المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: بعد إغلاق غالبية المدارس الإسلامية في السويد، وتشتيت آلاف التلاميذ في المدارس العامة، وما ترتب على ذلك من آثار سلبية على هؤلاء الطلاب، ندعو إلى تقاسم الأعباء حتى لا يتحمل كل فرد منا مسؤولية مواجهة هذه التحديات بمفرده، خاصة في مجتمع يشكك في ولاء أبنائنا ومواطنتهم ورغبتهم الحقيقية في الاندماج.
عندما نتواصل مع أرباب الأسر، نجد أن كل واحد منهم يعبر عن قلقه العميق بشأن أبنائه ومستقبلهم، والأخلاق التي يتربون عليها في مجتمع يسلّط القوانين التي تحد من حق الوالدين في توجيه أبنائهم نحو الاستقامة والالتزام بثقافتهم وعقيدتهم. فالقانون يفرض عليهم قيوداً، ويحذرهم من التدخل في خيارات أبنائهم الشخصية، مثل ارتداء الحجاب أو اختيار الأصدقاء أو حتى الزواج، ما يؤدي إلى ابتعاد الأجيال الشابة عن قيمنا وعقيدتنا وثقافتنا ولغتنا.
نشهد اليوم عشرات العائلات التي، بعد صراع نفسي طويل وخوف على أطفالها من تدخلات موظفي الشؤون الاجتماعية، تخطط للهجرة إلى بلد عربي أو أوروبي بحثاً عن مستقبل أكثر أماناً لأبنائها. فهم يخشون فقدان التواصل الحر مع أبنائهم إذا اختاروا طريقاً لا يرضيهم، أو أن يفقدوهم تماماً. هذه الحياة اليومية المليئة بالصراع بين الحفاظ على القيم الموروثة والقيم المكتسبة تخلق توترات داخل الأسرة، خصوصاً مع الأبناء اليافعين الذين قد يرفضون الانتقال إلى بلد عربي يشعرون فيه بأن حريتهم الشخصية مقيدة.
آلاف العائلات تعاني من هذه القضايا، فهي غير قادرة على الهجرة المنظمة التي توفر الاستقرار المادي والمعنوي والاجتماعي، وغير قادرة أيضاً على تغيير واقعها في البلد الذي تعيش فيه كمواطنين يتبعون الديانة الإسلامية. الأبناء يبتعدون عنا في العادات والأفكار، وبعض الزوجات يرفضن الضغط على الأبناء لتغيير مسار حياتهم، بل إن بعضهن يلجأن إلى الانفصال عن الأزواج بحماية القانون بدعوى حماية الأطفال، ما يؤدي إلى تفكك الأسرة.
الوقت يمر لغير صالحنا، فتكبر أجيال تحمل أسماءنا ولكنها تتنكر لنا حضارياً وثقافياً. القاسم المشترك بين هذه الأسر هو أنها اختارت الانطواء على نفسها لسنوات طويلة، ولم تختلط بغيرها من الأسر، كما لم ترسل أبناءها منذ الصغر لتعلم التربية الدينية واللغة العربية في مؤسسات المسلمين التي توفر لهم فرصة تعلم اللغة والتربية الدينية في أوقات فراغهم.
هذه المؤسسات، رغم ضعفها ومشاكلها، تقوم بدور مهم يجب الحفاظ عليه وتطويره لتصبح مراكز ثقافية وتعليمية متقدمة تقودها كوادر مدربة، وتستثمر في إنقاذ جيل الأبناء من الانصهار في مجتمع يرفض التدين ويدعو إلى العلمانية. فلو لم تقم هذه المؤسسات إلا بتعليم الأبناء التربية الأخلاقية والدينية واللغة العربية، لكان ذلك أمراً في غاية الأهمية، حيث يحصنهم من الانخراط في مجموعات إجرامية أو متطرفة تدمر مستقبلهم.
ولو لم تسهم هذه المؤسسات إلا في اختلاط أبناء الجيل الثاني ببعضهم لتقوية العلاقات الاجتماعية والأسرية، لكان ذلك كافياً. ولو لم تقم إلا بالحفاظ على شيء من الترابط بين عائلاتنا، لكان ذلك أمراً عظيماً. ولو لم تقم إلا بإظهارنا في مظهر محترم ومرتب أمام المجتمع المحلي والجاليات الأخرى، لكان ذلك مسألة مشرّفة، خاصة أن النظرة السلبية دمرت علاقاتنا مع الآخرين.
خياران لا ثالث لهما
لذا، لا بد من توجيه نداء إلى الجميع، سواء كانوا مسؤولين في مؤسساتنا أو مدرسين أو أهالي، للتحرك. أمامنا خياران: إما أن يعاني كل واحد منا وحده ولا يجد من يعينه في همه وغمه، وإما أن نلتف حول مؤسساتنا ونقويها لتخفف عنا معاناتنا وتساعدنا على تربية أبنائنا والحفاظ على الأجيال الشابة التي تعاني من صراع ثقافي بين ثقافتين: إحداهما يحملها الآباء، والأخرى ثقافة مجتمعية تدعو إلى الذوبان في قيم الآخر بحجة الاندماج.
أمامنا خياران لا ثالث لهما: إما أن ننطوي على أنفسنا ونعاني كل منا بمفرده، أو أن نتكتل حول مؤسساتنا وتجمعاتنا فيخف علينا العبء ويسهل علينا الصعب. وأخيراً، ندعو إلى التعاون لفتح مدارس افتراضية في كل مراكزنا الثقافية لتصل إلى كل بيوتنا، ونحل المشكلة التي تسببت بها قرارات إغلاق المدارس العربية والإسلامية.
محمود الدبعي
رئيس المنظمة الدولية للسلام والديمقراطية والمواطنة