لا مستقبل للتعصب والعنصرية والعنف في السويد

: 2/2/23, 4:12 PM
Updated: 2/2/23, 4:19 PM
لا مستقبل للتعصب والعنصرية والعنف في السويد

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

حرق المصحف جريمة أخلاقية لا علاقة لها بحرية التعبير

الكومبس – رأي: في ظل ظروف دولية و إقليمية صعبة ومعقدة بسبب الحروب والأوبئة اختلال موزاين القوى في النظام الدولي، نشأت تداعيات و عواقب وخيمة على الإنسانية في مختلف أصقاع العالم بما في ذلك التبعات الاقتصادية والبيئية و السياسية. ذلك في وقت تتطلع فيه شعوب العالم، خاصة المظلومين والمضطهدين واللاجئين والنخب التقدمية، إلى السويد كدولة ديموقراطية منافحة عن الحرية والعدالة في أرقى صورها و ملاذ وملجأ ودعم للإنسانية عبر مر عصور التاريخ الحديث. لكن لسوء الحظ، حتى وقت قريب، فللأسف فوجئ الجميع مؤخراً بتزايد وتيرة العنصرية والتحريض على الكراهية و تجدد العنف والعنف المضاد في تحد صارخ لحقوق الإنسان و فهم خاطئ لحرية التعبير.

لا يمكن أن تتقدم الحضارة و ينمو الفكر الإنساني و تسمو المبادئ الكونية و الشمولية دون أن يسود الاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع السويدي العريق تاريخياً و فكرياً وإنسانياً، بل وحتى حضارة، بما يشمل من تجانس ودفاع عن القيم والأخلاق القائمة على الاحترام المتبادل، الذي ينبغي أن يظل سائداً وضارباً في عمق التاريخ.

إن حرية التعبير أمر أساسي في تقدم و تطور الفكر الإنساني، لكن لا يمكن تحقيق تلك الطفرة إلا عندما يتجسد شرط احترام كل فرد في المجتمع السويدي فكر ومعتقد وثقافة وعرق الآخرين الذين تجمعهم روابط تاريخية وجغرافية وقيم حضارية وإنسانية ، وذلك استناداً إلى التشريعات السماوية و المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها الاعلان العالمي لحقوق الانسان.

صحيح أن الشعب السويدي يجب أن يظل مدافعاً عن حقوق الإنسان لكي يحيا ويخلد في ذاكرة الإنسانية ويكون له صوت وحضور وسمعة بين شعوب العالم، وصحيح أيضاً أن حرية التعبير يجب أن تظل شيئاً مقدساً وأساسياً لتنمية وتطوير المجتمع السويدي، لكن ضمن الإطار الإنساني والأخلاقي، وليس العكس. لأن حرية التعبير ليست التحريض على الكراهية من خلال حرق الكتب الدينية مثل “حرق المصحف”، والتظاهر السلمي المصرح به ليس إثارة للشغب أو إهانة للشرطة، لأن حرية التعبير يجب أن تقوم أولاً وقبل كل شيء على احترام مشاعر الآخرين ومعتقداتهم وآرائهم . لذلك فلا يجوز أن ندعم حرق الكتب المقدسة والتحريض على الكراهية والعنف والعنصرية والتعصب وتقسيم المجتمع الى فصائل متحاربة في مسار حياتنا كمدافعين عن الديمقراطية والحرية والفكر الإنساني النبيل.

أنا بالطبع ضد جميع أشكال الشغب والعنف والعنف المضاد، بغض النظر عن طبيعتها ومصدرها، لأن الأشخاص الواعين يخلقون التغيير للأفضل من خلال الحوار والأفكار والمشاركة السياسية من خلال المجتمع المدني والأحزاب السياسية. هذا لبناء مجتمع سويدي متماسك وموحد بكل خصائصه وقيمه الإنسانية والثقافية المتنوعة.

التزمت الصمت لفترة طويلة وأنا أراقب عن كثب الأفعال والسلوك والتصرفات الطائشة للعنصري راسموس بالودان وهو يحرق المصحف بشكل هستيري في كل مكان في السويد، ما تسبب في أزمات أمنية واجتماعية داخل السويد. وهو الذي أيضاً تسبب الآن في كارثة للسويد على المستوى الأمني ​​والعسكري وهو ما قد يمنع انضمام السويد إلى الناتو، إضافة إلى الأزمات الدبلوماسية في العلاقات الدولية المتمثلة أساساً في العالم الإسلامي والعربي، وسمعة السويد في المجال الإنساني. وانتقادات لاذعة من المؤسسات الدولية ووسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان التي وصفت حرق المصحف بالتصرف غير المحترم.

