السويدي الحقيقي ليس كما يتخيله أوكيسون

: 5/24/23, 10:26 AM
Updated: 5/24/23, 10:26 AM

يدافع جيمي أكيسون وحزبه عن صورة السويدي والمواطن الشريف، ويقدم هذه الصورة دائماً عن شخص يتمتع بالنزاهة والتحضر، في مقابل مجموعة من الهمج والمتخلفين والنصابين، ممن أتوا للسويد لكي يستفيدوا من خيراتها ومن نظام رفاهيتها الاجتماعي. يدافع أوكيسون ومن معه عن السويدي الذي يقدمه في تصريحاته لكي يحميه من خطر التلوث والاختلاط مع ثقافة الغرباء الآخرين، الممتلئة بالكذب والاحتيال والتخلف.
كما نعلم سابقاً كانت الدعاية النازية القديمة قائمة على السعي لحماية الجنس الآري المتفوق والنقي والحفاظ عليه من الاختلاط أو الانقراض، الآن لا تستطيع النازية الجديدة قول ذلك علناً. الموضة الآن هي للحديث عن الفروقات الثقافية، بدل الفروقات الإثنية والعرقية، والتي وصلت إلى مرحلة وصف هذه الفروقات بالحرب الثقافية كما أعلن أحد قيادات حزب الـ SD ، منذ فترة، حين أعلن عن وجود خطر على الثقافة السويدية الراقية والعالية في مواجهة ثقافات وضيعة ومتخلفة.
هذه الحرب الثقافية التي يريد اليمين المتطرف تكريسها، تقدم مفاهيم مغلوطة عن النزاهة والشرف والحضارة، مفاهيم غير مشرفة لأي سويدي عادي، وهي مفاهيم بعيدة كل البعد عن صورة السويدي الحقيقي، الذي نعيش ونتعامل معه ونشعر به يومياً.
يقول Johan Wester أحد الناشطين السويديين في منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي، ردا على نموذج جيمي أوكيسون في تحديد من هو السويدي ومن هو المواطن الشريف: أشعر أنني شخص سويدي وشريف، لكنني بعيد كل البعد عما يطرحه جيمي أوكيسون، بالنسبة لي، ليس من السويدي في شيء أن تكون منغلقاً ومتلاعباً وتآمرياً وعالقاً في التفكير القديم. على العكس، بالنسبة لي، والكلام لا يزال ليوهان: فأن أكون سويدياً يعني أنني قادر على أن أكون شاملاً ومتعاوناً ومتسامحاً أيضاً، ما بين المتعة والإبداع، أبحث دائما عن حلول للمستقبل. انتهى الاقتباس.

صورة السويدي الحقيقي التي تعودنا عليها ونعرفها ويفتخر بها معظم السويديين، هي صورة السويدي الذي يسعى إلى التعاون وإلى توافق الآراء، وبناء الثقة. السويدي الحقيقي صادق وموثوق ولا يُقسم الناس إلى مجموعات ولا يُقلب مجموعة ضد أخرى، ولا ينشر الرعب والخوف بين مكون اجتماعي وآخر.
ولكن ليس من السويدي في شيء البحث عن الفروقات بين مكونات المجتمع وتحويلها إلى أزمات ومشاكل، مثل الفروقات بين المدينة والريف وبين السويديين والأجانب، وبين الأديان والطوائف، وخل مفهوم طبقي بين السويدي الإثني والسويدي غير الإثني وتجذير هذه الفروقات.

ما نعرفه هو أن السويدي الحقيقي يفتخر بعراقة وأصالة ديمقراطية بلده، ويدافع عنها ويسعى إلى حماية سيادة القانون، والحفاظ على حكم المؤسسات واستقلاليتها، حتى تتمكن السلطات من العمل بحرية وموضوعية دون تأثير سياسي، بينما ليس من السويدي في شيء ما نراه الآن من تدخل لتعيين مسؤولين حكوميين أو أعضاء في مجالس جامعات بقصد متابعة أجندة سياسية معينة. بل ما نشهده الآن هو عملية انقلاب بطيئة وحثيثة للسيطرة على الدولة العميقة.

