المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: -ملاحظة: “هذه المقالة كُتبت قبل وقوع زلزال تركيا سوريا الأليم، وقد ردمتها في طي النسيان احتراماً لدماء الضحايا وتعاطفاً مع مصابهم الجلل الذي تصدر “واجب ذلك الوقت”، لكن إعادة إقحام قضية احراق المصحف الشريف في مفاوضات انضمام السويد لحلف الناتو انتشلها من تحت أنقاض الماضي.”
-عاجل: “متطرف سويدي يُقْدِم على حرق نسخة من المصحف الشريف في تظاهرة أمام السفارة التركية في ستوكهولم”.
في مطلع العام الماضي تصدّر هذا الخبر العاجل معظم العناوين الاخبارية العربية والإسلامية الرسمية، وانتشر فيها وبينها كالنار في الهشيم، واذا قَلَبْت تلك المواقع الاخبارية الرسمية حينها رأسا على عقب فلن ينسكب معك حينها سوى هذا الخبر اللزج.
إن الخبر في شطره الاول عادي نسبيا، وقد ألِفته أسماعنا من كثرة تكراره، فقد أقدم المتطرف سيئ الذكر على حرق المصحف الشريف عدة مرّات قبل ذلك، وقد اقترف أشباههُ حول العالم ذات الجريمة مئات المرات من قبل، وقد خرجت الشعوب حينها بالالاف غضبا على اهانة رموزها، ناهيك عن دعوات النصرة والمقاطعة التي صاحبتها، وصولا الى بعض احداث العنف التي شابتها او فلنقل شوّهتها، ومع ذلك فقد وقف ساسة العالم الاسلامي وقتها موقف المتفرج على ذلك المشهد، باستثناء بعض عبارات التنديد والاستنكار النادرة والتي يتقنها كل ضعيف، فلماذا استفاقت الدول العربية والاسلامية بحكامها وإعلامها اليوم؟ ما الذي تغيّر هذه المرّة؟
أم لعل الجديد في هذا الخبر العاجل هو في شطره الثاني وتحديدا مكان حرق المصحف؟ منذ متى يلتفت ساستنا لصراخنا؟، منذ متى يستجيبون لآهاتنا؟، هل هي فعلا حُرمة مصاحفنا المُقدسة؟ أم هو حَرَم سفاراتهم المُتكلّسة؟ ام لعل هناك مصلحة ما، تختبئ وراء الاكمة؟
لقد بُحّت اصوات المسلمين وهم يستجدون قاداتهم بعد كل حادثة تهان فيها مقدساتهم، وقد نبت (الشوك) على ألسنتهم وهم يطالبون ساساتهم بالتحرك وتحمُّل مسئولياتهم، ولكن وللاسف لا حياة لمن تنادي وإن شئت فقل “لا حياء لمن تنادي”، فقد أداروا ظهورهم لكل تلك النداءات.. ماذا حدث الان؟ ما الذي تغير؟، هل هي استفاقة متأخرة لضمائرهم؟.
بالتزامن مع جريمة حرق المصحف الشريف الاخيرة استشهد 9 فلسطينيين على يد قوات الاحتلال، واستشهد 90 باكستاني في تفجير ارهابي في احد مساجد بيشاور، ناهيك عن الاف الجوعى والمشردين في اليمن وسوريا والعراق وغيرها، وقد مرت أخبارهم من امام ساستنا الاجلاء -وكالعادة- مرور الكرام، فلماذا لم تُحرك دماء الابرياء فيهم ذات النخوة وتلك الحَمِيّة؟
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نظر إلى الكعبة يوما وقال: (ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك) رواه ابن ماجه.
وقبل ان يتشدق متشدق ويفهم من مقالتي انني اقلل من فظاعة جريمة حرق المصحف، اقول له عليك “إعادة ضبط المصنع الموجود في إعدادات عقلك ثم إعادة تشغيل فهمك”، جُل ما في الامر هو انني أربأ بك ان تجعل من نفسك حجرا على رقعة شطرنج يحركه كل من هب ودب لمصالحه الخاصة، ثم يتركك بعد ذلك منكفئا على وجهك على ذات الرقعة منتظرا من يلعب بك من جديد -لا مؤاخذة- وذلك بعد ان استنفذ منك كل مراده -بلا قافية.
