوان المسلمين
فور بدء عرض المسلسل بدأت عدة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة في مصر، تجري مقارنات بين الإخوان المسلمين والحشاشين. ومن ثم احتدم النقاش ودخلت أصوات إعلامية على الخط:
والسبت (23 آذار/مارس 2024) ظهر مقال بقلم دنراوي الهواري في الموقع الإلكتروني لصحيفة اليوم السابع تحت عنوان: “الإخوان والحشاشين بين «مقر المقطم» أعلى مكان بالقاهرة.. وقلعة ألموت الشاهقة!”. وصحيفة اليوم السابع مملوكة لـ “المتحدة للخدمات الإعلامية” والتي تعود ملكية الشركة المنتجة للمسلسل، سينرجي للإنتاج الفني، لها.
وربط البعض “تمصير” العمل بشكل جزئي، أي استخدام اللهجة المصرية بدل العربية الفصحى، أمر مقصود لكي تصل رسالة العمل إلى المواطن المصري العادي بالدرجة الأولى، قبل العربي. ومنهم أحمد سعد زايد، وهو صانع محتوى يتابعه على فيسبوك أكثر من 186 ألف مستخدم وعلى قناته على يوتيوب التي يعرف بها بأنها “قناة معنية بالتنوير الفكري والثقافي وهي محاولة للتفكير الموضوعي العقلاني معاً” زهاء 168 ألف مستخدم. “الهدف من استخدام العامية المصرية ضرب عصفورين بحجر واحد: تحقيق شعبية للمسلسل بين المصريين وإيصال الأفكار التي يسعى إليها صانعوه” على حد تعبيره في تصريح خاص لـ DW عربية. ويعتقد صانع المحتوى الشهير أن “المسلسل لم ينجح بربط الإخوان المسلمين بالحشاشين في أذهان المتابعين إلا بحدود ضيقة”.
وماذا عن أداء الممثلين؟
غير أن البعض رأى سبباً آخر للجوء إلى العامية المصرية كمحمد فاروق، الذي عرّف عن نفسه في صفحته على فيسبوك بأنه محلل فني وعضو نقابة المهن السينمائية، ويتابعه 70 ألف مستخدم:
وجاءت كلمات مقدمة المسلسل من أشعار عمر الخيام كما حملت بعض الحلقات أجزاء من رباعياته الشهيرة. بيد أن المسلسل لم يوفق في إظهار شخصية الخيام بأبعادها العلمية والفكرية والفلسفية فضلاً عن الشعرية. وجاءت شخصيته باهتة إلى حد ما. ويرى أحمد الكعبي الذي يعرف عن نفسه بأنه طبيب أسنان وشاعر ورسام وله حوالي 140ألف متابع على فيسبوك:
كما طالت انتقادات أداء البطل الرئيسي للعمل كريم عبد العزيز، من حيث “غياب الطاقة عن أدائه وخاصة عن عينيه”. وفي المقابل أشاد كثيرون بأداء فتحي عبد الوهاب، الذي مثل دور الوزير السلجوقي نظام الملك.
صورة متميزة وإنتاج سخي
ويعد المسلسل الذي استغرق تصويره والإعداد له نحو عامين هو الأضخم تكلفة في المسلسلات المصرية خلال شهر رمضان هذا العام؛ إذ تقدر تكلفة إنتاجه بمئات الملايين من الجنيهات واشترك فيه عدد من النجوم العرب من مصر وسوريا ولبنان. وقالت سمية أحمد الباحثة في الفلكلور الشعبي إن العمل مبذول فيه جهد كبير على مستوى “الملابس والديكورات والبحث التاريخي”.
لكن المسلسل لم ينل إعجاب البعض. وكتب صاحب صفحة على فيسبوك يتابعها حوالي 40 ألف مستخدم:
وتتقاطع عدة محاور في المسلسل لمؤلفه عبد الرحيم كمال والمخرج بيتر ميمي مع رواية ’سمرقند’ لأمين معلوف، دون أي إشارة من الكاتب للرواية.
رمي حجر في المياه الراكدة؟
كانت النقطة الأكثر إيجابيه من وجهة نظر عدد من النقاد هي التفاعل الواسع في حد ذاته، خاصة من الفئات العمرية حديثة السن. وقال جورج أنسي الصحفي بمجلة “صباح الخير”: “حالة الجدل التي أثارها، حتى الآن، مسلسل (الحشاشين) في الشارع المصري والعربي تعلن بما لا يدع مجالا للشك وجود فوائد أخرى للدراما التاريخية”. وأضاف “نجد أن هذا العمل فجر داخل عدد لا بأس به من المتابعين الرغبة في البحث عن حقيقة هذه الطائفة التي ذاع صيتها قبل أكثر من ألف عام”. وأكد أُنسي أن “أحد أهم وظائف الدراما التاريخية، خاصة، والفن والثقافة بصفة عامة، هي إثارة الأسئلة وفتح باب الحوار المجتمعي، ومن ثم تشكيل الوعي العميق وسؤال المتخصصين وبذل الجهد للوصول إلى قناة أو رؤية ذاتية حول الكثير من أمور تاريخنا”.
وقال أحمد عصمت استشاري تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي إن المسلسل وشخصياته أثاروا حالة واسعة من النقاش والبحث. وأضاف “لو أن المسلسل دفع الناس للقراءة والبحث وتكوين وجهات نظر خاصة بها، بغض النظر عن مدى صوابيتها، فهذا في حد ذاته إنجاز للمسلسل، إنه أعاد الناس للقراءة وتنمية الوعي، والتمييز بين العمل الدرامي والأحداث التاريخية، والتعرف على جغرافية العالم قديما وكيف تغيرت، وقيام وزوال ممالك ودول”.
خالد سلامة
ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW