كيف يخدم نيانس اليمين المتطرف؟

: 9/7/22, 4:35 PM
Updated: 9/7/22, 4:35 PM
كيف يخدم نيانس اليمين المتطرف؟

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: تعود التداعيات على كثير من المهاجرين نتيجة فشل سياسة الاندماج وما ترتب عليها من مظاهر العزلة والانطواء، وكذلك التدهور البارز في التعليم، وضعف الحصول على فرص العمل، وغيرها.

ومن خلال هذه المشكلات يبدو خطاب حزب نيانس الجديد وكأنه المخرج لكل تلك الأزمات، في أدبياته العامة، يقدم نفسه مدافعاً عن حقوق المهاجرين، وحاملاً صوتهم إلى التغيير. وفي فعالياته الخاصة، من خلال خطاب الفاعلين فيه وأنصاره، يحمل فقط صوت المهاجرين المسلمين، الراغبين في تثبيت كثير من الاستحقاقات الثقافية مثل مواجهة الإسلاموفوبيا، ومواجهة محاولات منع الحجاب، وتعديل كل القوانين والتشريعات التي لا تراعي خصوصية المسلمين.

ومع ذلك فإن هذا الخطاب، سيضر بمكانة وسمعة المهاجرين المسلمين، بل إن فكرة تأسيس الحزب ذاتها هي فكرة لن تخدم المهاجرين أو الجالية المسلمة، بل على العكس سوف تنعكس سلباً عليهم في المستقبل، فما يقوم به الحزب هو خدمة مجانية لحزب ديمقراطيي السويد اليميني المتطرف، بوعي أو دون وعي.

من خلال مراجعة خطابات سياسيي الحزب، وفي جلساتهم العامة والخاصة، والفيديوهات التي يتم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، يتبين أن الحزب يقوم أصلاً على فكرة “نحن وهم”. لا يقدمون أنفسهم بوصفهم سويديين راغبين في إصلاح وتطوير وتغيير البلد، بل بوصفهم ممثلين لجالية مسلمة تخاطب “السويديين” لا الحكومة والسياسيين، فنحن من وجهة نظرهم “المسلمون”، وهم “السويديون” بما فيهم المؤسسات العامة ومنظمات المجتمع المدني والإعلام. هذا الخطاب الذي يقسم المجتمع إلى نحن وهم، هو الخطاب نفسه الذي يتبناه حزب ديمقراطيي السويد، فهم من وجهة نظر العنصريين “المهاجرون المسلمون”، ونحن “السويديون الأصليون” سواء في الجانب السياسي أو المدني أو المجتمع ككل. إذاً يجتمع الحزبان في هذه النقطة، فهم يؤكدون فرز المجتمع السويدي بمختلف توجهاته الدينية والفكرية إلى فسطاطين: نحن وهم، وفي هذه الحالة فهم بالفعل يحولون نظرية الحزب العنصري إلى حقيقة يجسدها هذا الحزب الذي يحاول أن يجمع الناس تحت كلمته لكي يقول للمجتمع السويدي، نحن المسلمين لنا قيمنا ولنا عاداتنا ولنا مطالبنا الخاصة التي تختلف عن مطالبكم وحاجاتكم أنتم السويديين.

إن المشكلة الحقيقية للمهاجرين هي في العزلة، فقد أصبح كثير منهم يعيشون في كانتونات مغلقة على أنفسهم، وهذه ليست مشكلة المهاجرين فقط بل مشكلة السياسية السويدية ووسائل الاندماج أيضاً، ومع ذلك فأنا أعتقد بأن هناك نسبة كبيرة يتحملها المهاجرون، منها عدم الانخراط بشكل فعال في الحياة الديمقراطية والسياسية، وفي إطار الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. ولا مشكلة هنا في أن يتم تأسيس أحزاب جديدة، لكن الحزب الجديد ينبغي أن يقوم على أسس ورؤى وطنية تخدم مصالح السويديين بشكل عام، لا أن تكون موجهة لخدمة فئة معينة للمطالبة بمصالحها وتحقيق رغباتها بشكل أشبه ما يكون بالفردي. من خلال مراجعة بعض المنشورات لحزب ديمقراطيي السويد، تبين أن الحزب ركز أغلب أدبياته على مواجهة الهجرة ومايرتبط بها، وحين تنتهي الهجرة وإفرازاتها سيكون الحزب قد استنفد كل مطالباته، وبالتالي فالحزب هذا يوصف بالعنصري لأنه قائم على استهداف عنصر معين من السكان والإعلاء من شأن عنصر آخر، بالمقابل فإن حزب نيانس يحمل في طياته برنامجاً محدداً لخدمة هذه الفئة، وفق النظرة العنصرية نفسها، وإن بدت اللغة أقل حدة بمواجهة الآخر، ولكنها الآن تبرز لغة المظلومية، وهي البداية لحمل لغة عدائية تخلو من طرح البرنامج السياسي والعمل على التغيير والتطوير.

المشكلة الكبرى التي يلعبها ظهور مثل هذا الحزب في هذه اللحظة الحاسمة هو أنه سيعمل على تشتيت أصوات الناخبين، وضياعها دون فائدة. تظهر بعض استطلاعات الرأي تقدم أحزب التحالف اليميني وهو ما يعني -في حال تحققت مثل هذه التوقعات- أن تكون هناك حكومة يمينية يقودها الحزب العنصري. فترشيح المهاجرين المسلمين لحزب نيانس في هذا الوقت سوف يعمل على ذهاب مجموعة كبيرة من الأصوات دون فائدة، لأنه من المرجح جداً أن لا يتخطى الحزب عتبة الـ4 بالمئة الواجب الحصول عليها من أجل الوصول إلى مقاعد البرلمان، لأن كثيراً من المهاجرين في الأصل يمتلكون توجهات سياسية مختلفة ولا يمكن إقناعهم بسهولة بمثل هذا الحزب الذي يبدو مريباً لكثير منهم، ومن ثم فإن آلاف الأصوات التي سوف يحصل عليها الحزب ستكون أصوات ميتة من رصيد أحزاب التحالف الأحمر أخضر، لكن في الوقت نفسه ستكون في صالح تحالف اليمين الذي سوف يكسب من خسارة الطرف المقابل لهذه الأصوات.

ينبغي على السويديين من خلفيات مهاجرة أن يعوا طبيعة التحديات الراهنة، وليعلموا أن الوصول إلى حقهم في المشاركة السياسية يأتي أولاً من خلال ما يقومون به بأنفسهم من خلال الانخراط في المؤسسات السويدية منها الأحزاب الموجودة أو من خلال إنشاء أحزاب جديدة أيضاً ولكن على أسس وطنية جامعة تأخذ في الاعتبار مصالح الكل، وفق مبدأ المساواة، والتعددية الثقافية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وغيرها من القيم التي جعلتهم في الأصل يأتون إلى السويد من أجلها.

د. محمد المحفلي

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.