تداعيات وأسباب هجرة العرب العكسية من أوروبا

: 1/17/23, 6:32 PM
Updated: 1/17/23, 6:36 PM
تداعيات وأسباب هجرة العرب العكسية من أوروبا

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: الهجرة إلى أوروبا، ذلك الحلم الذي تحوَّل إلى كابوس يُرهِق ويَقضُّ مضاجع كثير من المهاجرين. فبعد إن كانت أوروبا تمثّل أرض الأحلام للعديد من المهاجرين ممّن لجؤوا إليها هرباً من الحروب التي طالت بلدانهم، وفراراً من دكتاتورية حكوماتهم. وطِبقاً لـ “علم السلوك المعرفي” الذي يرى أن طريقة التفكير والشعور الناتج عنه يقودان بالضرورة إلى النزوع “السلوك” الفردي.

كان حلم الهجرة يشكّل هاجساً لدى كثير من أفراد المجتمع بهدف التخلص من ويلات الحروب، الفساد الإداري للحكومات والاضطهاد. وكثيراً ما يؤدي هذا التعايش وخبراته المؤلمة المتمثلة في مشاعر الإحباط، القلق والخوف إلى تفكير عميق يقود بدوره إلى الميل والنزوع نحو الهجرة، ومِن ثَمَّ يتحمل ما قد ينجم عن قرار الهجرة من تبعات ونتائج مهما كانت سلبية أو إيجابية.

المهاجرون قبل 2015

لقد كان عدد المهاجرين قبل العام 2015 محدوداً، لكنه ازداد كثيراً بعد أن تفاقمت الأوضاع السياسية في العديد من الدول منها: سوريا، العراق، ليبيا واليمن. وكثيراً ما يتخذ الفرد قراره بالهجرة دون اعتماد أي دراسة أو تقييم يتعلق بالوجهة المقصودة، خطة ما بعد الهجرة والأهداف المستقبلية المنشودة من هجرته. وما حصل أن تلك الأعداد الكبيرة من المهاجرين اتجهت إلى المانيا، إسبانيا وإيطاليا فضلاً عن السويد، النرويج وهولندا. الأمر الذي أربك تلك الدول الاوربية إدارياً وتنظيمياً في استقبال المهاجرين لاسيما أن هذه الدول تعتمد في شؤونها السياسية، الاقتصادية والاجتماعية الاستراتيجيات والدراسات المسبقة. ومن التحديات التي واجهت هذه الدول ظروف السكن، الرعاية الصحية، والتأمين الاجتماعي. وكل ما سبق يُتَرجم واقعاً في مؤسساتها العديدة كالمدارس ومراكز التأهيل أو ما يسمى مؤسسات الاندماج العرقي، فبعد أن كان المهاجر يحصل على شقة سكنية مستقلة أصبح يحصل على سرير فقط داخل مركز استقبال مهاجرين في مدرسة أو قاعة رياضية لكي يتم استيعاب العدد الكبير لهؤلاء المهاجرين بمحض دوافع إنسانية وفق تحقيق الحاجات الأساسية الأكثر إلحاحاً للإنسان، تلك الحاجات التي أكد عليها العالم “إبراهام ماسلو” في هرمه المعروف للحاجات Maslow`s hierarchy of needs 1943*

وهذا ما حصل بالفعل بعد العام 2015 فتلك الأعداد الكبيرة للمهاجرين التي لم تكن تمتلك التهيؤ النفسي ولا الاستعداد العقلي، لكي تتمكن من استيعاب ذلك التغيير الكبير الذي سيضطرون للتعايش معه وتقبله. في الوقت ذاته أصيبت تلك المجتمعات المستقبلة ومؤسساتها بالإحباط، إذ إنها لم تحصل بالتأكيد على نتائج مُرضية للهجرة بما يتناسب وسقف توقعاتها العالي، فبدأت الصعوبات تتزاحم على المهاجر ومنها صعوبات تعلم اللغة، مشَقَّة الحصول على شقة سكنيّة، قلة فرص العمل فضلاً عن صعوبات التوافق مع التغير المناخي “كطول فصل الشتاء” وصعوبات الاندماج. أدى ذلك الى تكتلات مجتمعية صغيرة يساعد فيها الافراد بعضهم البعض في تعويض ما أخفق المجتمع الجديد في تحقيقه لهؤلاء الأفراد وعائلاتهم كالأمن الاجتماعي والتوازن النفسي. من هنا تشكّل لدينا ما يسمى بالمجتمعات الموازية وما نتج عنها من تجاهل لغة المجتمع المستقبِل والاعتماد بشكل تام على المترجم في جميع التعاملات وهذا بدوره أصبح يشكّل عبئاً مادياً على اقتصاد الدولة. ثم أصبحت هذه المجتمعات الموازية تعيش معايير اجتماعية تختلف الى حد كبير مع ثقافة وقوانين المجتمع المستقبِل.