ما نعرفه عن السويدي الحقيقي هو أنه يفكر بالأجيال المقبلة ويحرص على البيئة ويبحث عن حلول جديدة، ولا يتمسك بالتقنيات القديمة، لأن السويد في طليعة الدول التي تطور حلولاً للطاقة البديلة، لكن ليس من السويدي في شيء طرح حلول متخلفة والدعوة مثلاً إلى حماية استخدام الوقود الأحفوري وتسهيل مزيد من استخدام الديزل بدلاً من تطوير التقنيات المستدامة في المستقبل.

السويدي المتحضر وكما نعرفه، يدافع دائماً عن العدالة ويقف مع الضعفاء ويكره الظلم، الاهتمام بالعدالة الاجتماعية وبحقوق الإنسان والحفاظ على الخصوصية وحماية القانون، مسلمات يسعى لها السويدي العادي لحماية مجتمعه، بل ويسعى لنقلها إلى المجتمعات الأخرى.
ولكن ليس من السويدي في شيء، العمل على نشر الكراهية ضد الأجانب ووضع قوانين وقيود على تمديد إقاماتهم وعلى لم شمل عائلاتهم وعلى منح حق اللجوء لمن يستحقه. ليس من السويدي في شيء أن نرى إجبار المدرسين وموظفي الرعاية الصحية على أن يبلغوا عن المهاجرين غير الشرعيين، وأن يشي الناس ببعضهم البعض.
السويدي العريق هو السويدي الحر، هذا جزء من بداية النشيد الوطني السويدي، في وصف السويد Du gamla, du fria. حرية الصحافة وحرية التعبير حق راسخ بالدستور إن كانت هذه الحرية لا تنتهك القانون. حماية الصحافة وحماية حرية التعبير، من أهم سمات السويدي المتحضر.
ولكن ليس من السويدي في شيء محاولة السيطرة على ما يجب أن تفعله الصحافة الحرة أو أن تستخدم سلطتك السياسية، على سبيل المثال، للتأثير على الثقافة والفن وتهديد الخدمة الإعلامية العامة.

إذا هناك فرق جوهري بين صورة السويدي الحقيقي والواقعي وبين السويدي الذي يرسمه ويستخدمه حزب الـ SD في دعاياته الشعوبية. السويدي حسب أوكيسون، شخص منعزل يريد النأي بنفسه عن كل الثقافات الأخرى، لا يريد أن يكون حتى جزءاً من الاتحاد الأوروبي، ويؤيد على مضض الانضمام إلى الناتو، ولا يسهم في المنظمات الدولية المعنية بالمناخ والبيئة ومساعدة الفقراء بالعالم، ولا بنشر قيم الديمقراطية والتسامح، الشخص الخائف، بل الكاره للأجانب والمهاجرين من حوله، فهو في لعبة مؤامرة دائمة معهم، يضع نفسه فوق الآخرين لأنه حضاري وشريف أكثر من الآخرين. هذا يعني أن أوكيسون لا يدافع عن السويدي الواقعي الموجود بيننا، بل يدافع عن سويدي متخيل يريد أن يشكله على طريقته من خلال الخوف والتحريض.

المشكلة على الجانب الآخر والتي يقع فيها عدد من اللاجئين والأجانب في السويد خصوصاً ممن يجدون صعوبة بالاندماج، هي الخلط ما بين هويتهم الثقافية والدينية والإثنية وبين حقهم وواجبهم ضمن مفهوم المواطنة السويدية، ليس هناك أي تناقض في أن يحافظ المسلم أو العربي أو الهندوسي على هويته الثقافية وأن يكون مواطناً سويدياً صالحاً وفاعلاً، ونموذجياً أيضا لأنه يحمل قيم مجتمعية مشتركة، حتى وإن حدث في مكان ما تعارض بين المواطنة والهوية الخاصة، فإن التمسك والقناعة بمفهوم المواطنة هو السبيل لحل هذا التناقض.
عندما تضعف مواطنتنا على حساب تقوية هويتنا الثقافية الخاصة، فإننا قد نسمح لقوى عدة بفرض قوانين إدماج جائرة علينا ونسمح بإحداث شرخ بين قيم المجتمع الذي نعيش به وبين ما نعتبره قيماً خاصة بنا، هنا يمكن أن نفقد أهم قوة بأيدينا لأخذ حقوقنا كأقليات.
تعميق مفهوم مواطنتنا السويدية هو الحل الأمثل الذي ننادي به دائماً من أجل التصدي للنزعات العنصرية من جهة والحفاظ على الهوية الخاصة ودرء خطر الذوبان.
أن تكون مواطناً سويدياً يعني أن تلتزم بالقوانين والقيم والتعليمات والتشريعات السويدية، وتمارس حياتك بعيداً عن استقطابات المجتمعات الموازية، وهذا لا يعيق أبداً حقك في ممارسة شعائرك الدينية وعاداتك وتقاليدك، بل هذا يتيح لك أن تطالب بمزيد من الحريات، أو تتصدى لمحاولات تحديد هذه الحريات، باستخدام ما يسمح لك به القانون والطرق الديمقراطية.

