ألمانيا

مواطن ألماني يقيم في مسكن للاجئين منذ 3 سنوات لفشله في إيجاد شقة

: 9/10/23, 6:39 AM
Updated: 9/10/23, 6:39 AM
Foto Janerik Henriksson / SCANPIX 
TT
Foto Janerik Henriksson / SCANPIX TT

قد تبدو قصته للوهلة الأولى كأنها نكتة مضحكة، لكنه واقع مرير يعيشه اليوم المهاجرون واللاجئون على حد سواء مع الألمان. أزمة السكن صارت سببا ليعيش مواطن ألماني في مأوى للاجئين لمدة ثلاث سنوات، بعدما فشلت محاولاته الـ 600 لإيجاد شقة. فكيف يتجاوز المهاجرون واللاجئون صعوبات لم يتغلب عليها أهل البلد؟

هارالد ميلتر، رجل ألماني يبلغ اليوم من العمر 65 عاما، صار نزيلا بمأوى للاجئين منذ ما يناهز 3 سنوات بمدينة هامبورغ. لم يتخيل أن تكون هذه مرحلة من مراحل حياته في بلده بعد 35 عاماً من العمل. نشأ ميلتر وترعرع في فيلهيلمسبورج، وهي منطقة للطبقة العاملة في جنوب هامبورغ.

مقابل 540 يورو، تمكن من السكن في غرفة مساحتها 15 متراً مربعاً، تحتوي الغرفة على سريرين وخزانتين وطاولتين وكرسيين. ويتقاسم الحمام والمطبخ مع ثلاثة أشخاص آخرين. يشتكي كثيرا من قلة النوم، فجدران المبنى رفيعة وتسمح بوصول ضوضاء الجيران بسهولة. يحكي ميلتر عن معاناته في محاولة إيجاد شقة قائلا “لقد زرت 600 شقة، رفض طلبي أصحاب بعضها، ولم أتلق أي رد على الإطلاق من الباقيين”.

ميلتر ليس الألماني الوحيد!

كان هارالد يعمل بشركة في مجال تكنولوجيا المعلومات حتى تم فصله لأسباب لم يفصح عنها، إلى غاية سنة 2020، كان يقطن في شقة مكونة من غرفتين (49 مترًا مربعًا)، لكن كان قد غادرها مضطرا لمدة تسعة أسابيع، قضاها بمركز لإعادة التأهيل بسبب مرضه: التهاب المفاصل الروماتويدي، بعدما خضع لخمس عمليات جراحية في ركبته اليسرى واثنتين في ركبته اليمنى.

عندما كان في العيادة، طرأت مشاكل في حسابه البنكي، ولم يتمكن عملاء البنك من الوصول إليه ولم يتم بذلك خصم الإيجار. عندما عاد إلى المنزل، كانت أغراضه قد اختفت وتم استبدال قفل الباب. حينها قرر قسم طوارئ الإسكان أن يجعله من نزلاء منشأة Sieversstücken الواقع في هامبورغ-سولدورف، وهو مبنى بمساحة شاسعة تتسع لـ 695 شخصًا، تديره شركة خدمات اجتماعية في المدينة. وفيها يعيش طالبو لجوء ومهاجرون من 47 جنسية، إضافة إلى 81 شخصا ألمانياً.

أزمة سكن حادة!

صدرت في السابق توقعات بأن يصل نقص السكن في ألمانيا إلى 700 ألف وحدة سكنية بحلول عام 2025، واعتبر الخبراء أن هذه ستكون أسوأ أزمة سكنية يشهدها البلد خلال 20 عامًا الأخيرة. وكانت حكومة المستشار أولاف شولتس قد تعهدت ببناء 400 ألف مسكن سنويا بهدف الحد من أزمة السكن في ألمانيا.

لكن الإحصائيات الرسمية الأخيرة تشير إلى أن الحكومة قد أخفقت في تحقيق هذا الهدف رغم تأكيدها على أهميته. فخلال العام الماضي 2022، تم بناء أقل من 295 ألف مسكن فقط، وقد أدى تراجع بناء المساكن منذ عام 2008 إلى ظهور فجوة كبيرة بين العرض والطلب، وصار أحيانا يتنافس أكثر من 150 شخص للحصول على شقة فارغة في ألمانيا.

يؤدي التنافس الشديد على الشقق والمساكن الأخرى إلى انتعاش سوق المضاربات، فالأزمة أظهرت حالات تدفع فيها مبالغ تصل إلى 5000 يورو كرشوة للتمكن من الحصول على شقة، أو مبالغ طائلة للسماسرة لجعل الزبون يحصل على عقد الكراء.

حدة المشكلة ترتفع بسبب تدفق ملايين اللاجئين من بلدان كثيرة على رأسها سوريا وأوكرانيا وأفغانستان، لكن هذه الفئة لا تواجههم فقط مصاعب مرتبطة بقلة العرض في سوق الإسكان، بل تشير الدراسات إلى أن التمييز العنصري هو مشكلة شائعة أيضا، إضافة إلى شروط بيروقراطية تعجيزية أخرى.

مؤمن، شاب عراقي عاش في أوكرانيا ما يزيد عن عشر سنوات، بعد اندلاع حرب روسيا على أوكرانيا بداية العام الماضي، غادر إلى جانب زوجته وابنته غادر منذ 10 مارس/آذار 2022 مدينة خاركيف وأتوا لاجئين إلى ألمانيا. يقول “اخترت القدوم إلى ألمانيا لأنني سمعت أنها تقدم أفضل استقبال للاجئين، لكن أول صدمة لي كانت مشكلة السكن”.

منتصف شهر يناير/كانون الثاني 2023، تقرر إفراغ مركز الحاويات “غورد”، في بروهدام ضواحي برلين من سكانه، ومن بين السكان كان مؤمن وأسرته، الذي حكى في مقابلة سابقة مع مهاجر نيوز قائلا “لم يخبرونا بالقرار إلا أسبوعين قبل تنفيذه، بحثت عن سكن قريب وأرسلت مئات الطلبات منذ وصولي إلى ألمانيا لأصحاب المنازل لأكتري منزلا خاصا لأسرتي، لكني لم أتلقى أبدا ردا إيجابيا”.

كانت الأسرة حينها أمام خيارين فقط، إما الإقامة بفندق في ساحة ألكسندر ببرلين، وهو بعيد عن المدرسة التي يدرسون اللغة الألمانية فيها، وأيضا عن حضانة ابنتهم، أو العودة لمطار تيغل المكتظ والبعيد أيضا والذي لا يوفر خصوصية لقاطنيه. يقول مؤمن اليوم “لإيجاد سكن كان يلزمني عقد عمل، وبدون اللغة الألمانية، التي كنت بصدد تعلمها لم يقبل أحد تشغيلي. لقد كانت متاهة أنهكتني وأسرتي”.

قرر مؤمن، شهر أبريل/نيسان المنصرم، العودة إلى أوكرانيا رفقة زوجته وابنته، إلى بلد حيث الحرب ما تزال مشتعلة. يقول “لم نجد سكنا نهائيا وكثرت المشاكل، بعد نفاذ كل الحلول للاستقرار في ألمانيا، قررت العودة”.

وأضاف المتحدث قائلا “صحيح أن الأوضاع هنا غير آمنة والقصف مستمر لكن على الأقل لدينا بيت خاص يأوينا، المعيشة رغم الوضع السيء في أوكرانيا أفضل من الخضوع لكل تلك الشروط في ألمانيا، والعيش في ضغط البيروقراطية وعدم الاستقرار”.

ماجدة بوعزة

مهاجرنيوز

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.