وممّا زاد الأمر سوءاً أن تلك المجتمعات الموازية أصبحت مصدر مطمع لجماعة من الانتهازيين وتجار الأزمات، فقد تعرّض العديد من الافراد إلى مختلف مظاهر النصب والاحتيال ومنها استغلال من يبحث عن شقة سكنية بشكل غير قانوني فيضطر إلى قبول “الإيجار بالأسود”. ومنها دفع مبالغ كبيرة (الرشوة) كوسيلة مختصرة، ولكن غير قانونية للحصول على رخصة القيادة الأوربية. وقد تزامن الانبهار بحداثة ومدنية المجتمع الأوروبي مع استغلال القوانين ومثال على ذلك استخدام بعض النساء قانون حماية المرأة للتخلص من سلطة زوجها الميكافيللي، الزوج الذي يبيح لنفسه خارج البيت ما لا يرضاه لزوجه أو أنه يمارس التسلط على زوجه وأطفال (سي السيد). فعمد قسم من تلك النساء إلى الاستفادة من قوانين الشؤون الاجتماعية بخلع الرجل وطلب الطلاق. بل وذهب البعض من المهاجرين إلى البحث عن كل السبل الملتوية للنيل من القوانين بالغش والاحتيال كالطلاق الوهمي للحصول على شقتين سكنيتين ليسكن في إحداهما ويؤجر الأخرى سرّاً (بالأسود) لأبناء جلدته. فضلاً عن العمل الأسود خارج إدارة الدولة والتهرب الضريبي وممارسة بعض الظواهر الاجتماعية المرفوضة في القانون الأوروبي كتزويج البنات القاصرات، تعدد الزوجات خارج البلد الغربي، ختان الفتيات وتشجيع السلطة الذكورية للإخوة الذكور في العائلة وصولاً الى اضطرار الفتيات إلى عملية إعادة العذرية قبل الزواج.

ويؤسفنا أن عدداً كبيراً من المهاجرين ما زالوا لا يدركون أن الطفل نتاج ما يتعلمه من تنشئته النفسية والاجتماعية. إذ تستمر أوقات دوام المدارس التي يذهب إليها أطفال المهاجرين وقتاً طويلاً فتبدأ من الساعة الثامنة صباحاً وتنتهي في السادسة مساءً ومن هنا فقد أصبح الطفل لا يلتقي بعائلته البيولوجية إلا ساعات محدودة قد يكون فيها الوالدان مشغولين أو متعبين فلا يتواصلان بشكل جيد مع الطفل، ما أنتج فجوة نفسية، تربوية واجتماعية تزداد عمقاً بين الطفل وأبويه أدى بدوره إلى الاصطدام الثقافي. ويحصل أن يلاحظ المعلم أو الموجّه النفسي والاجتماعي في المدرسة اضطرابا سلوكياً عند الطفل الذي يعيش ازدواجية بين واقعين متناقضين، واقع وسلوكيات العائلة المرتبط بثقافة البلد الأم وقواعد وسلوكيات المجتمع الأوربي حيث حرية الرأي واحترام صورة الذات، حرية التفكير واتخاذ القرار ومن ثم تنفيذه. هنا يحصل “بلاغ القلق” فتبدأ العائلة في الدخول إلى نفق مظلم ومجهول يتضمن الكثير من التخوف مما سيصل إليه الحال من قرارات تتخذها دائرة الشؤون الاجتماعية. وما يزيد الطين بلّة، النقص أو الجهل المعرفي المجتمعي لأولياء الامور والذي يؤدي بطبيعة الحال إلى ردود أفعال عاطفية من الأبوين ضد قانون السوسيال والذي يؤدي في غالبية الحالات إلى سحب الطفل، الأمر الذي يعتبره الأبوان تدخلاً صارخاً وغير عادل بشؤون الأسرة بما لا يتناسب مع قيم وثقافة الأسرة في بلدهم الأم، لكنه محض اجراء قانوني في البلد المضيف.

لقد ازدادت هذه الحالات في السنوات الاخيرة ما بين 2015-2020 الأمر الذي ولّد نقمة مجتمعية في أوساط المهاجرين، نقمة لا يجرؤ أحد منهم بالإفصاح عنها في العلن او التحدث بها خوفاً من المجتمعات الصغيرة أن تشير بالسبابة على الفشل التربوي في العائلة.

