المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: لم يكن مفاجئاً أن تعلن وزيرة الخارجية السويدية، ماريا مالمر ستينرغارد، عن نية حكومتها مراجعة حقوق “مزدوجي الجنسية” في الحصول على الدعم القنصلي أثناء وجودهم خارج البلاد. لكنه إعلان يكشف، بلا مواربة، عن مشروع سياسي أكثر عمقاً وخطورة: إعادة تعريف المواطنة، وتحديد من يستحق الحماية ومن يمكن للدولة أن تتخلى عنه عند الحاجة.
ما الذي يعنيه هذا القرار؟ ببساطة، إذا كنت سويدياً من أصول إيرانية، عراقية، سورية، لبنانية أو غيرها، فقد تصبح مواطنتك أقل وزناً في نظر الدولة. قد تجد نفسك محتجزاً أو في خطر في بلد أجنبي، لكن السويد قد تقرر أن مسؤوليتها تجاهك محدودة، لأن لديك “مكاناً آخر تلجأ إليه”. هذا المفهوم بحد ذاته يتناقض مع جوهر الجنسية: علاقة غير مشروطة بين المواطن والدولة، وليست صفقة قابلة للمراجعة وفقاً للظروف السياسية.
في الوقت الذي تفكر فيه الحكومة السويدية في التخلي عن مواطنيها من “مزدوجي الجنسية”، تعمل دول أخرى على العكس تماماً. الولايات المتحدة، ألمانيا، كندا، بريطانيا، جميعها دول تدرك أن مسؤوليتها تجاه مواطنيها لا تتأثر بأصولهم أو عرقهم أو دينهم، بل تُبنى على مبدأ أساسي: إذا كنت تحمل جواز سفرنا، فأنت منا، وسنقاتل من أجلك.
ألمانيا لم تتردد في خوض معركة دبلوماسية لاستعادة مواطنتها الألمانية-الإيرانية ناهد تقوي، التي اعتُقلت في إيران لأسباب سياسية. أمريكا تفاوضت بشراسة لإطلاق سراح مواطنيها المحتجزين في طهران، رغم أنهم يحملون جنسيات مزدوجة.
لكن في السويد، يبدو أن الحكومة قررت أن تفرق بين مواطنيها. بعضهم يستحق الحماية والدفاع عنه حتى النهاية، والبعض الآخر يمكن اعتباره “مسؤولية ثانوية”. السؤال الذي يسأله كثيرون منا الآن: إذا كانت الدولة لا تعتبرني مواطناً كامل الحقوق خارج حدودها، فهل هي حقاً تعتبرني كذلك داخلها؟
من سياسة اللامبالاة إلى التحريض السياسي
هذا القرار ليس مجرد تعديل إداري، بل امتداد لسياسة أوسع تنتهجها الحكومة اليمينية الحالية، سياسة تقوم على تقسيم السويديين إلى “أصليين” و”وافدين”، “حقيقيين” و”مشروطين”. هذه ليست صدفة، بل نهج مدروس يسير بالتوازي مع الخطاب الشعبوي الذي يحمّل المهاجرين مسؤولية كل مشكلات البلاد، من البطالة إلى الأمن إلى الاقتصاد.
لقد رأينا جميعاً كيف ساهم هذا المناخ السياسي في خلق بيئة خصبة للكراهية، بيئة تحوّلت من مجرد خطابات تحريضية إلى مأساة حقيقية في هجوم أوربرو، حيث استهدف سويدي “حقيقي” مدرسة تعج بالطلاب من أصول “مشروطة”، واليوم، يتم استهداف ذوي الأصول المهاجرة في السياسات كما في الشارع، فهل أصبحت حياتهم ومواطنتهم أمراً قابلًا للتفاوض؟
ما التالي؟ هل تصبح الجنسية السويدية “مؤقتة”؟
إذا مرّ هذا القرار، فما الذي يضمن ألا يتبعه المزيد؟ هل سنرى قوانين تحرم “مزدوجي الجنسية” من بعض الحقوق السياسية؟ هل سيتم تقييد حصولهم على وظائف حكومية حساسة؟ هل ستصبح مواطنتهم “بطاقة عضوية” يمكن إلغاؤها عند الحاجة؟
المواطنة ليست امتيازاً، وليست هدية تمنحها الدولة للبعض وتحجبها عن آخرين، بل هي عقد اجتماعي لا يُقاس بلون البشرة أو بأصل العائلة. اليوم، الحكومة تمهد الطريق لجعل الجنسية السويدية امتيازاً، لا حقاً، فهل سنقبل بذلك؟
حازم داكل