بداية شهر رمضان ونهايته تربك مسلمي أوروبا

: 4/18/23, 7:07 PM
Updated: 4/18/23, 7:13 PM
بداية شهر رمضان ونهايته تربك مسلمي أوروبا

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

رؤية هلال شهر رمضان، وشهر شوال ( عيد الفطر )، وشهر ذي الحجة ( عيد الأضحى ).. تثير كل عام جدلاً واسعاً بين الأوساط الدينية والشعبية في أنحاء العالم منذ عقود ليست بالقصيرة من الزمان، مما جعل توحيد رؤية الهلال من المشكلات العديدة التي تواجه المسلمين أيُا كانت أصولهم، وأينما حلوا أو ارتحلوا.

وبينما يبدأ ويُنهي بعض مسلمي أوروبا.. صيام شهر رمضان المبارك اعتمادًا على الحسابات الفلكية بإمكانية رؤية الهلال محليًا.. أو بمتابعة من يشاركهم في جزء من ليلهم الشرعي في ذلك، فيشترط أخرون وُجوب استطلاع وتحري رؤية الهلال بالعين المجردة أو بالأجهزة محليًا.. أو بمتابعة إعلان نتيجة تحري الرؤية لمن يشاركهم في جزء من ليلهم الشرعي بنفس الطريقة عالميًا.

كما أن هناك من يرتبط بإعلان رؤية بلاد الحرمين الشريفين. وهناك من يتبع إعلان رؤية موطنه الأصلي / مسقط رأسه. ويُسبب هذا الاختلاف جدلًا واسعًا وارتباكًا شديدًا بين مسلمي أوروبا بشكل عام، وبيننا في مجتمعنا السويدي بشكل خاص. وقد امتد هذا الخلاف الغير مُبرر إلى مواقع التواصل مما أشعل قلقًا زائدًا وانقسامًا واضحًا.. أحيانًا بين أهل المسجد الواحد، وحتى بين أفراد العائلة الواحدة.. للأسف الشديد.

وككل عام عند دخول رمضان، والأعياد.. يجد هؤلاء المواطنون المسلمون الأوربيون أنفسهم في حيرة من أمرهم.. بسبب غياب التواصل والتنسيق بين الجهات المتصدرة للمشهد.. سوء كانت.. جهات رسمية، أو تطوعية، أو بعض من يُريد أن يفرض نفسه بغير علم وبلا إمكانيات.

والسؤال الذي ينبغي أن يُسئل بوضوح لا لبس فيه هو :

لماذا لا يستطيع المسلمون واقعيًا توحيد بدء صيامهم وأيام أعيادهم؟ ومن يدعم مثل هذه الخلافات المقيتة؟ ولصالح من؟ وما تأثير هذه الخلافات الغير مُبررة على مكونات المجتمع على اختلاف فئاته؟.. هل المشكلة في النصوص الشرعية؟ أم في طريقة فهم البعض لبعض تلك النصوص؟ أم لأسباب تنظيمية / إدارية لبعض الجماعات أو الفرق؟ أم لأسباب سياسية محلية كانت أو دولية؟ أم لبعض المصالح الضيقة لمن يُحب التصدر والزعامة على غير رُشدٍ من الأمر؟

موقف الشرع من توحيد رؤية الهلال لشهر رمضان والعيدين:

يقول الله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )( يونس 5 ). (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )( البقرة 185 ). ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صومُوا لِرُؤيتِه، وأفْطِرُوا لِرُؤيتِه فإنْ غُمَّ عليكم فأكْمِلُوا شعبانَ ثلاثِينَ).

فالأدلة الشرعية واضحة صريحة بأن بداية شهر رمضان المبارك هي رؤية هلال شهر رمضان، وأن السبب الشرعي لعيد الفطر هو رؤية هلال شوال، كما أن خطاب الشارع فى هذه الأحاديث موجه إلى جميع المسلمين أينما وُجدوا.. لا فرق بين شامي ومغربي، ولا مصري وحجازي، ولا أندونيسي وصيني، ولا شرقي وغربي.. فألفاظ الأدلة الشرعية جاءت عامة لأن ضمير الجماعة فى ( صومُوا … وأفْطِرُوا ) يدل على أن الخطاب موجه لجميع المسلمين، وكذلك لفظ (لِرُؤيتِه) فهو اسم جنس مضاف إلى ضمير يدل على رؤية الهلال من أى إنسان.