ولكي اكون معكم اكثر صراحة ومع ساساتنا اكثر وقاحة.. ساختصر لكم مقالتي في عبارة واحدة:
إياكم أن تثقوا بالسياسيين!
ليس لانهم يكذبون كما يتنفسون، وليس لأنهم متلونون كالحرابيّ فحسب، ولكن لان مصالحهم فوق كل اعتبار وهي من تحركهم، فإن تقاطعت مصالحهم مع الشياطين تحولوا الى أبالسة او بالاحرى (ظهروا على حقيقتهم)، وان تقاطعت أجنداتهم مع مشاعر شعوبهم استغلوها حتى آخر رمق وعصروها حتى آخر قطرة.
من المعلوم ان الساسة يسعهم ما لا يسع عوام الناس، فالكذب والتحايل والاستغلال واقتناص الفرص هي وسائل مشروعة في عرف السياسيين، اما الاخلاق والمبادئ والثوابت والدين والمُقدسات هي مجرد عقبات تعرقل تقدمهم، والفطِن في عُرفهم هو من يحوّلها الى ادوات للوصول الى اهدافه، والعبقري في نظرهم هو من يقنع العوام انه حامي حمى هذه المبادئ والثوابت وحتى الدين، بل ويجعلهم يستميتون في الدفاع عنه وعن اهدافه بعد ان يوهمهم انهم يدافعون عن اوطانهم ودينهم ومقدساتهم، ثم ليمتطي بعدها ظهورهم للوصول الى مبتغاه.
“اننا ننتخب السياسيين لينفذوا لنا مطالبنا، لا لننفذ أجنداتهم”
إن إقحام السياسيين -كل السياسيين- “للمصحف الشريف” في مناكفاتهم السياسية، تكاد تُصيبني بالقيء والغثيان، إذ تفوح منها رائحة الاستغلال وركوب الموجة والاصطياد في الماء العكر وحتى السباحة في المستنقع القذر.
السياسيون.. قبل و بعد
فترى السياسيين في السويد مثلا والذين كانوا بالامس يصفون جريمة حرق المصحف الشريف بحرية التعبير، هم ذاتهم من يصفونها اليوم بالعمل الاخرق المناهض للفكر، وذلك بمجرد التلويح لهم بحرمان السويد من عضوية الناتو. فبعد تداعيات جريمة حرق المصحف الاخيرة على تحالف الحكومة السويدية الهزيل، سارع زعيم العنصريين فيها وكبيرهم الذي علّمهم التطرف جيمي أوكيسون بالقول: “أعتقد بأن حرق الكتب عمل أخرق ومناهض للفكر، لن أحرق الكتب أبداً ولن أحث أي شخص على حرق الكتب. (المصدر:الكومبيس)“
أمّا في اقاصي الغرب فقد خرجت علينا وزارة خارجية الدولة التي كانت في طليعة الدول التي دنست المصحف الشريف على ايدي محققيها في معتقل غوانتانامو في العام 2005، والدولة التي هدمت وما زالت تهدم المساجد على رؤوس الركّع السجود في العراق وافغانستان، خرجت علينا وزارة الخارجية الامريكية في ثوب الحمل الوديع، وببيان ينضح بالتملّق مفاده: “ان حرق كتب تعد مقدسة لكثيرين هو عمل مهين وبغيض ومثير للاشمئزاز. (المصدر:الكومبيس)“
أما في أقصى الشرق فقد استيقظ الدب الروسي الذي سوّى سوريا وافغانستان بالارض، وأباد شعوباً عن بكرة أبيها،لينضمّ الى حفلة المتصيدين في الماء العكِر، حيث صرّحت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي: “نطالب أعضاء البرلمان الأوروبي بإدانة علنية لأعمال تدنيس وانتهاك القرآن في السويد ، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الأفعال.”(المصدر: وكالة تاس)
أما في دولنا العربية والاسلامية، والتي من المفترض ان هذه القضية تمسهم بشكل مباشر، ففي الوقت الذي استمر فيه قادتنا وكعادتهم بإصدار إداناتهم الخجلة، نجد أن الساسة الاتراك قد كسروا تلك القاعدة هذه المرّة في خطوة يمكن وصفها بغيرالمعتادة، فقد كشّروا عن انيابهم بعد ان عوّدونا على استعراض (اضراس عقولهم) ناصعة البياض في كل مرة كان يحرق فيها المصحف الشريف.. لماذا الآن؟ ما الذي تغير؟
