المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: طرح أحد الأخوة الكرام تساؤلًا حول مفهوم الأسرة في السويد، ويُعد هذا الموضوع حيوياً لفهم التحديات التي قد تواجه الأسر المهاجرة في هذا البلد. لذا، نقدم تحليلًا لمفهوم الأسرة في السويد ودور الوالدين وتأثير الدولة على استقلالية الأطفال، مع التركيز على الجوانب الاجتماعية والثقافية والنفسية التي قد تؤثر على الأسر في سياق النظام السويدي.

1. حالات التفكك الأسري: – الأسباب الاجتماعية: يمكن أن يُعزى ما يُسمى بالتفكك الأسري في السويد إلى عدة عوامل، مثل نمط الحياة السريع وضغوط العمل. ففي السويد، يُشجع ترك الأطفال في رياض الأطفال على رعايتهم وتربيتهم في بيئة تعليمية مبكرة، مما يؤدي إلى تقليل الوقت المخصص للعائلة. كما أن الفردية في المجتمع السويدي قد تؤدي إلى تراجع أهمية الروابط الأسرية التقليدية، خاصة في ظل ارتفاع معدلات الطلاق، مما يخلق أنواعًا من الأسرة التي قد تختلف عن الأنماط التقليدية في ثقافات أخرى. – تأثير الثقافة: قد تواجه العائلات القادمة من خلفيات ثقافية ودينية مختلفة صعوبة في التكيف مع القيم السويدية التي تعزز الاستقلالية لدى الأطفال. ففي بعض الأحيان، قد يجد الآباء أنفسهم في مواجهة مع القيم السويدية التي تنظم التربية والرعاية الأسرية، مما يؤدي إلى حدوث مشكلات تتعلق بالاختلافات الثقافية حول حقوق الأطفال في الحرية الشخصية واستقلاليتهم. وقد يكون هناك تحديات عندما يتم سحب الأطفال من أسرهم بناءً على اتهامات تتعلق بالتربية أو الرعاية.

2. دور الوالدين: – تربية الأطفال:في السويد، يُعطى الأطفال مساحة كبيرة من الحرية لتعزيز استقلاليتهم، ما قد يتعارض مع بعض الأنماط التقليدية التي تتسم بالهيمنة الأبوية في أسر مهاجرة، حيث يُنظر إلى الوالدين عادة على أنهم هم من يوجهون القرارات الحياتية للأطفال. بينما يعتبر ذلك أمرًا إيجابيًا في بعض السياقات، فإنه قد يثير قلقًا لدى بعض العائلات التي تعود إلى ثقافات تفضل تربية الأطفال في بيئة أكثر إحكامًا.- التوازن بين الحرية والتوجيه:رغم أن السويد تشجع الحرية الشخصية للأطفال، إلا أن الكثير من الآباء في المجتمع السويدي لا يزالون يرون ضرورة الحفاظ على بعض القيم الأسرية والدينية، مما يتطلب التوازن بين تشجيع الاستقلالية وتوجيه الأطفال على النحو الصحيح في إطار القيم الأسرية الخاصة.

3. تأثير مؤسسات الدولة: – السياسات الاجتماعية: يوفر النظام السويدي رعاية اجتماعية شاملة تدعم الأسر والأطفال، مما يساهم في تحسين مستوى المعيشة والرعاية الصحية. ومع ذلك، يرى بعض النقاد أن هذا النظام يمكن أن يؤدي إلى تقليل الاعتماد على الأسرة كأول ركيزة تربوية، بحيث تصبح الدولة هي المراقب والموجه، مما قد ينعكس على الروابط الأسرية لدى الأسر المهاجرة التي قد تشعر بالقلق حيال تدخل الدولة في شؤونها الخاصة.- التعليم والتوعية: تلعب رياض الأطفال والمدارس الابتدائية دورًا كبيرًا في تشكيل قيم الأطفال حول الاستقلالية والحرية الشخصية، مما قد يتعارض مع بعض القيم الأسرية التقليدية، خاصة في العائلات التي تأتي من ثقافات تحافظ على هيكلية أسرية أكثر تقليدية.

4. استقلالية الأطفال: – الحرية الشخصية: تشجع الثقافة السويدية الأطفال على استكشاف هويتهم الشخصية، بما في ذلك علاقاتهم الجسدية والوجدانية. ومع ذلك، قد يتعارض ذلك مع قيم بعض الأسر المهاجرة التي تعزز احترام التقاليد الثقافية والدينية وتفضل تربية الأطفال في بيئة من التماسك الأسري والاعتماد المتبادل.- التحولات الثقافية: الأجيال الجديدة التي نشأت في السويد، وتبنت قيمها الخاصة، قد تتبنى مفاهيم جديدة حول العلاقات الشخصية، مثل حرية اختيار الأصدقاء أو المواقف المتعلقة بالعلاقات العاطفية والجنسية. هذا التحول الثقافي قد يؤدي إلى حدوث صراعات بين الجيل الجديد ووالديه، حيث أن هناك أحيانًا قوانين وقيم جديدة تؤثر على طريقة تفاعل الوالدين مع أبنائهم.

5. الحفاظ على القيم الأسرية:– التكيف مع التغيير: على الرغم من الصعوبات التي قد تواجهها الأسر المهاجرة في التكيف مع القيم السويدية، يُمكن لهذه الأسر الحفاظ على تماسكها من خلال دمج القيم التقليدية مع القيم السويدية، مما يساهم في خلق بيئة أسرية متوازنة واندماج ناجح في المجتمع.- التواصل الفعّال: من الضروري أن يتم التواصل بين الأجيال للحفاظ على القيم والتقاليد الأصلية، مما يساعد في تقوية الروابط الأسرية في ظل التحديات الثقافية التي قد تواجهها الأسر المهاجرة في السويد.

6. تأثير التغيرات على الأجيال الجديدة:– التأثير على الهوية:التغيرات الثقافية والاجتماعية قد تؤثر على هوية الأجيال الجديدة من الأسر المهاجرة، خاصة فيما يتعلق بعلاقتهم مع قيم عائلاتهم. لذا من المهم أن تكون هذه الأسر واعية لهذه التحولات وأن تسعى لتعزيز قيمها الثقافية والدينية في نفس الوقت الذي تتكيف فيه مع البيئة السويدية.إذاً كي نعرف مفهوم العائلة في السويد يتطلب النظر بعناية في التأثيرات الثقافية المختلفة، دور الوالدين، والسياسات الاجتماعية التي تُشكل طريقة تربية الأطفال. من المهم أن يتم تحقيق توازن بين التأقلم مع القيم الجديدة التي يروج لها المجتمع السويدي وبين التمسك بالقيم الأسرية الأصلية، ما يساعد على الحفاظ على روابط أسرية قوية وسليمة. في نهاية المطاف، يمكن للعائلات من خلفيات ثقافية مختلفة أن تدمج بين القيم السويدية والتقاليد العائلية لتعزيز التكامل الاجتماعي، مع الحرص على بيئة آمنة ومزدهرة لجميع الأجيال.

د.محمود الدبعي

رئيس المنظمة الدولية للسلام والديمقراطية والمواطنة