الحياة في السويد صراعات وليست أبيض أو أسود

: 2/14/23, 7:45 PM
Updated: 2/14/23, 7:45 PM

استغرب بعضهم أن يخرج كاتب سويدي مشهور وهو “يان غي يو” لكي يدافع بمقال رأي عن المسلمين وينتقد الشرطة السويدية لأنها منحت بالودان العنصري المتطرف تصريحاً بحرق المصحف عدة مرات، إضافة إلى أن عدد ممن يقودون حملة التضليل ضد السويد من الخارج، اعتبروا المقال وثيقة إدانة للشرطة والمجتمع السويدي والسويد عموماً، وكأنهم اكتشفوا أن الكاتب يان غي يو أصبح من جماعتهم وانشق عن السويد لينضم إلى أبواق تشويه سمعة بلاده، أي أن هذا الكاتب اليساري والمشهور جداً والذي يتقاضى أعلى أجور عن كتاباته، تاب عن إنسانيته وأقلع عن وطنيته وأصبح من جماعة بعض المتطرفين الإسلاميين المنادين بمحاربة السويد وتشويه صورتها.
بالمناسبة هذا الكاتب هو من المؤسسين لجمعية نصرة الشعب الفلسطينيPalestinagrupperna وهو من أشد المناصرين لقضايا التحرر العالمية وأنا أعلم من مصادر داخل Palestinagrupperna أنه لا يزال يتبرع بمبالغ كبيرة لهذه المنظمة وغيرها من منظمات العمل الإغاثي والمدني.
هؤلاء الذين فرحوا بمقال يان غي يو واعتبروه وثيقة إثبات وتأكيد على دعاياتهم ضد السويد، لا يعلمون أن هذا الكاتب يمثل الوجه الحقيقي للشعب السويدي وخصوصاً لما كانت عليه السويد قبل ظهور اليمين المتطرف، ولما يجب أن تكون عليه السويد في المستقبل، حسب ما يسعى إليه الكثيرون. هذا الكاتب أراد من مقاله الدفاع عن المسلمين العاديين عن الأغلبية الكبيرة للمسلمين في السويد، وليس عن القلة الرافضين للاندماج والذين يعتبرون البلد عدواً لهم، وهو بالتأكيد لم يكتب هذا المقال لكي يؤيد ويحابي أقطاب حملة التضليل ضد بلده، الهاربين منهم من وجه العدالة بتهم تهريب البشر، أو المختبئين بأسماء وهمية وراء صفحات ومواقع ممولة من أجندات تريد تدمير العلاقة بين المسلمين ومجتمعاتهم الجديدة، أجندات تريد من المسلمين أن يكون لهم مجتمعاتهم الموازية والمنفصلة عن الدولة وقوانينها.
هذا شيء مثبت وأصبح واقعياً وواضحاً للجميع. ما معنى أن تركز حملات التضليل من داخل السويد وخارجها على الأشخاص والمؤسسات الذين يريدون فقط إعطاء المعلومة الصحيحة عن السويد ومؤسساتها؟ ما معنى أن تشن الحملات بطريقة وضيعة ورخيصة لإسقاط الناس الذين يقولون رأياً مخالفاً ولا يريدون أن يكونوا مع تيار الجهل والتجهيل ونشر الكراهية، أشخاص وجهات يدعون إلى معرفة أين نعيش وكيف نتصرف وكيف نواجه المشاكل التي تعترض علاقاتنا مع الدولة ومؤسساتها ومع عقلية ومفاهيم المجتمع الجديد… التهمة جاهزة أنت تطبل أنت عميل للحكومة وللأمن والسوسيال، تهم تكاد تشفق على من يتبناها ويرددها…لانهم ببساطة هم من يحملون التطبيل وأفكاره وصداه بعقولهم ولا يستعطون التخلي عن هذه المفاهيم البالية والموروثة، تشفق عليهم لأن أغلبهم ضحية ولا يستطعون حتى الاعتراف أنهم يعيشون في بلد ومجتمع آخر اسمه السويد.
والسويد لا تعني البلد الفاضل ولا تعني المؤسسة الخيرية ولا تعني بلد الملائكة… السويد مجتمع منفتح وديمقراطي وفيه صراعات، نعم هناك صراعات داخل السويد كما داخل أي بلد آخر يشبهه.
هناك صراع بين اليمين واليسار، بين العنصرية والتسامح، بين مفهوم القومية العرقية الأحادية وبين المجتمع المتعدد الثقافات، بين مفاهيم اقتصادية مختلفة وبين مفاهيم اجتماعية متفاوتة، والسؤال هو أين دورك أنت ومكانك في خضم هذه الصراعات؟ هل ستبقى على الهامش؟ تتهم كل من يريد إعطاءك معلومة صحيحة بالتطبيل والعمالة؟
