من ننتخب؟ ولماذا؟

: 8/21/22, 12:08 PM
Updated: 8/21/22, 12:08 PM
من ننتخب؟ ولماذا؟

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: للإنسان حق وحرية اختيار من يراه مناسباً ليكون ممثلاً عنه وحاملاً لما يتطلّع له من طموحات وآمال. واحترام وتقبّل آراء الآخر المختلفة هي دليل رقي و وعي وترسيخ لمبادئ وقيم الديمقراطية. إن ممارسة حق الاقتراع لكل شخص موجود في هذا البلد، حاصلاً على الجنسية السويدية كان أم مقيماً هو أمر هام للغاية، فكل منا جزء من هذا المجتمع ويؤثر ويتأثر بكل ما يجري من أحداث في هذا البلد. عشية الانتخابات العامة السويدية التي سيتم إجراؤها في 11 سبتمبر القادم تبدو المنافسة بين الأحزاب السياسية السويدية على الفوز بأغلبية برلمانية وحكم وإدارة البلاد على أشدها، فما هو دور الإنسان المهاجر في هذه الانتخابات و وفق أية معايير سيقوم بالاختيار والتصويت؟

لقد بات المهاجرون رقماً لا يستهان به، يستطيعون التأثير ولهم القدرة للعب دور أكثر فعالية في الحياة السياسية السويدية، ولكن هل الصوت المهاجر سيصب في جهة واحدة ليكون فعلاً ذات تأثير واضح في لغة الأرقام أم أنّ هناك انقساماً في الآراء وتشتتاً في الأصوات؟!

لا يخفى على أحد تزايد قوة اليمين في البلاد ولا سيما الحزب العنصري الانعزالي المتطرف SD، مستفيداً من كل صغيرة وكبيرة تحصل لتكون أداة تحريض على المهاجرين وكل ما يتعلق بهم. أيّ مستقبل يحمل هذا الحزب العنصري للبلاد في ظل حملة التحريض والكراهية التي يقودها ضد شريحة واسعة وجزء فاعل في المجتمع السويدي؟!. المنطق العقلي والسياسي والاقتصادي -كضرورة لوجودنا وتحقيقاً لمصالحنا ولمستقبل أفضل لأبنائنا- يضعنا نحن المهاجرون في الطرف اليساري من الانتخابات أي أن مصلحتنا تقتضي اختيار الأحزاب اليسارية وعلى رأسها حزبا اليسار والاشتراكي الديمقراطي، ولو كان الكثيرون منا يعتبر أن هذه الأحزاب قد مررت قوانين كثيرة أضرّت بنا على أكثر من صعيد، إلا أن هذه الأحزاب ما تزال أفضل الموجود (والأقل ضرراً) في حال استمرّت في حكم وإدارة البلاد، لأن ما ينتظرنا في حال فوز اليمين لا يبشر بالخير ولا يحمل الأمن والاستقرار والسلام لنا ولأسرنا، وستكون أوضاع الإنسان المهاجر أسوأ بكثير مما هو حاصل اليوم. ثمّة العديد من المسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تم التعامل معها على نحو إيجابي من قبل حزب اليسار مثلاً، كمسألة دعم القادمين الجدد، ومكافحة العنصرية بكل أشكالها، ترسيخ العدالة الاجتماعية، و زيادة الضرائب على الأثرياء، التصويت للعودة لقانون الإقامات الدائمة بدل المؤقتة، رفع رواتب المتقاعدين، تطوير النظام الصحي، وقف تحرير أسعار الإيجارات، محاولة إبقاء السويد على الحياد والتصويت ب لا للانضمام للناتو، رفض خصخصة المؤسسات والإدارات العامة وطروحات أخرى تساهم في تعزيز المساواة بين فئات المجتمع المختلفة لا سيما الفقيرة منها أو محدودة الدخل.

