المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: مع الإعلان الرسمي لسريان وقف إطلاق النار في غزة، كان مئات الآلاف من النازحين قد تجمعوا قرب تلة النويري، وهي آخر نقطة يمكنهم الوصول إليها دون التعرض لخطر إطلاق النار عليهم من قبل جيش الاحتلال الذي كان يمنع النازحين من العودة الى منازلهم. يحدق النازحون في الأفق، حيث جسر وادي غزة، يترقبون بشائر العودة. البعض أضرم النار في خيمته كإعلان رفضٍ قاطع للعودة إلى حياة النزوح.
الخطوات الأولى التي خطوتها تجاه وادي غزة، كانت محفوفة بالمخاطر، العشرات من المقذوفات غير المنفجرة التي تشكل خطراً على النازحين كانت تتواجد في المكان، وبقايا جثث الأشخاص الذي حاولوا عبور هذه المنطقة في الشهور الماضية ملقاه على الأرض، من بينها جثمان الشاب مهند أبو سكران ( 22 عاماً) وهو شاب فلسطيني واعد، كان يعمل مبرمجاً لتطبيقات الحاسوب. مهند أسهم بالعمل مع “جمعية أجيال”، الجمعية التي أشغل منصب رئيس مجلس إدارتها. مساهمة مهند كانت في تصميم تطبيق يساعد الأطباء في مشافي الولادة على الوصول إلى بروتوكولات طبيّة غاية في التعقيد من خلال هواتفهم النقالة.
قتلت نيران الاحتلال مهند في منتصف العام 2024 عندما كان يحاول العودة الى مدينة غزة، وبقيت جثته ملقاة لمدة أشهر، إلى حين عثور عائلته على جثمانه، ومن خلال ملابسه تعرّفت العائلة عليه.
بعد ساعتين من المشي بدون توقف، كنت قد وصلت الى جنوب مدينة غزة، وقفت أستجمع أنفاسي. لم تعد غزة كما كانت شوارعها تحمل ندوب المعارك. لم أعد أتعرف على الشوارع الجميلة التي عشت فيها طفولتي؛ منازل الأصدقاء مدمرة، حيث تفيد “مجموعة المأوى”، وهي مجموعة تضم عدداً من المؤسسات الدولية والمحلية التي تعمل في غزة بأن 92 بالمئة من المنازل في غزة تعرضت للدمار. تعيش الأسر النازحة في ظروف غير إنسانية، يتكدس أفراد العائلات في خيام ممزقة، يواجه الأطفال خطر التشرد، وتعاني النساء من غياب الأمان. في ظل نقص مواد الإيواء، يضطر السكان إلى اللجوء للمباني المتضررة، مما يعرضهم لمخاطر الذخائر غير المنفجرة.
يقدر عدد المفقودين بقرابة 11 ألف شخص، كما يحتجز الاحتلال 9846 فلسطينياً في السجون، لا تشمل هذه الأرقام المعتقلين من غزة بعد 7 أكتوبر 2023 الذين يقدر أعدادهم بالآلاف.
حتى العام 2025 كانت “أجيال”، مع عدد كبير من شركائها قد قدمت خدمات التعليم لقرابة 5000 طفل، إضافة إلى تقديمها خدمات الدعم النفسي والاجتماعي لـ 77421 نازحاً، 70 بالمئة منهم على الأقل من النساء والأطفال. الى جانب برنامج الاستجابة الإنسانية الطارئة للأزمة في غزة الذي تزود فيه “أجيال” عشرات آلاف النازحين بالطرود الغذائية والخضروات والفواكه وطرود النظافة الشخصية وحليب الأطفال كجزء من دورها في تعزيز صمود الناس. غير أن هذه الجهود هي مساهمة صغيرة في ضوء الاحتياجات الحقيقية للنازحين.
الفلسطينيون وحدهم دون موارد
تشير التقارير إلى أن الدول المانحة أنفقت نحو 146.4 مليون دولار في غزة من التمويل المطلوب للاستجابة للأزمة الإنسانية المقدرة بـ4.07 مليار دولار أي ما يشكل (3.6 بالمئة) فقط من الاحتياجات الأكثر إلحاحاً لدى 3.3 مليون نسمة جرى تحديدهم على أنهم في حاجة إلى التدخل الإنساني. وهو ما يعني أن الفلسطينيين الذين هم بدون موارد، سوف يتركون لوحدهم يواجهون عمليات التجويع المنظم.
إن المطلوب اليوم ألا يُترك الفلسطينيون لوحدهم في مواجهة استكمال الإبادة الجماعية ضدهم، مع تنامي مخاطر التهجير القسري، وهو ما يتطلب ليس النظر لقضيتهم على أنها قضية إنسانية فحسب، إنما الالتفات أيضاً لحقهم في تقرير المصير، إن وقف إطلاق النار لا يعني انتهاء الإبادة، ولا يعني توقّف الحرب، وتوقف الحرب أيضاً لا يعني انتهاء المأساة.
عبدالله شرشرة، رئيس جمعية Ayal.
جمعية Ayal هي إحدى عدة شركاء في غزة للمنظمة الخيرية السويدية IM.