هل تذَكّروا فجأة وبعد عقود من السلبية المقيتة ان القرآن الكريم هو كتاب مُقدس؟، أم أن كرامتهم أو سفارتهم (نقَحَت) عليهم هذه المرة؟، أم لعلهم اكتشفوا ان المصحف الشريف يمكن ان يكون ورقتهم الانتخابية الرابحة والمضمونة في الانتخابات الرئاسية في شهر مايو الحالي؟، ام لعلهم يضربون (بحجر) المصحف الشريف عصفوراً آخر فيستخدمونه كورقة ضغط للحيلولة دون دخول السويد الى حلف الناتو وذلك تلبية لإملاءات الحليف الروسي؟
هل لو تم سن قانون يجرم اهانة المصحف الشريف في السويد، وبعد (انتهاء الانتخابات الرئاسية التركية تحديدا)، هل ستوافق الحكومة التركية حينها على انضمام السويد للناتو؟ أنا شخصيا أشك في ذلك، لانني ارى وببساطة أن تركيا -ومن خلفها روسيا- (بتتلكّك) للسويد، ولو ان السويد اوقدت للأتراك اصابعها العشرة شمعاً فستظل تركيا كالشوكة مغروزة في حلقها، هذا طبعا حتى تأخذ الضوء الاخضر الروسي أو تتلقّى الضوء الأحمر الامريكي، وهذا ما بدا واضحا وجليا مع تسلسل الاحداث، ابتداء من المطالبة بتسليم مطلوبين لتركيا ومرورا بأزمة “دمية اردوغان” وليس انتهاء بجريمة حرق المصحف الشريف..
ان غيرة الساسة -كل الساسة- المفتعلة على المصحف الشريف ليست هي من تقود ضمائرهم، هناك يد خلف الكواليس هي من تحرك كل تلك الدُمى لمصالحها الخاصة.
“ألمح وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو إلى أن روسيا قد تكون متورطة في مظاهرة حرق القرآن. (المصدر:الكومبيس)”
لا تجعلوا من مقدّساتنا اوراق للمساومة!
ان اقحام قضية المصحف الشريف في مفاوضات انضمام السويد لحلف الناتو يضعنا امام اكوام من علامات الاستفهام، فهل يستخدم الساسة الاتراك المصحف الشريف كورقة ابتزاز ام يستخدمه الساسة في السويد كورقة للمساومة؟
قد يقول قائل: لماذا لا ننظر للامر من زاوية مغايرة؟ ما الضير لو جعلنا من “انضمام السويد لحلف الناتو” ورقة ضغط للوصول الى هدف نبيل وهو “اصدار قانون يجرّم إهانة المصحف الشريف”؟
والحقيقة أن مجرد التفكير بهذه الطريقة هو ضرب من التهور الاخلاقي وحتى الاعتقادي، فإن جعلك من المصحف الشريف ورقة للمساومة السياسية لا يقل بشاعة عن حرقه، فإذا قبِلنا ان نجعل منه ورقة للمساومة اليوم، سيأتي غدا من يساومنا على مساجدنا ومصلياتنا وحجاب نسائنا لندخل حينها في دوامة لا نهاية لها من الابتزاز والمساومات، وإن مجرد القبول باقحام احد مقدساتنا في مفرمة المساومات السياسية، لهي سابقة خطيرة لها ما بعدها، وسنة سيئة سيستغلها كل من هب ودب على هذا الكوكب.
قيل قديماً: “إذا أظهرت لعدوك نقاط ضعفك، فلا تبكِ إن اعتاد على مسكك من يدك التي تؤلمك!”.
ان قداسة المصحف الشريف فضلا عن كونها قضية مقدسة وعادلة، إلا أنها قضية مركزية مستقلة بحد ذاتها، ويجب ان تبقى بعيدةً عن المناورات والمناكفات والمساومات، ومن الخطأ مقايضتها بقضايا اخرى خصوصا السياسية منها، إذ يجب ان تحتفظ ببعدها الانساني والاخلاقي والديني.
فكّر قبل ان تتهوّر!
