الكومبس – تحليل مصور: هنا يموت المدنيون دون أن تتاح لهم فرصة وداع أحبائهم. هنا يصرخ الأطفال فيسمعهم العالم دون أن يفعل أحد شيئاً. يفشل العالم مجدداً في حماية المدنيين من حرب تصبح مع تطور وسائل القتل أكثر ضراوة وألماً. لم تتعلم البشرية كثيراً من حربيين عالميتين حصدت أرواح الملايين، حينها تعاهدت الدول على تجنيب المدنيين ويلات الحروب، غير أنهم ما زالوا أول من يدفع الثمن. هنا.. يفشل العالم مجدداً.
يحق للمدنيين الواقعين تحت سلطة طرف في النزاع أو قوة محتلة ليسوا من رعاياها أن تحترم أرواحهم وكرامتهم وحقوقهم الشخصية ومعتقداتهم. لا يملك أطراف النزاع وأفراد قواتها المسلحة حرية مطلقة في اختيار وسائل الحرب وأساليبها. بعض من مبادئ إنسانية أساسية أقرتها اتفاقية جنيف، تبدو الآن حبراً على ورق. من يقنع طفلاً فقد أمه وأبوه تحت القصف، دون حتى إدانة واضحة، أن العالم يهتم. من يقنع أماً فقدت طفلها بصاروخ بأن حقوق الإنسان ما زالت حقوقاً.
تحمل الحرب على غزة الآن الناس إلى الكفر بالقيم الغربية التي بُذلت جهود في السويد وغيرها لترويجها في الشرق الأوسط. يتلقف الناس هناك القيم الديمقراطية الليبرالية ككتلة واحدة، وحين يفشل العالم في الدفاع عن قيمة منها، فإن الخطر كبير في أن تُرفض منظومة القيم كلها، بل أن يتحول الأمر إلى عداء أكثر وضوحاً مع كل ما يروجه الغرب حتى ذلك الذي يتفق مع مصالح الشعوب.
البشر متساوون في القيمة. وضعت حرب غزة هذا المبدأ على المحك. الإدانة التي حظي بها مقتل المدنيين في إسرائيل لم تقابلها إدانة واضحة لمقتل المدنيين الفلسطينيين وقد تجاوزت أعدادهم 8 آلاف حتى الآن، وعدّاد الموت لا يتوقف.
القرار غير الملزم بوقف إطلاق النار الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة يقول الكثير. 120 دولة وافقت على القرار، مقابل رفض 14 بينها الولايات المتحدة. 45 دولة امتنعت عن التصويت بينها السويد وغالبية دول الاتحاد الأوروبي. لكلٍ مبرراتُه السياسية في الرفض أو الامتناع، لكن أليست المبادئ الإنسانية موضوعة أصلاً لتجنب تأثيرات السياسة والمصالح والانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك؟!
يفشل العالم في حماية سكان غزة، بشيوخها وأطفالها، ولهذا الفشل تأثيرات أكبر مما قد يتخيل بعض السياسيين الذين يتعاملون مع الآني والراهن فقط. لهذا الفشل تأثير السم القاتل ببطء في جسد الإنسانية.