المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: في السنوات الأخيرة، شهدت أوروبا جدلًا متزايدًا حول حق اللاجئين في زيارة أوطانهم الأصلية دون أن يؤدي ذلك إلى التاثير على أوضاعهم القانونية. في بعض الدول مثل ألمانيا، يتم مناقشة إمكانية السماح بزيارات استثنائية للاجئين السوريين إلى وطنهم لأسباب إنسانية أو عائلية، دون أن يؤدي ذلك إلى فقدان صفة اللجوء أو الإقامة.

هذا النقاش يطرح تساؤلًا مهمًا حول ما إذا كان يمكن للسويد أن تتبنى نهجًا مماثلًا، خصوصًا في ظل التوازن بين المبادئ القانونية، حقوق الإنسان، والواقع السياسي والاجتماعي.
وفقًا لاتفاقية جنيف لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، يتم منح الحماية الدولية للأشخاص الذين يتعرضون لخطر الاضطهاد في بلدانهم الأصلية، ولا يمكنهم العودة إليها بأمان. تنص المادة 1 من الاتفاقية على أن الشخص يفقد صفة اللاجئ إذا تبين أنه عاد طوعًا إلى وطنه الأصلي واستعاد حماية دولته، مما قد يشير إلى أنه لم يعد بحاجة إلى الحماية الدولية.

في السويد، يخضع اللاجئون وطالبو اللجوء لقوانين صارمة تنظم حركتهم وسفرهم. بموجب قانون الأجانب السويدي، فإن عودة اللاجئ إلى بلده الأصلي تعتبر سببًا كافيًا لإعادة تقييم وضعه القانوني، حيث يمكن للسلطات اعتبار أن حاجة الشخص للحماية قد انتفت. لذلك، أي زيارة إلى البلد الأصلي قد تؤدي إلى فقدان تصريح الإقامة وربما الترحيل، خاصة إذا لم يتم إثبات وجود أسباب استثنائية لهذه الزيارة.
رغم أن القوانين المتعلقة باللجوء واضحة من منظور الحماية، فإنها تصطدم بمبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان، وهو حق التنقل وحرية العودة إلى الوطن. تنص المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إليه.” غير أن هذا الحق ليس مطلقًا في سياق اللجوء، حيث يتوجب موازنته مع حق الدولة في تنظيم وضع اللاجئين بما يضمن عدم استغلال أنظمة الحماية.

من منظور حقوقي، يرى بعض المدافعين عن حقوق اللاجئين أن حرمان شخص من زيارة وطنه، حتى لفترة قصيرة ولأسباب إنسانية، هو انتهاك لمبدأ حرية التنقل. كما أن هناك حالات يكون فيها اللاجئون مضطرين للعودة لفترة قصيرة بسبب ظروف قاهرة، مثل وفاة أحد أفراد العائلة أو مسائل قانونية ملحة في بلدهم الأم. في هذا السياق، فإن منع أي زيارة بشكل مطلق قد يعد قيدًا غير متناسب على الحقوق الأساسية للاجئين.
بعض الدول الأوروبية بدأت في مراجعة سياساتها بشأن سفر اللاجئين إلى أوطانهم. على سبيل المثال، تناقش ألمانيا حاليًا مقترحًا يسمح بزيارات مؤقتة للسوريين دون التأثير على وضعهم القانوني، وذلك كجزء من سياسة أكثر إنسانية تهدف إلى دعم العودة الطوعية على المدى الطويل. يُطرح هذا النموذج باعتباره وسيلة لتشجيع اللاجئين على إعادة الارتباط ببلادهم الأصلية، مما قد يسهل عملية العودة الطوعية إذا تحسنت الأوضاع.

إضافة إلى ذلك، فإن الدنمارك، رغم سياستها المتشددة في مجال اللجوء، قد سمحت في بعض الحالات الفردية بزيارات قصيرة لأسباب إنسانية. هذه التجارب تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول إمكانية السويد تبني سياسة أكثر مرونة في هذا الصدد، مع ضمان عدم استغلال هذه الزيارات للتحايل على قوانين الحماية الدولية.

تثير هذه المسألة تساؤلات حول طبيعة اللجوء نفسه: هل اللجوء هو مجرد حماية قانونية تمنحها الدولة المضيفة، أم أنه علاقة متكاملة بين اللاجئ والدولة المضيفة تتيح له بعض الحقوق الأساسية، مثل الحق في التنقل بحرية؟
يرى البعض أن السماح بزيارات مؤقتة لا يعني بالضرورة أن اللاجئ لم يعد بحاجة إلى الحماية، بل قد يكون ذلك جزءًا من عملية إعادة التكيف مع الواقع، خاصة في الحالات التي تتحسن فيها الأوضاع في البلد الأصلي تدريجيًا. في المقابل، فإن هناك مخاوف من أن فتح هذا الباب قد يؤدي إلى استغلاله بطرق قد تضعف نظام اللجوء بشكل عام، خاصة إذا تبين أن بعض اللاجئين يسافرون بشكل منتظم إلى بلدانهم الأصلية لأسباب غير ضرورية.

على الصعيد السياسي، يواجه هذا الموضوع تحديات كبيرة في السويد، حيث يشهد النقاش العام حول اللجوء والهجرة انقسامًا حادًا. الأحزاب اليمينية المتطرفة تدعو إلى سياسات أكثر تشددًا تجاه اللاجئين، بما في ذلك إعادة تقييم أوضاع الحماية وحتى ترحيل بعض الفئات. أي تغيير في القوانين الحالية باتجاه تسهيل زيارات اللاجئين إلى أوطانهم قد يواجه معارضة قوية، خصوصًا في ظل المناخ السياسي الحالي الذي يركز على تقليص عدد اللاجئين وإعادة النظر في سياسات اللجوء بشكل عام.

إذا قررت السلطات السويدية دراسة هذا الموضوع، فمن الممكن تبني حلول وسط تحقق التوازن بين الحاجة لحماية اللاجئين واحترام حقوقهم الإنسانية. يمكن، على سبيل المثال، وضع آليات قانونية تسمح بالسفر الاستثنائي لأسباب إنسانية محددة، على أن يخضع ذلك لمراقبة صارمة تضمن عدم استغلاله لأغراض أخرى.

كما يمكن تبني نموذج مماثل لألمانيا، حيث يتم منح اللاجئين إمكانية التقدم بطلب للحصول على إذن سفر استثنائي مع تقديم مبررات مقنعة. إضافة إلى ذلك، يمكن تطوير برامج دعم العودة الطوعية التي تتيح للاجئين تقييم أوضاعهم في وطنهم بشكل آمن، دون المخاطرة بفقدان وضعهم القانوني بشكل تلقائي.

السويد، مثل غيرها من الدول الأوروبية، تواجه تحديات معقدة فيما يتعلق بسياسات اللجوء والسفر. بينما تفرض القوانين الحالية قيودًا صارمة على سفر اللاجئين إلى أوطانهم، فإن هناك حججًا قانونية وحقوقية وإنسانية تستدعي إعادة التفكير في هذه السياسات. تحقيق التوازن بين أمن الدولة وحقوق اللاجئين يتطلب حوارًا واسعًا بين جميع الأطراف المعنية، لضمان حلول عادلة وإنسانية ومستدامة.

كاوا العيسى
محلل وكاتب سياسي وناشط في حقوق الإنسان