إن الاستفادة من حالة الفوضى السياسية والعسكرية التي تمر بها السويد لانتزاع قانون يُنصف “المصحف الشريف” هي في الحقيقة خطوة ذكية ولكن في رُبع كوبها الممتلئ ، أما فيما تبقى من الكوب فهو ينضح بالمجازفات غير المحسوبة والتي غابت عن اذهان الكثيرين وخاصة على المستوى المحلي.. اذكر منها:
1 – ان تصدر تركيا للمشهد وانفرادها به بعيدا عن باقي الدول الاسلامية وحتى المجتمع الدولي، سيقزّم قضية “المصحف الشريف” العادلة ليعطيها طابعا قوميا وحتى تنظيميا وسينزعها من عمقها الاسلامي وحتى الانساني، والمشكلة لا تقف عند هذا الحد، ولكنها تكمن ايضاً في ان اسم تركيا (بسلطتها الحالية) شئنا ام ابينا مرتبط في النظرة السوداوية السويدية بالاسلام السياسي والتطرف الديني والسلطة الديكتاتورية والانتهازية السياسية، ناهيك عن ارتباط اسم تركيا (بالبعبع) الروسي الذي يتربص بالسويد وشعبها، وبغض النظر عن صحة هذه النظرة من عدمها الا ان الاعلام السويدي رسخها في الرأي العام في السويد حتى باتت من المسلّمات، لذلك فإن تصدر تركيا لمشهد (الدفاع) عن المصحف الشريف سيعقد المسألة.
2 – ان الشعب السويدي بغالبيته يتوق للانضمام لحلف الناتو، وذلك بسبب شبح الحرب الذي يلوح في الافق، وان مجرد مقايضتهم عليها مع اي قضية اخرى حتى وان كانت عادلة، سيعتبر بمثابة ابتزاز رخيص في نظر الشعب السويدي، وسيأتي بنتائج كارثية، وسنخسر بسبب ذلك مجموعة لا يستهان بها من الاصوات الداعمة لقضايانا داخل السويد، سيما انه سيربط اسم “المصحف الشريف” في العقل الجمعي السويدي بِحرمان السويد من حلمها في الانضمام لحلف الناتو الى الابد.
3 – ساذج من يظن ان السويد ستغير قوانينها بسبب الضغوط الخارجية، اولئك ما زالوا يعييشون في حقبة القرون الوسطى او في الدول السلطوية، وعقولهم لا تستوعب استقلالية المؤسسات وفصل السلطات في النظم الديمقراطية، وتركيا تدرك ذلك جيدا فساستها يدّعون انهم لاعبون محترفون على رقعة اللعبة الديمقراطية، مما يعني ان الساسة الاتراك ليس في حسبانهم أساساً اصدار اي “قانون يجرم اهانة المصحف الشريف” في هذه المرحلة على الاقل، انهم حين لوّحوا بورقة “المصحف الشريف” انما كانوا يسعون لدفع السويد الى طريق مسدود فحسب.
.. للمصحف رب يحميه
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يجب ان يظل “المصحف الشريف” كلئًا مباحا لكل من هب ودب؟ هل كُتب علينا ان نتلقى اللكمات تلو الاخرى على حلبة هذه الحياة ونحن صامتون؟ أليست هناك نهاية لهذه المتاهة؟.
قبل الغوص عميقا في محركات البحث عن الحل، يجب ألا ننسى في خضم الصراع السياسي المحتدم ان قضية القرآن الكريم ستبقى قضية عادلة مهما استغلها المتصيدون او اهملها المتخاذلون، ويجب ان نتذكر أيضاً بأن السفهاء لن ينقرضوا من على ظهر هذا الكوكب، إذ يوجد على وجه البسيطة اكثر من 200 دولة ويعيش فيها قرابة ال 8 مليار انسان، وان الالتفات لكل متهور على هذه الارض هو ضرب من الجنون، وان ملاحقة كل دولة على حدة لاجبارها على صياغة قوانين مُفصّلة على مقاسنا الخاص هو ضرب من الاستعداء.