أمس نشر جبريل فودور وهو كاتب سويدي والدته فنلندية ووالده من مهاجري هنغاريا القدامى، نشر مقالاً ممتعا في الكومبس عن تاريخ وتجربة الأقلية السويدية في فنلندا، هذه الأقلية ومع أنها قديمة تاريخياً ومع أن السويد وفنلندا بلدان متجاوران ولا يوجد بينهما فروقات ثقافية كالتي توجد مثلا بين القادم من الشرق الأوسط والسويدي، فإن هذه الأقلية السويدية في فنلندا لا تزال إلى الآن تعاني من صعوبات الاندماج، ورغم تمتعها بحقوق الأقليات على الورق بشكل كامل، لا يزال نصفها تقريباً يشعر بالتمييز والتهميش وعدم تكافؤ الفرص بينهم وبين الفنلنديين.

هنا نود أن نسأل جيمي أوكيسون، إذا كان السويدي الموجود في فنلندا منذ مئات السنين، يعاني إلى الآن من صعوبات تعلم اللغة الفنلندية ومن عقبات الاندماج، هذه فنلندا بلد مجاور لك وإحدى دول الشمال الأوروبي، كيف ترى إذاً هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين وأبنائهم وهم يتكلمون اللغة السويدية بطلاقة وهم يتعلمون في المعاهد والجامعات ويحتلون مختلف المراكز ووظائف في عصب الحياة الاقتصادية والخدمية، رغم أن أقدم لاجئ من الشرق الأوسط وصل قبل حوالي 60 سنة فقط على أبعد تقدير؟
نعم هناك من يجد صعوبة في الاندماج وصعوبة في تعلم اللغة وصعوبة في هضم القوانين والعادات، وهناك من يخطئ لأنه لا يحسن التصرف مع أطفاله أو لا يجيد التعامل مع مؤسسات الدولة، ولكن أليس لكل شيء ثمن، يا سيد أوكيسون؟ أنت تريد أجيالاً من المهاجرين جاهزين، منهم من وصل ودخل سوق العمل مباشرة، ولم تصرف عليه السويد ولا على تعليمه أي مبالغ، ومنهم من احتاج أعواماً قليلة فقط، لكي ينخرط ويبدأ الإنتاج، دون أيضا أن يكلف المجتمع السويدي كثيراً من الموارد، تريد كل ذلك من دون أن يكون بين هؤلاء من يتعثر أو يفشل؟
ننصحك يا سيد أوكيسون أن تقرأ مقال جبريل فودور لكي تحمد الرب على سرعة اندماج العرب والشرق أوسطيين في السويد بالنسبة لبطء اندماج السويديين في فنلندا.
وننصحك أن تنظر إلى من هو السويدي الحقيقي والواقعي الذي تريد أن تدافع عنه وتحميه من همجية وتخلف الشرق أوسطيين، كما تدعي وننصحك أخيراً وبما أنك تقود توجهات الحكومة بالعمل على تحفيز روح المواطنة عند الجميع والكف عن تقسيم المجتمع إلى فئات وطبقات وثقافات مختلفة
وللحديث بقية ولكن.. إلى اللقاء

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.