المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: أبرز المدافعين عن ما يسمى حقوق المثليين، العابرين جنسياً، و غيرهم من الأقليات الجنسية (+LGBTQ) هم تيارات ما قد يسمى اليسار واليسار الليبرالي أو الليبرو يساري. التسامح، الاحتفاء بالتعددية والانفتاح وقبول الآخر من أبرز القيم التي تتبناها هذه القوى اليسارية الغربية. فمن جانب ترى كثير من هذه التيارات أن الناس، كأفراد أو مجموعات مختلفين في ثقافاتهم ونظرتهم للحياة أو ربما حتى في تكوينهم النفسي، البيولوجي أو الاجتماعي. و ترى أن هذه الاختلافات لا تقلل من قيمة أو إنسانية المُختلف ولا تنزع عنه حقوقه. و لا تجعل هذه الاختلافات أحداً فوق غيره، إنما البشر كأفراد ومجموعات وثقافات متساوون في القيمة والحقوق. وفوق ذلك ترى هذه القوى التنوع والاختلافات كعامل قوة وغنى لا ضعف.
من الجانب الآخر ترى هذه التيارات أن هناك قوى هيمنة غالباً ما تكون ظالمة في هذا العالم. فالمهيمن عادة ما يحد ويحارب التسامح والتعددية في المجتمعات. ومن أبرز ما تحاربه هذه القوى ما تسميه هيمنة الرجل الأبيض أو الثقافة الأوروبية و محوريتها. فترى هذه التيارات أن أوروبا الاستعمارية قامت بغزو العالم زاعمة تفوقها الحضاري و الثقافي وجعلت من نفسها معياراً للتحضر و عدم التحضر. حتى في الجغرافيا وضعت أوروبا نفسها محوراً للكون، كما ترى هذه التيارات. فتراهم مثلاً ينتقدون مصطلح الشرق الأوسط أو الأدنى أو الأقصى، لأنه مبني على مدى قرب وبعد هذه المناطق من أوروبا. وفي التاريخ يعترضون على مصطلح عصور الظلمات. لأنه يتغافل أن التاريخ يتضمن شعوباً وحضارات و أقاليم غير أوروبا. ففي الوقت الذي يوصف هذا العصر بالمظلم في أوروبا كانت الأقاليم الإسلامية والصينية في ازدهار علمي ومعرفي و عمراني.
هذه ليست مجرد مصطلحات بالنسبة للقوى الليبرو يسارية، إنما أيضاً جزء من الثقافة و العلوم والمؤسسات التي خلقها الرجل الأبيض و القوى الاستعمارية الأوروبية لتعزيز هيمنتها و محوريتها. الاستعمار الأوروبي لم يستغل باقي الشعوب عبر الاحتلال العسكري و سرقة ثرواتها فقط، بل حاولت تلك القوى تشكيل العالم بما فيه من اللغة، الطب، و الأنظمة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بطريقة تحقق مصالحها على حساب الآخرين وحقوقهم. لذلك هذه القوى اليسارية و الليبرو يسارية تعمل على إعادة تشكيل أو إصلاح المعرفة و العلوم و اللغة و الأنظمة لتقضي على هذه الهيمنة التي تعتبرها نوعاً من أنواع العنصرية.
القوى المهيمنة التي شكلت العالم لا تفضل مجموعة على أخرى فقط على أساس تصور إثني أو ثقافي. الهيمنة الأوروبية مكنت ما يسمى البيض أو الأوروبيين من استغلال غيرهم من الشعوب. وفي الوقت ذاته هناك شريحة أخرى من الهيمنة هي مركزية أو هيمنة الذكور. وأحد الأمثلة التي تُطرح عن مركزية الذكور هي أن معظم الدراسات الطبية لإيجاد أدوية وعلاجات تقوم بدراسة الذكور لا الإناث. لذلك العلاجات التي يتم تطويرها تكون أكثر فعالية على الرجال من النساء بسبب الاختلافات البيولوجية والتشريحية بينهم. كما أن الأعراض الجانبية السلبية تكون أكبر على النساء. ذات الشيء عن هيمنة الأغنياء و أصحاب رأس المال، فالقوة المالية التي لديهم مكنتهم من خلق نظام اقتصادي و سياسي يمكنهم من جمع مزيد من المال و القوة على حساب الآخرين.
ومن أحد الطرق لمكافحة هذه الهيمنة و دعم و تمكين الأقليات و المظلومين تمثيلهم بشكل إيجابي في المجال العام والآداب و الفنون و شاشات التلفاز والسينما. فغالباً ما كان البطل في الأفلام هو الرجل الأبيض المغاير جنسياً. وغالباً ما يتم إظهار الأقليات بطرق سلبية، كإظهار المسلمين كإرهابيين، والسود كأفراد عصابات، و النساء كساذجات أو سلع جنسية.
الاعتراض الأخير على احتواء بعض أفلام الأطفال شخصيات مثلية يأتي في هذا الإطار الذي يسعى إلى تمثيل الأقليات بشكل أكبر وأكثر إيجابية في الأفلام و المسلسلات. فيلم بينوكيو الحي لهذه السنة يحتوي على العديد من الشخصيات سوداء البشرة على عكس النسخة القديمة من الفيلم. فلم حورية البحر التي تمتاز ببشرتها البيضاء وشعرها الأحمر يتم إنتاج فيلم جديد عنها لكن هذه المرة الحورية ذات بشرة سوداء. كذلك مسلسل سيد الخواتم و آل التنين لهذه السنة. وإذا لاحظنا أفلام الأطفال والبالغين في السنين الماضية، فسنلاحظ ظهور شخصيات محجبة و شخصيات من أديان وألوان مختلفة.
محاولة إظهار شخصيات مسلمة وسمراء ومثلية في التلفاز والمجال العام هو جزء من مسعى هذه القوى الليبرو يسارية لخلق عالم أكثر تسامحاً وعدالةً و تنوعاً. يمكن أن ننقد هذه الرؤية الليبرو يسارية للتسامح و التنوع. ويمكن اتهامها بالوقوع بالخطأ و بالتناقض و المبالغة أو إغفال قيم معينة على حساب أخرى. لكن من الظلم و الجهل التعامل مع هذه القوى على أنها قوى شريرة تريد فساد العالم. هذه القوى التي ترفع أعلام قوس قزح هي في الغالب من تظاهرت ضد غزو العراق، و الإسلاموفوبيا والاستعمار، وهي في الغالب القوى ذاتها التي ترحب باللاجئين وتحارب العنصرية ضدهم في أوروبا. طبعاً هذا لا يعني أن هذه القوى على حق مطلق، لكن حتى لو كانت على خطأ في بعض أو كثير من الجزئيات و المواقف فلا بد أن نقر وندرك أن هذه المواقف منطلقة من دوافع و أخلاق نبيلة تدعو للعدالة و التسامح والتعددية.