المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
أعطني حريتي أطلق يديَّ .. إنني أعطيت ما استبقيت شيَّ
آه من قيدك أدمى معصمي .. لم أبقيه وما أبقى عليَّ
كلمات من أجمل ما غنت أم كلثوم! مِراراً عندما أستمع إليها أشعر بحرقة ودافع للبكاء من قوة ذلك الحب الذي له القدرة على أن يُدمي من يقع في فخه. (أو ربما المرأة التي تقع في فخه)؟ لا أعلم أي من التعبيرين هو الأصح ولكن كل ما أعرفه أن ألحب في بِلادِنا له حدود تشيدت من مقتنعات جعلت العشق حقاً من حقوق الرجل وجريمة من جرائم المرأة. هو يبدأ بالحب حينما شاء وراقَ له، يجربه، يعرفه، يتعلم عليه ويمارسه دون أن يمر بخسارة كُبرى تلحق به الضرر والنبوذ المجتمعي. بينما هي يجب أن تكون “رجل آلي” توقف مشاعرها لكي لا تكون ناشزاً.
سلاح الشرقية الذي يتربى عليه الرجل يعطيه حقوقاً لا تُعطى للمرأة، له كل شيء مسموح، ولها لا شيء. هو يعبر عن رأيه مهما كان دون ان ينتقص منه شيئاً، هي لا، هو له صديقات وماضي وحب دون أن يُلَقب “بغير الشريف”، هي لا، هو يدرس ما يشاء وأين ما يريد، هي لا، هو يطلق ويتزوج، هي لا، هو يخرج عن حدود الدين ويعود، هي لا، هو يخطأ دون “عقاب من المجموعة” هي تُعاقب بكل ما تملك المجموعة من قسوة.
لكن السؤال الذي يراودني: ذلك المجتمع “الذكوري” الذي يجعل من الرجل “سلطان” والذي يُنتقَد من المرأة، من الذي يصنعه؟ من الذي يُربي ابنه على أنه رجل لا يلحق به العيب بينما البنت مسكينة تحتمي بأبيها واخيها ومن ثم زوجها؟ من الذي يربي البنت على أنها ” أول وتالي مصيرها تروح بيت زوجها” بدلاً من مصير تختاره هي، ربما يكون مختلف عن ذلك بكثير.
وهل نُعلم البنت على أن تكون حرة فكرياً؟ أو أن يكون لها فكر أساساً، لا نتدخل فيه ونشكله كما نرغب نحن وكما المجتمع يريد؟ هل لها حق اختيار ما ترتدي، ما تقرأ، ما تفعل؟ هل لها حق التجربة دون الحكم عليها ” بالعاهرة” اذا أخطأت؟
المرأة نصف المجتمع كما الرجل هو نصفه الآخر، كلاهما يملك ذات الأهمية وذات المسؤولية. إذا كنتِ تريدين أن يكون لكِ حق فلا تطلبيه بل خذيه! تعلمي، ادرسي اعملي، اقرأي كوني قوية ومستقلة. كوني نصف المجتمع بالمسؤولية وليس فقط بالطلبات. ربي ابنك على احترام أخته واحترام شخص المرأة وحقها لأنها إنسان مثله، ولديها ذات الاحتياجات. ربي ابنتكِ على أن تكون لها طموحات خاصة بها تجتهد لكي تحققها. فالرجل ليس وحده من يصنع المجتمع ويؤثر به، أنت أيضاً لكِ دور بتلك الاضطهادات التي تتذمرين منها.
المرأة التي تتنازل عن كل حقوقها بدون مسؤولية عليها أن تتقبل ما يقدمه المجتمع لها من انتقاص. إن انتظرتِ “الفارس” يأتيكِ على حصانه الأبيض كي يحقق لكِ احلامكِ فعليكِ أيضاً أن تكوني مستعدة لأن يهدمها. اختاري كيانكِ واستقلالكِ كي تتعلمي أن تدافعي وتطالبي بحقوقكِ. الحق مسؤولية وعمل لا يُعطى هدية بل له ثمن غال جداً.
أبداً لا أنكر أن المجتمع الشرقي مهما كان هو مجتمع ذكوري، ولكنه لا يمكن أن يكون كذلك دون انحناء وقبول من النساء.
واذا أردنا أن نغير شيء فلابد أن نبدأ بأنفسنا. كل المجتمعات والأعراف والقوانين والحقوق والاضطهادات، هي نتيجة مشاركة من كلا الجنسين.
عزيزتي المرأة في مجتمعاتنا الشرقية كوني حرة واختاري القيد الذي يطوق معصميكِ بالورد والحب والدفء. عيشي امرأة فخورة بذاتها، تعليمها، كيانها وبأنوثتها التي وهبتها لها الحياة. أحبي نفسكِ وعلمي المجتمع أن الحب يُقتل بالقيود فلولا ذلك لما أكملت ام كلثوم أغنيتها وقالت: أعطني حريتي أطلق يديَّ .