المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: عمَّ الظلام فجأة في قلوبنا جميعاً عندما جاءنا فبراير، الشهر الذي ننتظره كل عام لنحتفل فيه بالحب والسلام والعدالة الاجتماعية، هذه المرة بحزن لا مثيل له. ففي مدرسة ريسبيشكا في أوربرو، سقط عشرة ضحايا، تاركين خلفهم فراغاً عميقاً وأسئلة لا إجابة سهلة لها. كانوا مجرد طلاب يسعون نحو المعرفة والاندماج، لكنهم وجدوا أنفسهم وسط واقع مشحون بالكراهية، حيث تحوّلوا بين ليلة وضحاها إلى أرقام في قائمة قتلى.

كان من المفترض أن يكون فبراير 2025 شهراً مميزاً، يحمل ظاهرة نادرة تحدث مرة كل 823 عاماً، حيث تتكرر أيام الأسبوع أربع مرات خلال الشهر. لكن بدلاً من أن يكون شهراً| للأمل، أصبح شهراً لتعداد القتلى، حيث أضيف إلى الرقم أربعة رقم ستة ليُخلّد رقماً مؤلماً هو عشرة ضحايا. لم يكن هذا الرقم مجرد إحصائية سوداء، بل رمزاً لمأساة أكبر، تفتح الباب على قضية العنصرية والتطرف في السويد، وما إن كان هذا البلد الذي عُرف بالتسامح لا يزال قادراً على حماية هويته القائمة على التعددية والعدالة الاجتماعية.

كيف غيّرت اللغة السياسية العنصرية روح السويد؟

لطالما كانت السويد نموذجاً عالمياً في حقوق الإنسان والمساواة، لكن التحولات الأخيرة كشفت عن تصدعات عميقة في هذا النموذج. لم تعد اللغة السياسية تحتفي بقيم التنوع والتسامح، بل تحولت إلى أداة تعميم وتشويه، حيث يُوضع المهاجرون في سلة واحدة، ويُختصرون في صورة نمطية كاريكاتورية لا تعكس واقعهم ولا تعترف بمساهماتهم. هذا الخطاب لم يكن مجرد أداة في يد السياسيين، بل أصبح وقوداً يغذي الانقسامات، ويضع المجتمع أمام مفترق طرق خطير: إما بناء سياسة اندماج حقيقية تعترف بجميع الفئات، من مهاجرين وأقليات ومثليين، أو الاستمرار في دائرة الكراهية والانقسامات التي قد تؤدي إلى مزيد من العنف والتطرف.

التحقيقات تكشف تفاصيل جديدة عن منفذ الهجوم

بينما تواصل الشرطة تحقيقاتها لمعرفة دوافع الجريمة، ظهرت تفاصيل جديدة حول منفذ الهجوم، ريكارد أندرشون، حيث نشرت عدة مواقع، من بينها صحيفة أفتونبلادت، صوراً له في بانكوك وأماكن أخرى، مما كشف نمط حياته المتناقض مع الصورة التي رُوّجت عنه كشخص يعاني مادياً. إضافة إلى ذلك، تم التطرق بشكل تفصيلي إلى علاقته بمكتب العمل والإعانات التي كان يحصل عليها، مما يعكس واقعاً أكثر تعقيداً حول الظروف التي دفعته لارتكاب هذه الجريمة. لكن بغض النظر عن تفاصيل حياته، يبقى السؤال الأهم: كيف يتحول شخص مثل أندرشون إلى قاتل؟ كيف تتداخل الأزمات الشخصية مع الخطاب السياسي والاجتماعي السائد لتنتج هذا النوع من العنف؟ وما الذي يمكننا فعله كمجتمع متماسك لتجاوز هذه الأزمات بعيداً عن البروبغندا والخطابات الطوباوية التي تتناقض مع نفسها؟ إذ كيف يمكن لنفس اللغة السياسية التي ركزت بشكل مهول على المهاجرين كتهديد أن تكون هي نفسها التي تدعو إلى وحدة السويد اليوم خاصة بعد جريمة أوربو؟

ما بعد الحزن.. هل يمكن للمجتمع المدني أن يكون صوت العقل؟

في ظل هذا المشهد القاتم، تبدو المؤسسات السياسية والإعلامية عاجزة عن تقديم حلول حقيقية، لكن هناك قوة أخرى يمكنها أن تغير المسار: المجتمع المدني. ليس المجتمع المدني كياناً يسعى وراء أصوات الناخبين أو مقاعد البرلمان، بل هو القوة الحقيقية القادرة على بناء جسور التفاهم والتعايش. في النهاية، نحن جميعاً بشر، بحاجة إلى بعضنا البعض. لولا قدرتنا على التعاون والتكافل، لما نجح أسلافنا في مواجهة الطبيعة وقسوتها. واليوم، أمام هذا التحدي الجديد، يبقى السؤال مفتوحاً: هل نختار طريق المواجهة والانقسام، أم طريق الحب والسلام؟

في السياق نفسه، وكرد فعل على هذه الأحداث الأليمة، نشأت جمعية “نساء من أجل الاندماج والعدالة”، تعبيراً عن رغبة عميقة في المساهمة الفعالة في المجتمع وتعزيز فلسفة أن هناك “سويد واحدة” يتشارك فيها الجميع بغض النظر عن أصولهم أو خلفياتهم. تهدف هذه الجمعية إلى تفعيل دور المرأة في تحقيق الاندماج، وتعزيز ثقافة التفاهم والتعددية كقوة موحدة في مواجهة كل أشكال التمييز والعنف. وكما أكد رئيس الوزراء أولف كريسترشون في خطابه على أهمية الوحدة في مواجهة العنف والكراهية، قائلاً “هناك سويد واحدة فقط. لا نحن وهم. لا شباب ومسنين، لا مولودين هنا ومولودين في الخارج، ولا يمين ويسار”. داعياً الجميع إلى التفكير فيما يمكن فعله لدعم أولئك الذين يحتاجون إلى “الدعم والمحبة”، مشددًا على أن الحلول لا تكمن فقط في الإجراءات الأمنية، بل في إعادة بناء جسور الثقة داخل المجتمع.

قد لا تكون إجاباتنا جاهزة اليوم، لكن الحقيقة التي لا جدال فيها أن مستقبل السويد، مثل أي مجتمع، لا يُبنى بالخطابات الفارغة ولا بالشعارات السياسية، بل يُبنى عندما يكون كل فرد جزءاً من الحل، لا مجرد متفرج على الأزمة.

ليزا صادق بيريلوند

مؤسسة لمنظمة “نساء من أجل الاندماج والعدالة”