وأنا مندهش حقاً من هذه الفوضى الهزلية وحالة الاكتئاب السياسي وأزمة المفاهيم التي تتخبط فيها السويد اليوم بسبب حكومة عمياء ومشلولة لا يمكنها اتخاذ قرارات إيجابية رادعة للعنصري راسموس بالودان الذي كلف الدولة السويدية الكثير. في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع السويدي الصالح أزمة اقتصادية خانقة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والكهرباء. وذلك في وقت يتم فيه تأمين احتجاجات عنصرية لبالودان تكلف السويد آلاف الكرونات، ناهيك عن ما تنجم عنه احتجاجات بالودان من تشجيع على الكراهية وتقسيم المجتمع، إضافة إلى الإضرار بالسمعة والأزمات الدبلوماسية مع مليار مسلم في العالم تربطهم علاقات اقتصادية وسياسية وتاريخية وطيدة مع السويد.

بالنسبة لي، هذا الشخص الذي يحرق المصحف اليوم، سيأتي في يوم آخر في المستقبل ليحرق الكتاب المقدس وغيره من الكتب الدينية .

وهنا أسأل الحكومة من منظور نفعي براغماتي: ما الفائدة التي جنيناها من احتجاجات راسموس بالودان؟

أنا متأكد أنني لن أحصل على إجابة شافية لهذا السؤال لأن بالودان عبارة عن بطاقة أو بيدق شطرنج استخدمه حزب ديمقراطيي السويد في مهامهم السيئة منذ سنوات. ما يؤكد هذا هو التوقيت الذي اختفى فيه بالودان والتوقيت الذي ظهر فيه الآن لمنع السويد من الانضمام إلى الناتو، لأن كل ما يتعلق بالسويد وعلاقتها الإيجابية بالتحالفات الدولية والاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية والأمن القومي للسويد هو شيء محظور وغير مقبول وغير مدرج في جدول استراتيجية حزب ديمقراطيي السويد.

لذلك أنا أشك حقاً في مدى وطنية هذه الحكومة ، ولإزالة هذا الشك ، أقترح على الحكومة اقتراحاً بسيطاً ينهي هذه المهزلة والخسائر، وبذلك تصبح السويد أول دولة تتبنى هذه السابقة الإنسانية النبيلة.

اقتراح الى البرلمان والحكومة

بما أننا دولة علمانية تفصل الدين عن الدولة، فيجب علينا تغيير مفهوم حرية التعبير ليستثني حرق الكتب المقدسة. وبشكل أوضح، حظر حرق الكتب الدينية واعتبار ذلك الفعل جريمة يعاقب عليها القانون ولا تندرج ضمن حرية التعبير. خصوصاً أن مجموعة من الدول التقدمية اليوم مثل فلندا وكندا تحظر حرق الكتب الدينية وتعتبرها سلوكاً غير محترم لا علاقة له بحرية التعبير ، لأنه يسيء إلى المجموعات البشرية الاخرى سواء أقلية أم أغلبية.

يجب أن نرتقي إلى المستوى المطلوب ولا نخذل تطلعات الشعوب التي كانت ولا تزال تعتبرنا أرض الخلاص وجنة الديمقراطية والتعايش السلمي والتنوع الثقافي، الأمر الذي يجب أن نستفيد منه لتعزيز الحوار بين هذه الثقافات والأديان في أفق يجعل الجميع في احترام دائم للثوابت الإنسانية التي هدفها حماية الإنسان وتراثه الثقافي والفكري والديني.

و في الختام، يمكن التأكيد على أن الفكر الإنساني وتطوره يبقى أمراً ضرورياً ليستمر في بناء المجتمع السويدي لا في تمزيقه و جعله بعيداً عن خصائصه الإنسانية، لذلك وجب العمل و التركيز على الدفاع عن القيم الإنسانية والحضارية لهذا المجتمع المتماسك في تاريخه وفي تقدمه و في تبنيه لفكر إنساني يهدف بالأساس الى احترام الشعوب بغض النظر عن الدين واللون و الجنس والعرق.

أحمد مولاي

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.