فصوم رمضان، وعيد الفطر المبارك فضلاً عن كونهما عبادة تنظم علاقة المسلمين بربهم سبحانه، فهما مظهر من المظاهر العامة للأمة الإسلامية جمعاء.. يقول الله تعالى (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء 92). (وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون 52).. فمن حسن العبادة وكمال التقوى أن يُحافظ المرء على وحدة الأمة خاصة في شعائر الدين الظاهرة.. فيبدأون الصيام معاً فى يوم واحد، ويحتفلون بالعيد معاً فى يوم واحد، امتثالاً لأوامر الله تعالى واتباعًا لسنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.. هذه الأوامر التى تجمع ولا تفرق.. هذا الإتباع الذي يوحد بين المسلمين على اختلاف أصولهم ومشاربهم. فالدقة في تحري الرؤية للشهور القمرية مطلب شرعي لتعلق بعض العبادات بها كالصوم والحج والعيدين، وهي شعيرة هامة من شعائر الإسلام يحتفى بها المسلمون عبر التاريخ، والحفاظ على توارثها عبر الأجيال كذلك واجب شرعي ( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )( الحج 32 ).

ومن المعلوم لدى الجميع.. بلا خلاف يُذكر عند علماء الاختصاص الشرعي والفلكي.. أنه لا عبرة باختلاف المطالع، بمعنى أنه إذا ثبتت رؤية الهلال في أي بلد.. ثبتت في حق الجميع على اختلاف أقطارهم على ظهر أرض الله متى بلغهم ثبوتها بطريق صحيح.

وحسب ما قرره مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة في مؤتمره الثالث المنعقد في المدة من 30 سبتمبر إلى 27 أكتوبر سنة 1966م بشأن تحديد أوائل الشهور القمرية أنه : ( لا عبرة باختلاف المطالع، وإن تباعدت الأقاليم، متى كانت مشتركة في جزء من ليلة الرؤية وإن قلَّ، ويكون اختلاف المطالع معتبرًا بين الأقاليم التي لا تشترك في جزء من هذه الليلة ). وتأكد هذا أيضًا في قرار مجمع البحوث الإسلامية رقم 42 وفي جلسته الثامنة والعشرين التي عقدت بتاريخ 23 ربيع الآخر لسنة 1412هـ، الموافق 31 من أكتوبر لسنة 1991م بشأن رؤية الهلال. ( راجع فتوى رقم 2889 بتاريخ 23 نوفمبر 2014 م ـ دار الإفتاء المصرية ). كما توافقت على مضمون قرار مجمع البحوث الإسلامية معظم المجامع الفقهية في العالم.

مطالع الشهور القمرية لم تكن أبدًا مثار جدل فى الصدر الأول للإسلام، ولم تكن تحتاج إلى بحث عن أحكام شرعية إضافية أو جديدة. وما أفسد العبادات الدينية إلا إخضاعها لبعض المواقف السياسية.. من هنا أو من هناك. والإسلام كدين لا يمنع الاستعانة أو الاستئناس بالحسابات الفلكية الدقيقة لتحديد زمن ومكان إمكانية الرؤية. فتحري الرؤية، والتوحد حول إعلانها شعيرة دينية وواجب شرعي يجنبنا هذه المفارقات المضحكة المبكية التي تجعل من أهل المشرق أحيانا يصومون قبل أهل المغرب، مع أن الجهات الغربية أكثر استطلاعاً لرؤية الهلال بفضل مكث القمر لفترة زمنية أطول بعد غروب الشمس فيها. وهذه الخلافات الغير مُبررة، والتي من شأنها التأثير السلبي على مجتمعاتنا الغربية، يجب تجنبها قولاً واحداً.

الخلاصة:

يمكن لأهل أوروبا أن يأخذوا بالحسابات الفلكية بإمكانية الرؤية ( حساب إمكانية الرؤية محليًا، مع اعتماد حساب إمكانية الرؤية لمن يشاركهم جزء من ليلة الرؤية وإن قلَّ ) ليتدبروا شؤون دنياهم. على ألا يُقصر من استطاع تحري الرؤية من تحريها بشكل صحيح.. حفاظًا على شعائر الإسلام. كما أن على أهل أوروبا أن يتابعوا شعيرة تحري الرؤية وإعلان نتائجها بأمانة فى موعدها المُتعاهد عليه من أي مكان كانت. كما على المتصدرين أن يميزوا بين من يشاركهم أو لا يُشاركهم في جزء من ليلهم الشرعي، فيكونوا بذلك قد جمعوا بين النصوص الشرعية والحسابات الفلكية الدقيقة، ولم يُقصروا نحو شعائرهم الدينية. كما يجب على المتصدرين الإجتهاد قدر المستطاع لإيجاد آلية مناسبة لسرعة التواصل وحسن التعاون فيما بينهم لحل مثل هذه الخلافات التى لا أساس لها شرعًا، ولا داعي لها أصلًا. فشعيرة تحري رؤية الهلال وإعلان نتائجها بأمانة هي الأصل الذي لا مراء فيه ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ ). والمُستقرء بإذن الله تعالى.. وحدة المسلمين في عيدهم كما توحد أغلبهم في يوم صومهم.

وفي النهاية أذكر نفسي وإياكم بقول الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).

طاهر أبو جبل

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2025.
cookies icon