وفيما يلي موجز لأهم أسباب الهجرة العكسية:

  1. أخطاء هيكلية وتنظيمية ارتكبها موظفو الشؤون الاجتماعية إما نتيجة النقص المعرفي والمجتمعي للمهاجر ولثقافته أو نتيجة لإطلاق الأحكام النمطية المتعلقة بالعرق والجنس والعقيدة للمهاجر بدوافع عنصرية وقد تؤدي أحياناً إلى قرارات سحب الأطفال وزرعهم في عوائل حاضنة لا تنتمي لثقافة ومعتقد العائلة البيولوجية الأولى. ثم تكتشف العائلة المهاجرة التي تفقد طفلها بعد مرور سنة من قيام الشؤون الاجتماعية بالسحب أن طفلها قد أصبح أكثر ارتباطاً بالعائلة الحاضنة مما يؤدي الى سحب الحضانة أخيراً من العائلة البيولوجية.
  2. الجهل أو النقص المعرفي للكثير من الآباء والأمهات المهاجرين لقوانين المجتمع المضيف وتأخرهم في تعلم اللغة الاوربية، وكذلك صعوبات الاندماج الاجتماعي والحصول على فرص العمل، الأمر الذي يخلق جيلاً من الأبناء والبنات مندمجاً ويطمح في التعلم والتطور وجيلاً آخر يحاول سحب الطفل إلى ثقافة البلد الأم بطرق غير علمية. من هنا يفقد الطفل القدوة داخل أسرته وتتسع مساحة أمنه النفسي واستقراره العاطفي لتشمل العائلة الحاضنة والمدرسة والمجتمع ليصبح بالنتيجة الأبناء مغتربون عن واقعهم فهم في عالم والآباء في عالم آخر وإن كانوا يعيشون تحت سقف واحد.
  3. الانتهازيون وتجار الأزمات ممن يسعون إلى تفاقم تلك المشكلة المجتمعية بتناولها على قنواتهم ووسائل التواصل الاجتماعي بهدف الكسب المادي والحصول على الشهرة. وقد يعكس هذا تبنيهم لأجندات خارجية للتأثير سلباً على المجتمع المستقبل للمهاجر.
  4. الاحزاب العنصرية التي نشطت والتي تسعى جاهدة لاستغلال أي مشكلة أو أزمة وربطها سريعاً وبشكل مقصود بالمهاجرين (العرب والمسلمين). والغاية بطبيعة الحال الحصول على مراكز متقدمة في سباق الانتخابات وهذا ما حصل في انتخابات السويد 2022، إذ تم استخدام المتطرف الدنماركي “بالودان” في مرات عدة ليستفز مشاعر العرب والمسلمين بهدف استثارتهم والحصول على ردود فعال عاطفية تدينهم. وتجسدت بالعنف ضد الشرطة وتخريب بعض الممتلكات العامة كرد فعل عندما كانت الشرطة تحمي القانون بصرف النظر عن السلوك الذي يقوم به المتطرف، وهذا ما قد لا يفهمه بعض المهاجرين وخصوصاً المراهقين منهم. وبالفعل حصد الحزب العنصري السويدي (ديمقراطيو السويد) أعلى نسبة في الانتخابات وأكبر عدد مقاعد في البرلمان ضمن كتلة الأحزاب الداعمة للحكومة ليقود الحكومة الحالية في السويد وللمرة الأولى وإن بشكل غير مباشر. ثم أصدر بعد فوزه بالانتخابات حزمة قرارات تستهدف في أكثرها المهاجر ومنها على سبيل المثال وليس الحصر تشديد قانون الهجرة وقوانين الشؤون الاجتماعية المتعلقة بالمهاجرين.

والسؤال الذي يطرح نفسه: أين ذلك المتطرف بالودان الآن؟ ولماذا اختفى بشكل مفاجئ بعد ما كان يمارس سلوكه المتطرف ثلاث مرات كل شهر وفي أكثر من مدينة سويدية!

وبعد كل ما ذكرناه آنفاً، نصل إلى نتيجة مفادها أن المهاجر أصبح بين مطرقة الحكومة التي ترفض الإصغاء والحوار وفتح التحقيق في أخطاء السوسيال، فتطلق على المتظاهرين “ذوي الحملات التضليلية” ضد دائرة الشؤون الاجتماعية، وبين سندان مجموعة من الفشلة العاطلين من الذين يعتاشون على المساعدات الاجتماعية بعد أن فشلوا في الاندماج الاجتماعي وأصبحوا أقرب إلى الاضطراب المزاجي منه إلى السويّة، فيصرخون ويكيلون الشتائم ويحرضّون على منصات التواصل الاجتماعي باللغة العربية الأمر الذي اعتبرته الحكومة السويدية خطراً كبيراً يهدد الأمن المجتمعي السويدي.

فاروق الدباغ

اختصاصي السلوك المعرفي CBT

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon