المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: تنتشر منذ يومين، تصريحات وأخبار، تتناقلها الصحف ووسائل الإعلام السويدية، مفادها ان منظمة الصحة العالمية اشادت باستراتيجية السويد لمواجهة كورونا، مشدد هذه الصحف، على عبارة “ان دول العالم يجب أن تتعلم لتتخذ من استراتيجية السويد دروساً وعبراً …. الخ”.
بعيداً عن النقد السلبي، وحتى نكون موضوعيين، ونحلل رد منظمة الصحة، الذي جاء بعد سؤال من قبل صحفية عن رأي المنظمة بموضوع “مناعة القطيع” واستراتيجية السويد، يجب علينا أن نقف على عدة امور اساسية وهي:
منظمة الصحة ذكرت في تصريحها هذا ان مناعة القطيع (طبعا التي تتخذها السويد نهجا لمواجهة كورونا) قد لا تكون ناجحة تماماً، وذلك بحسب المعلومات والبيانات الاولية التي اظهرت تواجد نسبة ضئيلة من الأجسام المضادة في اجسام المرضى المتعافين من المرض و بالتالي جعلهم معرضين للعدوى للمرة الثانية.
المنظمة اكدت للعالم ان السويد اتخذت اجراءات وقائية عالية للحد من كورونا ولم تتهاون ولكنها اعتمدت على مبدأ الثقة بينها و بين مواطنيها دون اجبارهم ولكن من خلال توصيات ونصائح وعليه لم تتخذ السويد مفهوم الغلق العام او التام نهجا لها وانما تبنت نظاما مختلفا مبني على اساس الاندماج والتكيف مع وجود الفيروس والتهيئة له اذ ما طالت مدة بقائه اكثر وعليه تبعا لهذه الجزئية قد يكون هنالك دروس علينا ان نتعلمها من السويد (هنا اشدد على كلمة قد والتي تختلف كثيرا عن كلمة يجب ففي الاولى شك والثانية يقين تام(
الإجراءات الأولية للسويد كانت خاطئة جداً
الآن لنحلل هذا الكلام ونبدي رأينا فيه بموضوعية:
أعتقد أن الإجراءات الأولية للسويد كانت خاطئة جداً باستبعادها مفهوم افحص ثم افحص ثم افحص اي الفحص بكثافة وثم حجر المصابين لإبقاء الحياة طبيعية.
بعد البداية الخاطئة فشلت ايضاً في ايصال التوصيات الوقائية بشكل صحيح فلم تلتزم الناس بالتوصيات للتباعد الاجتماعي لسبب بسيط الا وهو اختلاف افكار الناس وخلفياتهم الثقافية وشخصياتهم سواء اكانوا مهاجرين ام من السكان الاصلين فهذه الاختلافات موجودة بين الجميع.
لكن اصرار السويد على نهجها من خلال التوصيات فقط دون فرض قيود ادى الى انتشار العدوى ووصولها الى دور رعاية المسنين بكثافة فكانت النتيجة سلبية للأسف.
عمدت السويد اسوة ببقية دول العالم على خفض استقامة منحنى انتشار العدوى وجعله يتصاعد تدريجيا على فترات متباعدة لتقليل الضغط على المستشفيات والكادر الطبي وهنا تبنت دائرة الصحة الية من خلالها تم تصنيف المصابين على أسس عديدة (مثل العمر، الأمراض التي يعاني من الشخص، الفحص السريري المباشر أو من خلال التلفون و الخ) قبل ادخالهم لحجر العناية العامة او المشددة.
وحيث أن هذه الإجراءات تم التعامل معها دون خبرة كافية فكانت النتيجة ان نسبة من المصابين لم يتم ادخالهم للمستشفى إلا بعد فوات الآوان، فإما ماتوا في المستشفى او في البيت وهذه الاخطاء تتحملها الهيئة التي فرضت هذه الالية والطبيب الذي يقرر حالة المريض عند الكشف عليه لأول مرة.
نعم من خلال هذه الالية تم خفض المنحنى ولكن حرم البعض من المصابين من اخذ العناية في المستشفيات نتيجة اخطاء يمكن اعتبارها أخطاء فردية.
خطأ المقارنة بين السويد والدول الأخرى
الخلاصة مناعة القطيع ان لم تنجح فستكون السويد الخاسر الأكبر لان شئنا أم ابينا نسبة الوفيات في السويد ما كانت على الأرجح كما هي عليه الآن، لو اتخذت السويد إجراءات أكثر صرامة… وهنا أريد أن انوه لموضوع المقارنات بين الدول على صعيد الارقام: فانا أجد ان من الخطأ مقارنة السويد مع دول مثل المانيا وهولندا وبلجيكا وايطاليا وفرنسا واسبانيا وغيرها، مقارنةً مباشرة وذلك لسببين:
الأول هو عدد السكان الموزع على مساحة الأرض حيث أن السويد لها نسبة سكانية قليلة ومساحة جغرافية واسعة وعليه يكون الاحتكاك بين الناس أقل …للتوضيح السويد أكثر من10 ملايين نسمة اما هولندا مثلا فهي أكثر من 17 مليون نسمة ولكن مساحة السويد أكبر من هولندا ب 10 الى 11 مرة وعليه الكثافة السكانية في السويد أقل من هولندا بأضعاف لذلك معدل انتشار الفيروس ومعدل الوفيات يجب ان يكون أكثر بأضعاف في هولندا حسابياً.. اما السبب الثاني بعد الكثافة السكانية وهو الحياة الاجتماعية حيث ان التباعد الاجتماعي النسبي الذي تمتاز به الدول الاسكندنافية يعد عاملا ايجابيا للحد من انتشار العدوى.
لذلك الأرقام السويدية تعتبر عالية جداً اذ ما قارناها بموضوعية مع اية دولة أخرى في العالم.
فهل فعلاً نجحت السويد في استراتيجيتها هذه؟ كيف كانت لتبدو الارقام لو تبنت السويد نهجا مختلفاً؟
تمنياتي لكم وللعالم اجمع بالسلامة والصحة الجيدة دائماً
توانا حسيب
دكتوراه في علم الخلية والأورام وخبرة واسعة في مجال هندسة الفيروسات وراثياً /معهد كارولينسكا الطبي
مقالات الرأي تعبر عن أصحابها وليس بالضرورة عن الكومبس