ان الطريق الى استصدار قانون يجرم اهانة المقدسات طويل وشاق وهو ذو بعدين، فعلى المستوى الدولي يتطلب الامر من قادة العالم الاسلامي حشد التأييد العالمي سعيا لاستصدار اتفاقية دولية تجرّم اهانة المقدسات وخصوصا الاسلامية منها، والطريق الى هذا الحل يحتاج الى حنكة وصبر وتضحية، لكنه فعال ومضمون، ليس لان هذه القضية عادلة وانسانية فحسب، ولكن لان هذه القضية تمس كل الدول في هذا العالم، وتساهم في ترسيخ السلم والاستقرار الدوليين، اما على المستوى المحلي فمسؤليتنا مضاعفة، فهي تقع على عاتقنا جميعا افرادا وجماعات، كالجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية والصحافة والاعلام والاحزاب، واستخدام جميع الوسائل القانونية المتاحة بحكمة وروِيّة وحِرفيّة.
ان اعتمادنا كمسلمين سويديين على غيرنا لحل مشاكلنا الداخلية، انما هو تهرُّب من مسئولياتنا وسلبية مقيتة لن ينساها لنا التاريخ، وتزداد وصمة العار اتساعا حين نلجأ لدولة خارجية -حتى وإن كانت مسلمة- لابتزاز السويد لإجبارها على استصدار قانونٍ محلي حتى وان كان انسانياً، فنحن بذلك نتجاوز كل الاعراف والاخلاق الوطنية والدولية، ولو أننا فعلنا ذات الفعلة في (أوطاننا الام) لاتُّهمنا “بالخيانة العظمى” من قِبل ابناء جلدتنا وانظمتنا الديكتاتورية.
ان بعض المسلمين في السويد، نسوا او تناسوا انهم ايضا مواطنون في هذا الوطن، وان اي ضرر سيلحق بالسويد جراء حرمانها من الانضمام لحلف الناتو او حتى دعوات المقاطعة ، سيُلحق الضرر بهم بالدرجة الاولى وبأخوانهم من باقي ابناء الشعب السويدي سواء بسواء، واني لأقف مذهولا امام دعوات معاقبة السويد ومقاطعتها التي تصدُر من بعض ابناء السويد من ذوي أصول مهاجرة في تصرف لا يمكن وصفه الا “بالأرعن”.
وانا حقيقة لا اعلم ما هي الرسالة التي يريدون ايصالها، هل باتوا يتبنّون سياسة العقاب الجماعي التي عانوا منها في بلدانهم الأم لعقود؟، هل يعتقدون فعلا أن على السويد ان تُعاقَب “باقتصادها وشعبها وارضها” بسبب فعلة احد متهوريها؟، ام لعلهم يتملّقون لاخوانهم في الدين في العالم الاسلامي على حساب اخوانهم في الوطن خوفا من وصمهم بالتخاذل في نصرة المصحف الشريف؟، ما هو شعورهم حين يُهدَّد أمنهم بالصواريخ الروسية؟، ما هو شعورهم حين يُهدَّد قوتهم وقوت اولادهم جراء المقاطعة؟، هل يعتبرون أن الاذى الذي سيلحق بهم جراء معاقبة السويد بسبب إهانة المصحف الشريف هو مجرد تضحية بسيطة في سبيل الدفاع عن “القرآن الكريم”؟، إنهم مساكين وغارقون في أوهامهم، فقد ضلّ سعيهم وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا، انهم في الحقيقة كمن “ضحّى بالجنين وبالأم وبنفسه وبباقي افراد عائلته كي تنجح العملية”.
هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ؟
ان الصورة التي تُرسم للسويد في مخيلة العالم الاسلامي صورة قاتمة السواد، فقد نجحت حملات التشويه التي تولى كبرها مجموعة من خفافيش الظلام وأعانهم عليها سفهاء الاحلام في ترسيخ صورة مشوهة عن السويد بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع، وان واجبنا كسويديين مسلمين يحتّم علينا توضيح الصورة وتجلية الحقيقة لاخواننا خارج السويد، وليس الامعان في غشهم وتزوير الحقائق في مزايدة رخيصة من بعضنا لاثبات انتمائهم وولائهم للعالم الاسلامي.
ان واجب الوقت اليوم هو رد الجميل للسويد، ورد الاحسان بالاحسان، وان نثبت لانفسنا اولا ثم للعالم اجمع ان انتماءنا للسويد هوانتماء وطني حقيقي متجذر، واننا لسنا ضيوفا عابرين فيها، آن لنا ان نكون السد المنيع الذي يَتصدّى لحملات “التشويه” التي تتربص بالسويد من كل جانب، حتى لا يأتي يوم يُقال فيه: “ان المهاجرين أكلوا السويد لحماً، ثم رموها عظماً”.