هذا الموقف أن تكون على الهامش وتكيل الاتهامات هو أسهل شيء يمكن أن يفعله الجبناء والكسالى.
الآن أصبحت اللعبة مكشوفة بعد مرور أكثر من سنة على الحملات التي تتذرع وتستغل وتحمل لافتة الدفاع عن العائلات وأطفالهم المتضررين من قوانين الرعاية القسرية، نجد أنهم في الحقيقة لم يساعدوا عائلة واحدة على مدار أكثر من سنة برؤية طفل من أطفالها، كل ما قاموا به تأليب المجتمع علينا ونشر الكراهية ضد السويد وزيادة وتيرة السب والشتم والاتهامات ومحاولة إسقاط من يريد أن يقول لهم: هذا خطأ أنتم تورطوننا بمخططات أكبر منكم، أنتم تلحقون الضرر بالعائلات وتسيئون لكل الأجانب والمسلمين وللعرب..لكن لا حياة لمن تنادي
على فكرة ليس فقط الكاتب يان غي يو هو من انتقد الشرطة السويدية، هناك السياسي المخضرم كارل بيلدت والذي كان رئيساً للوزراء ووزيرا للخارجية قام بتوجيه اللوم مباشرة للشرطة وقال حرفيا: كان من الخطأ أن تمنح الشرطة السويدية الإذن لبالودان بحرق المصحف.
هل هذا السياسي العريق انشق لصالح جماعة حملة التضليل؟ أم أنه وكثيرين معه جزء من صراع ديمقراطي داخل الشعب السويدي يرى أن مصلحة السويد في ان لا تستفز قسماً من سكانها وألا تساعد على نشر نعرات الكراهية.
الغريب أن يجلس شخص نكرة غير معروف لا اسمه ولا هويته ولا صورته مختبئ في مكان ما ينفث سمومه علينا كجاليات مسلمة في السويد. نقول إن العديد من الناس اكتشفوا خبث هؤلاء وأهدافهم، مع أن خطرهم لا يزال قائماً طالما أنهم يستغلون حاجة الآخرين وضعفهم وعواطفهم.
كثير من السويديين هم مثل الكاتب يان غي يو ومثل السياسي كارل بيلدت لكن أصواتهم أصوات الحق والحقيقة للأسف تنخفض كلما علت أصوات الشر والشؤم التي تسب وتشتم السويد وتلفق الشائعات ضدها.
نحن لم ولن نقول من لا تعجبه السويد فليرحل، هذا كلام عنصري مرفوض أو هذا كلام العاجز قليل الحيلة، لا إذا لم تعجبك السويد حاول أن تفهم لماذا لا تعجبك، وبعدها حاول أن تغير فيها، أن تكون جزءاً من الصراعات الموجودة فيها، وانت وانا وهو نستطيع التغيير خصوصاً عندما نبدأ أولاً بإهمال حملة التضليل وعدم الانجرار خلفها. والتفرغ لمراقبة أخطاء مؤسسات الدولة أكثر وانتقاد السياسيين وخلق بيئة صالحة لسماع صوت العائلات المتضررة ليكون مسموعاً ومؤثراً بعيداً عن الغوغائيين والسطحيين وصائدي الفرص.
كما قلنا الكثير والكثير من السويديين يرفضون الظلم ويرفضون التمييز ويرفضون الكراهية، وهم على استعداد لمساعدتنا ولكن كيف يمكن أن يساعدوا في بيئة هجوم وكراهية ضد بلدهم؟ وكيف يمكن أن يساعدونا وكثيرون منا نحن أصحاب الشأن المتضررين إما نعيش على الهامش أو على العكس نقف مع الشر ومع الجهة الخطأ التي تنشر الشائعات ضد البلد الذي نعيش فيه؟ تحية للكاتب يان غي يو وللسياسي كارل بيلدت وغيرهم ممن يقفون معنا ضد الظلم وضد حملات التضليل التي أول ما تطال تطالنا نحن الأقليات العربية والمسلمة، تحية لكل من يريد سماع الحقيقة والتأكد من المعلومة قبل تبنيها من أجل التفاعل معها والاستفادة منها، تحية لكل المنخرطين في الصراعات الديمقراطية لإظهار الحق ومكافحة الباطل
تحية لكم …للحديث بقية ولكن الآن إلى اللقاء

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.