بالمقابل سياسات وطروحات اليمين كانت لتعزيز الرأسمالية، تشجيع الانخراط في الصراع العسكري الدولي والتخلي عن سياسة الحياد التي دامت مئات السنين، العداء الواضح لكل أصحاب الأصول الأجنبية باستثناء أصحاب الشعر الأشقر والعيون الزرقاء، التضييق على نظام الخدمات الاجتماعية والسعي للتفريق والفرز بين سويدي ومهاجر، ترحيل أصحاب الإقامات المؤقتة، محاربة وعدم تقبل الثقافات الأخرى على وجه الخصوص شعوب الشرق الأوسط، الخصوصية الدينية مثالاً. الجذور النازية لن تقدم لا الاستقرار ولا الرخاء للشعوب على أي حال، ولنا في هذا أمثلة كثيرة في غير مكان في تاريخنا الحديث.

نعم، الانتخابات السويدية على الأبواب، وظالم بحق نفسه من يحق له الاقتراع ويُبقي نفسه على الهامش ويترك الساحة لتلك الأحزاب الانعزالية تقرر مصيره وهي لا تؤتمن على إدارة بلدية صغيرة، فكيف لو حكمت بلداً بأكمله!

لنسأل جميعاً وليسأل “المتسودنون” أحزاب اليمين: هل بات السبب الأوحد لمشاكل السويد هي الهجرة و الإنسان المهاجر(هذا ما يدّعيه اليمين ويروّج له لاستمالة الرأي العام ولجذب الأصوات الانتخابية) ؟! ألا يوجد مشاكل طارئة في غاية الأهمية ينبغي حلها بالإضافة إلى ضرورة وضع خطط واستراتيجيات لتطوير القطاعات الحيوية بالبلاد؟! كالقطاع الصحي مثلاً، ومشكلة السكن، والنقص في أعداد المعلمين والقوى الأمنية لمكافحة الجريمة والانفلات؟! أيها العنصري الوقح لولا المهاجر العامل المكافح لما استطعت ركوب حافلة ولا حظيت بخدمة طبية منزلية وأنت في أرزل العمر هرماً، ولا مجال لذكر الكثير الكثير من الذين قدموا نجاحات كبيرة وخدمات للسويد من أطباء ومهندسين وأصحاب مشاريع تجارية ومهن ومجالات أخرى عادت بالفائدة على البلد على غير صعيد…

دعم الأحزاب اليسارية والتصويت لها لن يكون خطوة مثاليّة تمثّل اقتناعاً كاملاً ببرامجها الانتخابية أو بسياساتها الحالية، إنما أستطيع وصفه بخيار لا ثاني له. بين اليمين الذي يعادي المهاجر ويعمل لطرده من البلاد وبين اليسار الذي لدى أغلبنا كمهاجرين عتب وانتقادات كبيرة على سلوكه وأدائه السياسي، سأنتخب وأختار مقتنعاً أو متخفظاً اليسار، لأن المنطق والمصلحة والضمير تقتضي هذا.

أما لمن يروّج للحزب العنصري المتطرف ويعادي المهاجرين وهو منهم، فليسمع هذه الكلمات: لن يتقبلك العنصري حتى لو ملكت كل جنسيات أوروبا الغربية، وقمت بصبغ الشعر وتغيير الاسم، جئت إلى هذا البلد مهاجراً أو لاجئاً من حرب، فقُدّمت لك المساعدة، فكن شاكراً وتمنَّ الخير لمن جاء بعدك، فالأنانية مرض بغيض، وهذه أرض الله واسعة، ، لست من تقرر إغلاق حدود البلاد في وجه من ظلم في بلاده بسبب أنظمة تم تركيبها بأيدٍ غربيّة. فلتتحمل أوروبا على أي حال ومن ساهم معها بتدمير بلادنا ونهب ثرواتها بعضاً من ثمن هذه السياسات، لتتوقف الحرب في الشرق الأوسط حينها تتوقف الهجرة نحو بلادكم.

في 11 سبتمبر فلنتحمّل مسؤولياتنا ولنختر أفضل الموجود من الأحزاب المرشحة ولنتصدّ للأحزاب العنصرية التي لن تؤدي سياساتها إلا إلى خراب المجتمعات وانقسامها.

أخي العزيز، أنت جزء أساسي من هذا المجتمع، وصوتك مهم للغاية.

رأيي صواب يحتمل الخطأ.. و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب.

محمد بركات

مدرّس لغة عربيّة

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.