المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: إن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية لحظة تتطلب تفكيراً عميقاً وتجديد الالتزام بالصالح العام للبشرية. ورغم أن المخاوف المطروحة بشأن استقلالية المنظمة، وإدارتها، وهيكلها المالي تُعد قضايا مهمة، فإن مسار الانسحاب يُعرض عقوداً من التقدم الجماعي والمسؤولية المشتركة عن الصحة العالمية للخطر.

الأزمات الصحية مثل الأوبئة والطوارئ الصحية تتجاوز الحدود، حيث تؤثر على جميع الناس بغض النظر عن جنسياتهم. إن الانسحاب من مؤسسة تسهّل التعاون والدعم المتبادل بين الدول يغفل حقيقة أن صحة دولة ما ترتبط بشكل وثيق بصحة الجميع. ورغم وجود بعض العيوب، فإن منظمة الصحة العالمية كانت ولا تزال ركيزة أساسية في الاستجابة العالمية للتحديات الصحية. نجاحاتها في القضاء على مرض الجدري، والقضاء شبه الكامل على شلل الأطفال، واستجابتها السريعة لتفشي أمراض مثل الإيبولا، تعد دليلًا على قوة التعاون الدولي.

باعتبارها عضواً مؤسساً في منظمة الصحة العالمية، لعبت الولايات المتحدة دوراً رئيسياً في صياغة أولويات الصحة العالمية. لقد ساهمت مواردها وخبراتها وقيادتها في إنقاذ ملايين الأرواح وبناء أنظمة صحية أقوى وأكثر مرونة حول العالم. وبدلاً من الابتعاد، فإن هذه اللحظة تمثل فرصة للولايات المتحدة لدعم الإصلاحات التي تسعى إليها داخل المنظمة، بما يضمن مزيداً من الشفافية والمساءلة والاستقلالية. هذه القيادة، القائمة على مبادئ العدالة والإنصاف، ستعزز المنظمة مع الحفاظ على قدرتها على الاستجابة للتهديدات الصحية الملحة.

كما يمكن معالجة المخاوف المتعلقة بالمساهمات المالية من خلال الحوار والإجراءات البناءة. يمكن للولايات المتحدة أن تدعو إلى إنشاء هيكل تمويلي أكثر إنصافاً يوزع المسؤوليات المالية بين جميع الدول الأعضاء. هذا النهج سيضمن استدامة المنظمة ويعزز الشعور بالملكية المشتركة بين الدول.

التحديات التي تواجهها منظمة الصحة العالمية ليست فريدة من نوعها، بل تعكس صعوبات أوسع في الحوكمة العالمية. لدى الولايات المتحدة الفرصة لإثبات أن هذه التحديات يمكن التغلب عليها من خلال الوحدة، وليس الانقسام. من خلال الاستمرار في المشاركة، يمكن للولايات المتحدة قيادة الجهود لضمان أن تعمل المنظمة ككيان شفاف وفعال ومستقل يخدم صحة وأمن جميع الناس.

إن انسحاب الولايات المتحدة لن يضعف فقط القدرة الجماعية على مواجهة الأزمات الصحية العالمية، بل سيضعف أيضاً الروابط القائمة على الثقة والتضامن بين الدول. في عالم ترتبط فيه صحة الفرد بصحة الجميع، فإن تصرف دولة واحدة يحمل عواقب هائلة لبقية العالم. ومع تاريخها الطويل في القيادة في مجال الصحة العالمية، تمتلك الولايات المتحدة الإمكانية لإلهام الأمل والتقدم من خلال اختيار التعاون بدلاً من العزلة.

هذه اللحظة تتطلب رؤية تتجاوز الإحباطات المؤقتة وتركز على المصير المشترك للبشرية. من خلال البقاء في منظمة الصحة العالمية، يمكن للولايات المتحدة أن تؤكد التزامها بمبادئ الوحدة والمساعدة المتبادلة والسعي لتحقيق العدالة. هذه القيادة لن تعزز فقط الأنظمة الصحية العالمية، بل ستلهم أيضاً الثقة في قوة العمل الجماعي لبناء مستقبل أكثر صحة وتكاتفاً للجميع.

د. زياد الخطيب